جمادى الآخرة.. شهر تجمد الماء واشتداد البرد في ذاكرة العرب
يُعد شهر جمادى الآخرة، السادس في التقويم الهجري، من الشهور التي ارتبطت تسميتها بالظروف المناخية القاسية التي كانت سائدة في شبه الجزيرة العربية وقت التسمية، حيث كان البرد شديدًا والماء يتجمد، وهو ما انعكس في اسم "جمادى" المشتق من الجمود.
ويُطلق على الشهر اسم "جمادى الآخرة" وليس "الثانية"، لأن التسمية تشير إلى وجود شهرين فقط يحملان هذا الاسم: جمادى الأولى وجمادى الآخرة، دون ثالث لهما.
وتشير المصادر التاريخية إلى أن العرب كانوا يعتبرون جمادى من أزمنة القحط والضر، وقد وردت إشارات في الشعر العربي إلى قسوة هذا الشهر، منها قول المتوكل الليثي:
"فَإِنْ يَسْأَلِ اللهُ الشُّهُورَ شَهَادَةً -- تُنَبِّئْ جُمَادَى عَنْكُمُ وَالْمُحَرَّمُ"
جمادى الآخرة.. شهر تجمد الماء
كما سُجلت حوادث مناخية نادرة في هذا الشهر، أبرزها تساقط البَرَد بحجم البيض في بلاد تيماء عام 226هـ، ما أدى إلى وفاة عدد من السكان، في دلالة على شدة البرودة التي كانت تميز هذا الوقت من العام.
وتنوعت أسماء الشهر في الثقافات القديمة، حيث أطلق عليه قوم ثمود اسم "هوبر"، بينما عرفه العرب باسم "ورنة" وجمعها "ورنات"، وهي كلمات تشير إلى النعومة والتنعم، ربما في إشارة إلى الراحة بعد قسوة الشتاء.
ويُعد شهر جمادى الآخرة من الشهور التي تحمل دلالات لغوية وثقافية عميقة، تعكس ارتباط العرب بالبيئة والمناخ، وتُبرز قدرتهم على توثيق الزمن من خلال الظواهر الطبيعية التي عاشوها.