< لأول مرة منذ 7 سنوات.. الاقتصاد المصري يستعيد الثقة الدولية
النبأ
رئيس التحرير
خالد مهران

لأول مرة منذ 7 سنوات.. الاقتصاد المصري يستعيد الثقة الدولية

وزير المالية
وزير المالية

في خطوة وُصفت بأنها شهادة ثقة جديدة في الاقتصاد المصري، أعلنت مؤسستا التصنيف الائتماني العالميتان «ستاندرد آند بورز» و«فيتش» عن رفع وتثبيت تقييم الاقتصاد المصري مع نظرة مستقبلية مستقرة، وذلك لأول مرة منذ سبع سنوات، في إشارة واضحة إلى تحسن مؤشرات الأداء الاقتصادي واستعادة الثقة في السياسات الإصلاحية التي تنفذها الدولة المصرية بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي.

القرار، الذي اعتبره المراقبون تتويجًا لمسار طويل من الإصلاحات المالية والهيكلية، أعاد مصر إلى دائرة الاهتمام الإيجابي للمستثمرين والمؤسسات الدولية، بعد سنوات من التحديات الاقتصادية العنيفة التي فرضتها الظروف المحلية والعالمية، بدءًا من تداعيات جائحة كورونا، مرورًا بالحرب الروسية الأوكرانية، وانتهاءً بالأزمة العالمية في سلاسل الإمداد والطاقة.

ستاندرد آند بورز ترفع التصنيف.. وفيتش تثبّت بثقة

أعلنت مؤسسة ستاندرد آند بورز رفع تصنيف الاقتصاد المصري من درجة B- إلى B مع نظرة مستقبلية مستقرة، وهو ما يعد التحسن الأول منذ عام 2018.
في المقابل، قررت مؤسسة فيتش تثبيت تصنيف مصر عند الدرجة ذاتها بعد أن كانت قد رفعته في تقريرها الأخير العام الماضي، لتؤكد استمرار الثقة في قدرة الاقتصاد المصري على الصمود أمام الضغوط العالمية ومواصلة تحقيق الإصلاحات الاقتصادية.

التقريران الدوليان أشارا إلى استمرار الإصلاحات الهيكلية، وتطبيق سياسة سعر صرف مرن، وزيادة تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، فضلًا عن تحسن مؤشرات القطاع الخارجي، وتحقيق فائض أولي كبير بلغ 3.6% خلال العام المالي الماضي، إلى جانب انخفاض المديونية الحكومية وارتفاع معدل النمو إلى 4.4% خلال عام 2025 مقارنة بـ 2.4% فقط عام 2024.

كما أثنت المؤسستان على ارتفاع معدل نمو استثمارات القطاع الخاص بنسبة تفوق 70%، وزيادة حصيلة الإيرادات الضريبية بنسبة 35% دون فرض أعباء جديدة، بفضل التوسع في القاعدة الضريبية وتطبيق منظومات التحول الرقمي والتسهيلات الممنوحة للممولين.

المالية: نتائج الإصلاح أصبحت محل تقدير عالمي

وأكد أحمد كجوك وزير المالية أن قراري مؤسستي التصنيف يعكسان إدراكًا دوليًا واضحًا لجدية الحكومة المصرية في تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي الوطني الشامل، وتأثير تلك الإصلاحات على تحسين مؤشرات الاقتصاد الكلي وتعزيز مرونة القطاعات الإنتاجية والخدمية.

وقال الوزير إن النتائج الإيجابية المحققة، وما شهدته الأسواق من تجاوب قوي من القطاع الخاص، أصبحت محل اهتمام وتقدير من المستثمرين والمؤسسات الدولية، مشيرًا إلى أن مؤسسات التصنيف بدأت بالفعل في تغيير نظرتها المستقبلية لمصر من الحذر إلى الإيجابية، وهو ما انعكس في رفع تقييمها للجدارة الائتمانية للبلاد.

وأوضح كجوك أن الحكومة تعمل على مواجهة التحديات ومواصلة الإصلاحات بشكل متسق ومتكامل لدعم النمو وتنافسية الاقتصاد، مشددًا على أن استكمال السياسات المتناغمة سيضمن استمرار الاستقرار الاقتصادي، وينعكس بصورة مباشرة على تحسين مستوى معيشة المواطنين وخلق فرص استثمارية جديدة في مختلف القطاعات.

نائب الوزير: النظرة الدولية تتحول.. وتكلفة التمويل تتراجع

من جانبه، أشار ياسر صبحي نائب وزير المالية للسياسات المالية إلى أن الأوساط المحلية والمحافل الدولية بدأت تلمس التحول الإيجابي في تقييم أداء الاقتصاد المصري، موضحًا أن ذلك التحول انعكس على انخفاض تكلفة التمويل في الإصدارات الدولية، وعودة الاهتمام المتزايد من المستثمرين المحليين والأجانب بالسوق المصرية سواء في صورة استثمارات مباشرة أو في الأوراق المالية الحكومية.

وأضاف صبحي أن رفع درجة التقييم الائتماني لمصر سيسمح بـ توسيع قاعدة المستثمرين وتقليل درجة المخاطر، وهو ما يدعم استمرار النمو الإيجابي المستدام للاقتصاد المصري على المدى المتوسط والطويل، ويعزز قدرة الدولة على الحصول على تمويل بشروط أفضل في الأسواق العالمية.

المستشار المالي: تواصل دائم مع المؤسسات الدولية

بدوره، أكد علاء عبد الرحمن مستشار وزير المالية للمؤسسات المالية الدولية أن وزارة المالية تتواصل على مدار العام مع المؤسسات الدولية وبنوك التنمية ومؤسسات التصنيف الائتماني لتوضيح كل التطورات الخاصة بالسياسات المالية والاقتصادية في مصر، وتقديم البيانات الدقيقة والرد على كل الاستفسارات بشكل دوري.

وأوضح عبد الرحمن أن هذا التواصل المستمر ساهم في تعزيز الشفافية وبناء جسور ثقة حقيقية مع تلك المؤسسات، مشيرًا إلى أن الوزارة حريصة على إبراز الحقائق الموضوعية حول الإصلاحات المنفذة ونتائجها الفعلية، بما يعكس صورة الاقتصاد المصري بشكل موضوعي وإيجابي أمام العالم.

تحليل: شهادة ثقة جديدة.. ومؤشر على بداية مرحلة استقرار

يعتبر رفع وتثبيت التقييم الائتماني لمصر خطوة بالغة الأهمية في توقيتها، خصوصًا أنها تأتي بعد فترة شهدت خلالها البلاد تحديات اقتصادية حادة نتيجة الضغوط التضخمية وارتفاع تكلفة الواردات.
ويرى خبراء الاقتصاد أن تحسن النظرة المستقبلية من مؤسسات التصنيف يعزز فرص جذب رؤوس الأموال الأجنبية، ويزيد من ثقة المستثمرين في قدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها المالية.

كما أن ارتفاع الفائض الأولي وانخفاض المديونية الحكومية يتيح مرونة مالية أكبر أمام الحكومة لتنفيذ مشروعات تنموية وتوسيع برامج الحماية الاجتماعية، وهو ما يخلق توازنًا بين الإصلاح الاقتصادي والعدالة الاجتماعية.

ويربط المراقبون بين هذا التحسن وبين تسارع خطوات الإصلاح الهيكلي التي بدأت منذ مارس الماضي، خاصة بعد تحرير سعر الصرف، وتوسيع مشاركة القطاع الخاص في المشروعات القومية، وتحسين مناخ الاستثمار من خلال تعديلات تشريعية وتنظيمية مهمة.

المستقبل القريب: ثمار الإصلاح تظهر تدريجيًا

حسب تصريحات وزارة المالية، فإن المرحلة المقبلة ستركز على الاستمرار في تعميق الإصلاحات وتنسيق السياسات النقدية والمالية بما يحقق استقرار الأسعار ويحفز النمو، إلى جانب توسيع برامج تمكين القطاع الخاص، واستقطاب استثمارات جديدة في مجالات التصنيع والتكنولوجيا والطاقة المتجددة.

ويؤكد مسؤولو الوزارة أن انعكاس الإصلاحات على جودة حياة المواطنين سيصبح أكثر وضوحًا خلال السنوات القليلة المقبلة مع انخفاض معدلات التضخم، وتحسن مستويات التشغيل، وتوافر فرص عمل أكثر استقرارًا.

طريق الإصلاح مستمر

التحسن في تقييم مؤسسات التصنيف العالمية للاقتصاد المصري لا يمثل مجرد رقم في تقرير دولي، بل هو اعتراف دولي صريح بجدوى الإصلاحات الاقتصادية التي تنفذها الدولة المصرية، وإشارة إلى أن الاقتصاد بدأ يستعيد عافيته وثقة العالم فيه.

وبينما تستعد مصر لمواصلة هذا المسار بثبات، تبقى التحديات قائمة، لكن ما تحقق حتى الآن يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من الاستقرار والنمو، عنوانها الأبرز:
«الاقتصاد المصري.. من التعافي إلى الانطلاق».