< سهرات وفساتين وريد كاربت فقط.. «النبأ» تكشف أسرار «سبوبة» المهرجانات الفنية
النبأ
رئيس التحرير
خالد مهران

سهرات وفساتين وريد كاربت فقط.. «النبأ» تكشف أسرار «سبوبة» المهرجانات الفنية

مهرجان القاهرة السينمائي
مهرجان القاهرة السينمائي

شهدت مصر -خلال السنوات الأخيرة-، انتشارا واسعا للمهرجانات الفنية من السينما والمسرح إلى الفنون المستقلة، لكنها في كثير من الأحيان تحولت إلى عروض شكلية بلا مضمون وحفلات استعراضية تركز على النجومية والموضة أكثر من دعم الفن الحقيقي أو إثراء الجمهور ثقافيًا.

وسرعان ما تحولت أغلب المهرجانات الفنية الخاصة والمغمورة، إلى «سبوبة» يسعى صاحبها إلى تحقيق الشهرة وكسب الأموال من خلال الحصول على الرعاة دون تحقيق أي أثر ثقافي أو فني.

على الجانب الآخر، تأتي مهرجانات الدولة والتي تتلقى تمويلا من الحكومة بلا أي فائدة حقيقية أو استغلالها في الترويج للمناطق السياحية، إذ تستنزف أموال وموارد ضخمة على حفلات افتتاح وبهرجة إعلامية، ما يطرح تساؤلات جدية حول القيمة الحقيقية لهذه الفعاليات والفائدة التي تعود على الدولة والجمهور والفنانين.

ضجيج بلا طحين

رغم أن مصر تحتضن عشرات المهرجانات الفنية سنويا، إلا أن الكثير منها أصبح مجرد عروض شكلية بلا مضمون «ضجيج بلا طحين».

يعد مهرجان القاهرة السينمائي الدولي الأبرز والأكثر شهرة لكنه رغم أهميته لا يزال الحدث محصورا داخل جدران القاعات مع تغطية إعلامية محدودة يختارها المنظمون وفق أهوائهم ما يحرم الجمهور ووسائل الإعلام من المشاركة الفعلية في مجريات الأحداث ومعرفة الدور الحقيقي للمهرجان والأعمال المشاركة فيه.

أما مهرجان الجونة السينمائي فرغم أنه لا يكلف الدولة أموالا ويعتمد على إنتاج خاص، إلا أن تأثيره الإعلامي يقتصر على متابعة فساتين النجوم على السجادة الحمراء أكثر من أي محتوى فني أو ثقافي حقيقي.

في المقابل، مهرجانات مثل مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي، ومهرجان الفيوم السينمائي الدولي لأفلام البيئة والفنون المعاصرة، وغيرهم من المهرجانت بعيدة تماما عن الإعلام ويظل أثرها على الجمهور معدوما حتى وصفها البعض بأنها «فسحة للمشاركين بلا أي هدف للترويج للسياحة أو دعم الفن الحقيقي».

كما ظهرت مهرجانات صغيرة ومستقلة بلا هوية أو شعار واضح هدفها الأساسي تكريم بعض الأسماء أو جمع الأموال من الرعاة دون أي قيمة حقيقية للجمهور أو للمشهد الفني.

مراقبة مصادر التمويل

في هذا الصدد، قال الكاتب الصحفي والإعلامي محمد سعد، إن قضية المهرجانات الفنية في مصر «مهمة جدًا»، مؤكدا أن المهرجانات يجب أن تقوم بأداء أهدافها الحقيقية والابتعاد عن البروباجندا الزائفة التي تقوم على فساتين الفنانات والترندات التافهة مع التركيز على تنشيط السياحة.

وأضاف «سعد» -في تصريحات خاصة لـ«لنبأ»-، أن الأصل في إقامة أي مهرجان فني هو أن يكون له أهداف ثقافية وفنية وتشجيع الأعمال الجادة التي تحتوي على قدر عالي من الإبداع سواء كانت مسرحية أو سينمائية أو غيرها ودفع صناع هذه الأعمال لمزيد من الإنتاج الإبداعي المميز.

وتابع: «كما يجب إتاحة الفرصة للمهتمين بالشأن الفني والدارسين والجمهور العادي للتعرف على أشكال الفنون المختلفة من خلال الأعمال المشاركة وإقامة ندوات وورش عمل تركز على شرح وتحليل ومناقشة القضايا الفنية وتعليم مهارات التمثيل والإخراج وفروع الفنون المختلفة».

وأكد «سعد»، أن الهدف الآخر المهم والذي يجب أن يتصدر المشهد هو الترويج للقوة الناعمة المصرية من خلال المهرجانات الدولية وتحقيق الانتشار للأعمال المصرية والأهم الترويج السياحي للمدن الكبرى مثل الإسكندرية وجنوب سيناء والبحر الأحمر والمدن الجديدة مثل العلمين.

وشدد على أن هذا الهدف يجب أن يكون رقم 1 بالنسبة للمهرجانات التي تقام في المدن السياحية وليس مجرد شعار لجذب الرعاة.

واستكمل: «هذا لن يتحقق إلا بوجود الإعلام الأجنبي والعربي لنقل صور حية من المناطق السياحية لكل أنحاء العالم كما حدث في حفل افتتاح المتحف المصري الكبير».

وأضاف أن معظم هذه المهرجانات حاليا تهتم بالشو واللقطة داخل مصر فقط ولا تخاطب الجمهور العربي أو الأجنبي وهو الجمهور الذي يحقق الرواج السياحي للبلد، بالإضافة إلى الأهداف الفنية والثقافية.

وعن الفائدة والعائد الاقتصادي من هذه المهرجانات، أشار «سعد» إلى أن المستفيد الأول هم صناع المهرجانات أنفسهم حيث يحصل بعضهم على دعم كبير من جهات الدولة والقطاع الخاص داخل وخارج مصر.

وحول مهرجان شرم الشيخ لمسرح الشباب، قال إنه قد يحقق بعض الأهداف الثقافية والفنية لكنه يفتقر إلى الفائدة التي تعود على الدولة.

وأوضح أن المهرجان يُقام في مدينة سياحية مهمة مثل شرم الشيخ ولم يتم دعوة القنوات العالمية لتغطية الحدث ما يقلل من أي أثر سياحي محتمل.

واختتم محمد سعد حديثه بالدعوة إلى ضرورة تدخل وزارة الثقافة والوزير الدكتور أحمد فؤاد هنو؛ لمراجعة تصاريح هذه المهرجانات والتأكد من أنها تقوم بالأدوار التي أقيمت من أجلها ومراقبة مصادر تمويلها داخل وخارج مصر لضمان تحقيق العائد الحقيقي للدولة.

«العدد في الليمون»

وفي سياق متصل، قال الناقد الفني الدكتور طارق سعد، إن المهرجانات في مصر أصبحت في حد ذاتها أزمة بسبب كثرتها الكبيرة، معقبا: «زي ما بنقول كده العدد في الليمون»، منها الرسمية التي تمثل مصر مثل مهرجان القاهرة السينمائي والإسكندرية والأقصر ومسرح الشباب في شرم الشيخ، وغيرهم، بالإضافة إلى المهرجانات الخاصة مثل الجونة وللأسف جميعهم لا يقدمو محتوى فني أو ثقافي حقيقي»

وأضاف «سعد» -في تصريحات خاصة لـ«النبأ»- أن المهرجانات الرسمية تعتمد على دعم مادي حكومي محدود ما يؤثر على فعاليتها على الجمهور والدعاية لها وعن وغياب الرؤية الواضحة لكيفية استغلالها.

وأشار إلى أن المهرجانات يمكن أن تستغل كعنصر جذب سياحي ودعاية للمدن، مثلما يحدث في الجونة من ترويج للفيلات والشاليهات ومراكز التسوق تحت اسم «مهرجان الجونة».

وأكد «سعد» أن نظام تنظيم المهرجانات الحالي يقتصر على إقامة الحفلات دون استراتيجية أو أهداف واضحة، قائلًا: «الهدف فقط هو عمل الحفلة وجذب بعض الرعاة لتغطية المصاريف لكن الأبعاد الأخرى غير موجودة وهذه نقطة سلبية كبيرة».

ولفت إلى أن المهرجانات تحولت للأسف إلى استعراضات للموضة والجمال بين الفنانات، حيث أصبح حضور المهرجان مرتبطا بارتداء فساتين مثيرة أو عمليات تجميل تغير شكل الفنانة ولا أحد يعرفها، معقبا: «بقينا منعرفش المهرجان بيقدم أي ولا مين الفنانة اللي بتتصور، ما جعل المهرجانات تتحول من منصات لعرض الفن والإبداع إلى حفلات مثل الزفاف أو أعياد الميلاد بلا محتوى».

وحذر الناقد الفني طارق سعد، من انتشار المهرجانات المغمورة أو الخاصة، متابعا: «مهرجانات تحت بير السلم، قد تروج أحيانا لمحتوى سلبي أو شخصيات لا علاقة لها بالفن».

وأشار إلى أمثلة مثل تكريم بلوجرز أو أشخاص مغمورين بلا معايير فنية واضحة قائلا: «كل هذه الأمور تسيئ للفن ويجب على وزارة الثقافة متابعة نوعية المهرجانات والمحتوى المقدم ولا يتم عمل اي مهرجان الا بتصريح رسمي من وزارة الثقافة».

واختتم «سعد» حديثه مؤكدا أن المهرجانات يجب أن ترتقي بالفن والذوق والوعي المجتمعي لا أن تتحول إلى استعراض للجمال وعمليات التجميل أو لتكريم أشخاص بلا علاقة بالإبداع الفني.

سبوبة المهرجانات

ومن جانبه، قال الكاتب والسيناريست سمير الجمل، إن للمهرجانات قواعد وأهم قاعدة في إطلاق أي مهرجان هي «شخصية المهرجان.. المهرجان ده طالع يتكلم عن إيه ويعبر عن إيه».

وأضاف «الجمل» -في تصريحات خاصة لـ«النبأ»-: «ما يحدث الآن هو أن بعض المهرجانات تحولت إلى سبوبة لأشخاص يسعون للحصول على لقب رئيس مهرجان أو مدير مهرجان ويبحثون عن عدد من الفنانين لتكريمهم، بينما الإعلام يهتم بأسمائهم ولا يوجد مهرجان حقيقي أو عمل فني يعرض بجدية».

 

وتابع: «المهرجانات ليست مجرد سجادة حمراء وظهور بعض الأشخاص بلا ملابس لأخذ اللقطة بل الهدف الحقيقي هو عرض الأفلام ومناقشتها من خلال ندوات ومن خلال حضوري للمهرجانات أغلبها حتى الدولية، 90% من النجوم لا يحضرون الندوات فهم لا يهمهم سوى التكريم أو السهرات مع أصدقائهم وقليلون جدًا هم من يكونون حريصين على مشاهدة الافلام من الشرق والغرب للتعلم وتمكين الآخرين من التعلم أيضًا».

وأضاف «الجمل»: «أتمنى أن يكون هناك مهرجان مخصص حتى لأفلام الموبايل التي يصنعها الأشخاص العاديون مثل مهرجان الأفلام الوثائقية في الإسماعيلية ومن أنجح المهرجانات المحافظة على هويتها هو مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية لأنه أُعد بشكل جيد وفي مكان مهم وبالتالي يخدم السياحة والفن».

وأوضح أن 90% من المهرجانات عبارة عن «سبوبة» لأصحابها، معقبا: «شلة اجتمعت على أن يكون هذا رئيس المهرجان وهذا المدير وأي فيلمين أو 2 أو 3 فنانين يتسلمون الدروع لكن بلا أي مردود سياحي أو فني وإنما مردود شخصي على أصحابهم، والسؤال المطروح ماذا قدموا في المهرجان كم من رؤساء المهرجانات لا يعرف الناس عنهم شيئا أين إبداعهم أين كتابتهم في المنتج الفني طبعا هناك قلة قليلة فقط».

واستطرد: «مهرجان مثل مهرجان القاهرة السينمائي ترعاه الدولة ويضم أسماء كبيرة وتعرض فيه أعمال مهمة منذ بدايته، بينما المهرجانات الصغيرة لا معنى لها».

وختم «الجمل» حديثه قائلا: «حتى على المستوى الشعبي الناس لا تعرف عنها شيئا وهذه أكبر خطيئة لا يمكن إقامة مهرجان في أسيوط ويكون أهل أسيوط آخر من يعلم عنه بالعكس يجب أن أتواجد في مراكز الشباب وقصور الثقافة والشوارع حتى لو عرضت الأفلام في الهواء الطلق الناس يجب أن تحس أن للمهرجان قيمة كما كان يفعل مهرجان القاهرة في وقت من الأوقات».