< خطة نتنياهو لتفجير اتفاق شرم الشيخ للسلام فى غزة
النبأ
رئيس التحرير
خالد مهران

خطة نتنياهو لتفجير اتفاق شرم الشيخ للسلام فى غزة

السيسي وترامب في
السيسي وترامب في شرم الشيخ

انعقدت قمة السلام بمدينة شرم الشيخ، في تحول تاريخي لمسار الصراع العربي الإسرائيلي، حاملة على عاتقها أعباء استثنائية وتبعات مصيرية.

وبرزت مصر بثقلها التاريخي ودورها الإقليمي المحوري، ليس فقط كوسيط معتاد، بل كلاعب رئيسي أفشل بمهارة وحزم مخطط تهجير الفلسطينيين من أرضهم، لتصبح «القاهرة» وحدها حائط الصد الأول في الدفاع عن القضية الفلسطينية.

وبعد ساعات من توقيع وثيقة الاتفاق في شرم الشيخ بحضور الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حلقت أزمة جديدة في الأفق تهدد باستكمال مسار السلام برمته، بعدما لوح رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، بتجميد الاتفاق وعدم الاستمرار في تنفيذه وإغلاق المعابر ومنع دخول أي مساعدات إنسانية لقطاع عزة، بسبب عدم تسليم حركة حماس جثامين القتلى من الأسرى الإسرائيليين حتى الآن، في محاولة منه للمراوغة وتفجير اتفاق شرم الشيخ للسلام قبل سريانه بشكل فعلي.

وطرحت تلك الأزمة، عدة تساؤلات مُلحّة حول ضمانات استمرار اتفاق السلام في شرم الشيخ، ومدى صمود الاتفاق عقب انتهاء الهدنة المؤقتة وتسلم الرهائن والمحتجزين؟

هل يصمد الاتفاق؟

ورغم خروج قمة شرم الشيخ للسلام بمشهد تاريخي وصفه ترامب بـ«يوم عظيم للشرق الأوسط»، مؤكدًا أن وثيقة وقف الحرب في غزة شاملة وتحتوي على جميع القواعد واللوائح الخاصة بتطبيق الاتفاق، إلا أن البعض يشكك في قدرة حماس وإسرائيل في الاستكمال في تنفيذ بنود الاتفاق.

واشتد التشكيك بعدما قررت حكومة الاحتلال الإسرائيلي تقليص المساعدات الإنسانية للقطاع إلى حين إعادة كافة جثث الأسرى الإسرائيليين من القطاع.

وذهب البعض بعيدا مشككا في رغبة «ترامب» نفسه في إحلال السلام بالمنطقة، معتبرين وساطته مجرد خداع سياسي من أجل إنهاء ملف الرهائن والمحتجزين، خاصة وأن المرحلة الثانية من الاتفاق تشمل أمورا معقدة كتفكيك حركة حماس وتسليم سلاحها وتحديد شكل جديد لحكم قطاع غزة.

وأثارت تصريحات دونالد ترامب أثناء وجوده على متن طائرته الرئاسية فور مغادرة مدينة شرم الشيخ وتوقيع وثيقة اتفاق السلام، جدلا واسعا بعدما أكد أنه غير منشغل بفكرة حل الدولتين وإنما تركيزه منصب حاليا على إعادة إعمار قطاع غزة.

وأضاف خلال حديثه للصحفيين: «أنا لا أتحدث عن دولة واحدة أو دولتين، نحن نتحدث عن إعادة إعمار غزة».

وتابع: «كثيرون يريدون حل الدولة الواحدة، والبعض يريد حل الدولتين، ولكننا سنرى وسنقرر ما نراه صحيحا ولكني سأنسق أولا مع الدول الأخرى».

وفي هذا السياق، قال الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن مصر حاولت تحصين اتفاق السلام بين حماس وإسرائيل من خلال حضور الرئيس الأمريكي ترامب بنفسه وتوقيعه على وثيقة الاتفاق بالإضافة إلى توقيع قادة مصر وقطر وتركيا.

وأضاف «فهمي» -في تصريحات خاصة لـ«النبأ»- أن القيادة السياسية المصرية تضع نصب أعينها مسألة إعادة الإعمار من أجل تحسين أوضاع الأشقاء الفلسطينيين الموجودين داخل قطاع غزة.

وأشار إلى أن مصر تعمل على تنظيم مؤتمر إعادة الإعمار في شهر نوفمبر المقبل بحضور عدد من القادة والمؤسسات الدولية، بعدما أقنع الرئيس السيسي نظيره الأمريكي بأن يكون المؤتمر برعايته شخصيا.

ورغم بدء تنفيذ المرحلة الأولى من الاتفاق، في تسليم الأسرى والمحتجزين إلا أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر، أكدت وجود صعوبات شديدة في استعادة جثث بعض الرهائن الإسرائيلية من قطاع غزة وتسليمها للجانب الإسرائيلي، وهو ما يهدد بعرقلة الوصول للمرحلة الثانية من الاتفاق.

وقال كريستيان كاردون، المتحدث باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر، في تصريحات صحفية، إن استعادة جثث بعض الرهائن القتلى قد تستغرق وقتًا طويلًا، نظرًا لأن بعض أماكن الدفن غير معلومة.

ووصف «كاردون»، أن تسليم رفات الرهائن والمعتقلين الذين سقطوا في الحرب بـ«التحدي الهائل» بالنظر إلى صعوبة العثور على الجثث وسط أنقاض غزة.

وأضاف أن الأمر ربما يستغرق أيامًا أو أسابيع، مشددًا على أن هناك احتمالًا بألا يتم العثور عليهم أبدًا.

إحباط مخطط التهجير

لا شك في أن مصر قامت بدور بارز كلاعب رئيسي وحائط الصد الأول في مواجهة مخططات التهجير الذي نسج خيوطها رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، بدعم كامل من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

وتحطمت أحلام ومطامع التهجير على صخرة الدبلوماسية المصرية، بعدما تحركت «القاهرة» على عدة جبهات بدبلوماسية هادئة وحازمة.

فعلى الصعيد الدولي، استخدمت مصر ثقلها السياسي ومكانتها كشريك استراتيجي لا غنى عنه في استقرار المنطقة، لتعبئة الرأي العام العالمي وكشف المخاطر الكارثية لمحاولة التهجير، معربةً بأن هذا المخطط لن يمثل جريمة إنسانية فحسب، بل سيشعل فتيل حرب إقليمية شاملة لا تُحمَد عواقبها.

أما على الصعيد الإقليمي، فلم تكتفِ مصر بتصدر جبهة الرفض العربي، بل عملت بلا كلل على توحيد المواقف وتنسيق الجهود لحرمان المخطط من أي غطاء أو شرعية عربية، مؤكدة أن أمنها القومي مرتبط بشكل وثيق بعدم السماح باجتثاث الشعب الفلسطيني من أرضه.

وفي هذا السياق، قال الدكتور مصطفى البرغوثي، الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية، إن واحدة من أهم مكاسب قمة شرم الشيخ للسلام، انتهاء مؤامرة التهجير القسري للفلسطينيين وإلى الأبد.

وأكد «البرغوثي» أن إسرائيل لم تنجح في تنفيذ مخططها رغم كل المجازر التي ارتكبتها في قطاع غزة.

وأوضح الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية، أن الحرب توقفت إلا أن المعركة لم تنتهي خاصة وأن الشعب الفلسطيني لم يضمن حقه في الاستقلال وتقرير مصيره حتى الآن.

ويرى السفير دياب اللوح، السفير الفلسطيني في القاهرة، أن مصر ودورها المحوري السبب الرئيسي وراء إيقاف الحرب ومنع مخطط تهجير الفلسطينيين.

وأضاف أن الشعب الفلسطيني يثق في الدور المحوري لمصر في استكمال مراحل اتفاق السلام من عدم تجدد الحرب والوقف المستدام للعمليات العسكرية ومنع التهجير وفتح المعابر لإدخال المساعدات الإنسانية.

وأشار إلى أن السلطة الفلسطينية قدمت خطة واضحة، بالتنسيق الكامل مع مصر، لإدارة قطاع غزة، مؤكدًا أن حكم قطاع غزة هو شأن فلسطيني.

سر غياب القادة العرب

غاب عن مشهد قمة السلام في مدينة شرم الشيخ، لبنان بعدما لم توجه لها أي دعوة رسمية للحضور.

واعتبر البعض في الداخل اللبناني، أن استبعاد بيروت من القمة نتيجة وجود انقسامات وخلافات داخلية حول مصير حزب الله ومسألة نزع السلاح منه، مؤكدين أن مشهد غياب لبنان أمر طبيعي في ظل ما تعانيه من أزمة سيادة متجذّرة داخل الدولة.

ولم يقف الغياب العربي عند بيروت، بل جاء غيابا لافتا لعدد من الدول العربية بشمال إفريقيا كالمغرب وتونس والجزائر.

وأثار الغياب اللافت لعدد من القادة العرب على رأسهم الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، والشيخ محمد بن زايد، رئيس دولة الإمارات، تساؤلات عديدة بشأن الأولويات العربية وقراءة المشهد لدى بعض العواصم العربية.

واكتفت المملكة العربية السعودية، حضور وزير خارجيتها في قمة شرم الشيخ في ظل غياب الأمير محمد بن سلمان، وكذلك الشيخ محمد بن زايد، رئيس الإمارات العربية المتحدة.

وذهب البعض بعيدا ليشير إلى احتمالية وجود خلافات بين السعودية والإمارات من ناحية ومصر وقطر على الجانب الآخر فيما يخص الرؤى حول مصير حركة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية في اليوم التالي بعد وقف إطلاق النار وانسحاب أغلب قوات الاحتلال من قطاع غزة.

وأشارت مصادر إلى أن اعتراض «الرياض» و«أبو ظبي» الرئيسي أن الاتفاق لا ينهي وجود حركة حماس بشكل كامل، بينما يرى آخرون أن الإمارات والسعودية اختارا مراقبة الوضع دون الانخراط فيه بشكل رئيسي لتخوفهما من نجاح الاتفاق والرهان عليه.

حضور نتنياهو والتراجع عن قراره

في المشهد الآخر من الزاوية، أربك تحرك الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قبل ساعات من وصوله إلى مطار شرم الشيخ، في الاتصال هاتفيا بالرئيس السيسي وطلب حضور رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، حسابات بعض المشاركين في القمة، معترضين على وجوده.

ليقرر «نتنياهو» سريعا التراجع عن الحضور وإبلاغ «ترامب» بالاعتذار وعدم المشاركة لارتباطه بالمشاركة في أعياد دينية بـ«تل أبيب».

ورجحت مصادر مطلعة في حديثها لـ«النبأ» أن بنيامين نتنياهو فضل عدم التواجد والمشاركة في قمة السلام بشرم الشيخ، خوفا من تعرضه للإحراج ورفض مصافحته من قِبل القادة العرب.

وفي هذا الصدد، قال الكاتب ضياء رشوان رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تعمد الغياب عن قمة شرم الشيخ للسلام، مستخدمًا ذريعة غير واقعية تتعلق بالأعياد اليهودية، رغم أن الظروف لا تمنع السفر أو المشاركة في فعاليات دولية.

وأضاف «رشوان» أنه تواصل شخصيًا مع أحد المتخصصين في الشؤون الدينية اليهودية، والذي أكد عدم وجود أي مانع ديني يحرم نتنياهو من السفر والمشاركة في قمة السلام خاصة في تلك الظروف الاستثنائية والضرورية.

وأكد «رشوان» أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، سعى لحضور «نتنياهو» والرئيس الفلسطيني محمود عباس، من أجل إشراك جميع الأطراف الفاعلة في تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى والمحتجزين.

واستكمل: «ترامب أراد أن يظهر بمظهر القائد الجامع للأطراف في الشرق الأوسط، لكن نتنياهو خذله، وتهرّب بحجة واهية، ما وضعه في موقف حرج أمام الرأي العام الدولي وحتى أمام واشنطن نفسها».

وأشار رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، إلى أن نتنياهو خشى من مواجهة الرئيس الفلسطيني ومصافحته وكذلك عدم رغبته في اللقاء بعدد من زعماء العالم المشاركين في القمة والذين سبق لهم الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة وهو ما كان سيضعه في موقف حرج داخل «تل أبيب» وتحديدا من أعضاء حكومته من اليمين المتطرف.