الدكتور محمد حمزة يكتب: رجال الدين والخوض في التاريخ والآثار
علي رجال الدين والإفتاء الديني أن يبتعدوا عن الخوض في التاريخ والآثار ماداموا لا يعلمون عن هذين العلمين شيئا؟؟؟؟ ومن ثم يجب عليهم أولا أن يستعينوا بما إنتهت اليه الدراسات التاريخية والأثرية. من نتائج علمية مبنية علي أدلة مادية يقينية وفق المنهج العلمي السليم حتي تكون أحاديثهم وحواراتهم ومداخلاتهم بل وفتاويهم أقرب إلى الحق والمنطق والتصديق.
أما الإعتماد علي الاسرائيليات المبثوثة والمنتشرة في كتب التراث التاريخي والديني،والتحدث والإفتاء بها وكأنها حقائق فهذا ليس من العلم بشئ بل وليس من الدين بشئ وضرر ذلك أكثر من نفعه فالاسرائيليات،لم يقم عليها دليل ولا تؤيدها النتائج العلمية الحديثة حتي الآن؟ وبالتالي كيف يركن اليها وتتخذ مسوغا لتبرير أي حديث أو فتوي؟؟؟؟
كما هو الحال في فتوي الشيخ صالح الفوزان /والشيخ مصطفي العدوي.
بل إن المفتي الأسبق لمصر وهو الشيخ علي جمعة له برنامج يحمل عنوان ( مصر أرض الأنبياء) وكل أدلته المتعلقة بأحداثهم منقولة عن الاسرائيليات والتي لاسند لها ولاتمت للعلم ومنهجه السليم بصلة.
وبداية فإن أنبياء الله ورسله من لدن أدم إلى محمد عليهم السلام أجمعين حق وصدق ولا ينكر ذلك إلا ملحد ولاديني ومشرك وكافر والمصدر الوحيد المعروف عنهم وعن رسالاتهم ودعوات كل منهم هو الكتب المقدسة المتوافرة وهي التوراة وأسفار اليهود ال39 أولا والكتاب المقدس بعهديه القديم ( التوراة والأسفار) والجديد ( الانجيل وأعمال الرسل) ثانيا والقرأن الكريم والسنة النبوية الصحيحة ثالثا
القصص القرآني
وقد ورد ت الإشارة إلى أنبياء الله ورسله قبل محمد صلي الله عليه وسلم في القرآن الكريم في ما يعرف بقصص الأنبياء ضمن القصص القرآني والذي وصفه الله سبحانه وتعالي بأحسن القصص ( يوسف3) وبالقصص الحق(آل عمران62) بل قال المولي عز وجل ( ومن أصدق من الله حديثا النساء87) وفي أية اخري( فأقصص القصص لعلهم يتفكرون الأعراف176). وعناصر القصة القرانية ثلاثة وهي القالب والمضمون ثم الزمان والمكان وأخير الأسماء والمسميات فالقالب والمضمون يتمثل في إستدعاء الحدث التاريخي من اعماق الزمان وعرضه من جديد في مقام العظة والعبرة فالماضي يبعث بعثا جديدا والميت يصبح حيا من أجل هذا الغرض وبالنسبة للزمان فلكل قصة زمنها الخاص بها وعنصر الزمن في القرآن زمن مطلق من كل قيد إلا قيد الماضي فليست لهذا الزمن حدود تحده بل هو حادث مضي وإنتهي أما عن المكان فالقرأن في قصصه لا يلتفت إلى المكان ولا يجئ له ذكر إلا إذا كان المكان وضع خاص يؤثر في سير الأحداث أو يبرز ملامحه أو يقيم شواهد العظة والعبرة كما في قصة الإسراء فقد أشار القرآن إلى المكان ومسار الرحلة من المسجد الحرام إلى المسجد الاقصي( الإسراء اية1) أما إن لم يكن للمكان أي إعتبار من الاعتبارات الثلاثة السابق ذكرها فإن القرآن لايلتفت علي ذكر المكان ولا يعول عليه كما في قصة أهل الكهف ولم يحدد مكانه.
أما بالنسبة للأسماء فقد ذكر القرآن أسماء 25نبيا ورسولا من أنبياء الله ورسله وهناك من الأنبياء والرسل لم يذكرهم( ومنهم من لم نقصص عليك) كما ذكر الأسماء التي تحدت الدعوة مثل فرعون وقارون وهامان وأسماء اخري لم تذكر صراحة ومنها صاحب موسي ومؤمن فرعون وصاحب يوسف بل وهناك أسماء مجردة من أي صفة ومنها رجل وقرية وهي مثل عام لجنسها وعلي ذلك فإن الأحداث الوارد ذكرها في القصص القراني لم يحدد القران إرتباطها بزمن معلوم أو مكان معلوم أو شخص معلوم. مما يشير إلى أن هذه الأحداث سوف تتكرر علي مر الزمان حتي قيام الساعة تحت صور مختلفة ولكن بالماهية نفسها.
وعلي ضوء هذه الحقيقة أصبح البحث عن الإطار الزمني والإطار المكاني أو أين ومتي ؟ علم لاينفع وجهل لايضر علي حد قول الشيخ الشعراوي رحمه الله تعالي.
وهنا يثور تساؤل مهم حول الغرض من القصص القراني مادام الإطارين الزماني والمكاني غير محددين؟؟؟؟ والإجابة واضحة وجلية في القرأن الكريم نفسه فالله سبحانه وتعالي يقول لرسوله( وكلا نقص عليك من أنباء الرسل مانثبت به فؤادك هود120) وقوله( لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ) وقوله( فأقصص القصص لعلهم يتفكرون) وقوله( ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله ابراهيم9)
وقوله( تلك من أنباء الغيبنوحيها إليك ماكنت تعلمها أنت ولا قومك قبل هذا هود 94 ) وهذا يعني أن الغرض من القصص القراني هو تثبيت فؤاد النبي والعظة والعبرة والتفكروالتدبر وإظهار وصدق محمد في دعوته وإثبات رسالته فإن اخبار الأمم السابقة الماضية لايعلمها إلا الله سبحانة وتعالي ولم يكن يعلمها لا محمد ولا قومه قبل نزول الوحي عليه وإنبائه بها.
رجال الدين والنص القرآني
وعلي ذلك يجب علي رجال الدين والفتيا الالتزام بالنص القراني ومضمونه والغرض منه فلا إجتهاد مع النص؟؟ أما اللجوء إلى الاسرائيليات المبثوثة والمنتشرة في كتب التراث الديني والتاريخي بخصوص الأحداث التاريخية والأماكن المرتبطه بقصص الأنبياء والرسل فهو نوع من العبث الفكري الذي لا طائل من ورائه حيث لا سند لها ولايقم عليها دليل علمي يقيني حتي الآن
بل وصل الأمر إلى التشكيك في صحة المرويات التوراتية التي هي أساس الاسرائيليات في التراث الديني والتاريخي العربي الاسلامي سواء من حيث إرتباطهم بهم أو من حيث الإطار الزماني والمكاني لها أي مسرح أحداثها وتاريخ تلك الأحداث ومن ثم وجدنا كتب ودراسات عديدة بشتي اللغات حول التوراة اليهودية مكشوفة علي حقيقتها؟ والتوراة جاءت من جزيرة العرب؟
والقدس ليست أورشليم،والتوراة اليمنية؟ والتوراة الحجازية، والتوراة اليمنية؟ والماضي الخرافي( التوراة والتاريخ) وإختلاق الماضي، واختراع ارض اسرائيل.
واختراع الشعب اليهودي وتهويد التاريخ؟ وأنبياء سومريون كيف تحول عشرة ملوك سومريين إلى عشرة أنبياء توراتيين
ومصر الاخري التبادل الحضاري بين مصر وايجابا وفضيحة التوراة والأسطورة والتوراة
وملحمة جلجامش والتوراة وجغرافية التوراة في اليمن القديم وجغرافية التوراة مصر وبنو اسرائيل في عسير وكنعان وملوك بني اسرائيل في جزيرة العرب وعورة نوح ولعنة كنعان وتلفيق الاصول وبحثا عن النبي ابراهيم وابراهيم وسارة الهجرة الوهمية إلى فلسطين وفلسطين المتخيلة أرض التوراة في اليمن القديم ويهودا والسامرة البحث عن مملكة حمير اليهودية ومصر لم تعرف موسي ولا فرعون بالإنجليزية وغير ذلك كثير.
وهناك من يقول ان موسي عليه السلام هو سرجون الأكادي ومن يقول أنه هو الأمير خعمواس ابن رمسيس الثاني وان سليمان عليه السلام هو تحوتمس الثالث وأن يوسف عليه السلام هو الوزير والمهندس إيمحوتب باني الهرم المدرج وفي قول أخر هو الوزير يويا زوج توبا كما ورد في كتاب غريب في وادي الملوك المترجم عن الإنجليزية أما عن فرعون موسي فهناك مايربو عن عشر نظريات غير علمية بالمرة ولا دليل عليه أبرزها رمسيس الثاني أو ابنه مرنبتاح وأغرب هذه النظريات المرتبطة بفرعون موسي هي. القائلة بأن فرعون موسي هي الملكة حتشبسوت ومن يقول إنه من الهكسوس وأخر ملوكهم وهناك من يقول أنه اسم علم وليس لقب لوروده في القران الكريم 74نكرة وليس معرفا وغير ذلك مما لاسند له ولايقوم عليه دليل علمي يقيني حتي الآن.
فكيف أيها السادة الافاضل من رجال الدين والمفتون تعولون علي الاسرائيليات. فيما تكتبون وفيما تتحدثون وفيما تصدرون من فتاوي إعتمادا علي مرويات لم تثبت صحتها
ولا دليل عليها ولا يعرف زمانها ولا مكانها ولا في عهد اي من الحكام أو الأسر الحاكمة فإذا كان النص القرآني أشار اليها علي إنه ا من الغيبيات التي لأعلم للرسول وقومه بها قبل إنبائه عنها بالوحي؟ فهل أتاكم الوحي لتنبئونا بذلك حتي نصدقكم
وعلي ضوء ماتقدم فإنه يجب علي رجال الدين والفتيا عدم الخوض في القضايا الدينية والتاريخية التي لها صلة بالدين دون الرجوع لأهل التخصص من المؤرخين والعلماء والباحثين في التاريخ والآثار وما إنتهت اليه دراساتهم من نتائج جديدة مهمة حول العديد من تلك القضايا ؟؟؟
فهاهو اسرائيل فنكلشتاين بعد دراسات إستمرت لمدة نصف قرن من الزمان يطالب بتحرير علم الاثار من سطوة النص التوراتي حتي يمكن كتابة التاريخ الحقيقي الأصلي لبني اسرائيل بعيدا عن المرويات التاريخية وفي ضوء الاكتشافات الأثرية فحسب،ومن ثم فأنا أطالب بتحرير الدراسات الدينية والتاريخية الإسلامية من سطوة الاسرائيليات
والمرويات الضعيفة والاعتماد فقط علي المصادر التاريخية الأصيلة والمصادر الأثرية الإسلامية وما أكثر هذه وتلك
فيأيها السادة الافاضل
إذا لم تكن هناك نتائج يقينية مؤكدة حول كل أو بعض القضايا الدينية أو التاريخية التي لها صلة بالدين حتي الآن فلا يجب الاعتماد علي الاسرائيليات والاكتفاء والالتزام بالنص القرع وفحواه ومضمونه بمعزل عن الإطار الزماني والمكاني له لأن ذلك من الغيب الذي أنبا الله سبحانه وتعالي نبيه به عن طريق الوحي حتي يظل الغيب غيبا وربما كان ذلك وسيظل أمرا مقصودا لذاته من المولي عز وجل ليعلم الإنسان أنه مهما أوتي من علم وقوة وتقنيات وامكانيات سيظل ضعيفا وغير قادر علي الإحاطة بكل شئ مهما كانت قدراته وإمكانياته وتقنياته ومما يقوي هذا الرأي ويدعمه ويعززه أن الاكتشافات الأثرية وما أنفق عليها من مليارات الدولارات وبمختلف الوسائل العلمية البدائية والتقليدية والحديثة والمتطورة فضلا عن التطبيقات والوسائل العلمية الحديثة خلال القرون الثلاثة الأخيرة
وحتي الآن لم تسفر عن شئ ولم تحسم أي قضية من تلك القضايا الدينية أو التاريخية ذات الصلة بالدين بل العكس فقد شككت في صحة المرويات التوراتية المتعلقة بتاريخ بني اسرائيل وأنبيائهم وأحداثهم ومكان وزمان حدوثها وخرجتها من مجال التاريخ إلى مجال الادب واللاهوت.
والخلاصة يجب إستصدار تشريع ملزم. بذلك؟؟ والاستعانة بأهل التخصص في التاريخ والاثار وما انتهت اليه بحوثهم ودراساتهم قبل إصدار تلك الفتاوي
وكذلك أطالب بتعيين المتخصصين في التاريخ والآثار كمستشارين وخبراء في المؤسسات الدينية ومجالسها وهيئة كبار العلماء ومراكز البحوث ودار الافتاء علي غرار المتخصصين في الطب والصيدلة والعلوم والمناخ والفلك وغيرها من التخصصات الحديثة فالتاريخ والآثار ليسا أقل من تلك التخصصات بل هو الأصل وعلم العلوم وينظر اليه في الغرب علي أنه علم المستقبل.
وبعد
فنحن لسنا ضد رجال الدين والفتيا بل العكس فنحن نجلهم ونقدرهم ونعتز بهم ونثمن دورهم ،ولكننا ضد القلة القليلة منهم ممن يتسيدون المشهد الإعلامي من راغبي الشهرة والتريند ويتحدثون ويحاورون ويكتبون ويجادلون ويفتون بلا علم أو لغرض في نفس يعقوب.
أيها السادة
الفتوي دون علم ضررها أخطر من نفعها،وهل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون لايستويان؟
وقبل العلم رأس الجهل وإنصرف،وتملأ الكوز غرفة من محيط فيري الكوز أنه هو المحيط،والحق أحق أن يتبع.
ياجماعة الخير
علم علم
مش فوضي ولا هي فوضي
بقلم:
الدكتور محمد حمزة أستاذ الحضارة الإسلامية وعميد آثار القاهرة سابقا