< فى المرتبة 65 عالميًا والثالثة عربيًا.. أسرار زيادة العنف الأسرى وانتشار جرائم قتل الآباء لأطفالهم
النبأ
رئيس التحرير
خالد مهران

فى المرتبة 65 عالميًا والثالثة عربيًا.. أسرار زيادة العنف الأسرى وانتشار جرائم قتل الآباء لأطفالهم

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

في ظل التحولات الاجتماعية والاقتصادية المتسارعة التي يشهدها المجتمع المصري، برزت ظاهرة الجرائم الأسرية كواحدة من أكثر القضايا إثارة للقلق.

كانت الأسرة، على مر العصور، نواة المجتمع وملاذًا للأمان والاستقرار، إلا أن السنوات الأخيرة شهدت تزايدًا ملحوظًا في معدلات العنف داخل الأسر، مما يعكس خللًا عميقًا في البنية الاجتماعية والنفسية للمجتمع.

تتعدد أسباب هذه الظاهرة بين الضغوط النفسية، والاقتصادية، والاجتماعية، بالإضافة إلى تأثيرات وسائل التواصل الاجتماعي وانتشار المحتوى العنيف، كما أن غياب الحوار الفعّال داخل الأسرة، وتراجع القيم الأخلاقية، ساهم في تفشي هذه الظاهرة.

في عام 2023، أظهرت الإحصائيات الرسمية انخفاضًا بنسبة 73% في معدل ارتكاب الجرائم الجنائية مقارنة بعام 2014، مما يعكس جهودًا أمنية ملحوظة في مكافحة الجريمة.

ومع ذلك، لا تزال بعض الجرائم الأسرية تثير القلق، حيث أظهرت دراسة حديثة أن مصر تحتل المركز الثالث عربيًا والـ65 عالميًا في معدلات جرائم القتل، وفقًا لتصنيف «نامبيو» العالمي لقياس معدلات الجرائم.

وفي ضوء ذلك، شهدت مصر في الآونة الأخيرة جرائم أسرية هزّت الرأي العام وأثارت موجة من الصدمة والحزن، منها جريمة مروعة في محافظة القليوبية، حيث قام أب بقتل زوجته وأولاده الأربعة داخل منزلهم، وفي جريمة أخرى بمحافظة الجيزة أودى الزوج بحياة زوجته وأطفاله الثلاثة، في مشاهد مأساوية تؤكد الحاجة الملحة لفهم أعمق للأسباب النفسية والاجتماعية التي تقف وراء هذه الظواهر المؤسفة.

توعية الأسر والمجتمع 

وفي السياق ذاته حذر الدكتور علي النبوي، أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر، من التصاعد اللافت لمعدلات الجرائم الأسرية والعنف المجتمعي في مصر، مرجعًا ذلك إلى تدهور القيم الأخلاقية والتقليدية التي نشأ عليها المجتمع، وغياب القدوة، وتفاقم مشاعر الإحباط لدى الشباب، إلى جانب ضعف دور الأسرة والتأثير السلبي للسوشيال ميديا.

وأوضح «النبوي» أن المجتمع المصري شهد خلال العقد الأخير تحولًا حادًا في منظومة التقاليد، حيث انتشرت بين الشباب فيديوهات ومحتويات مليئة بالعنف والعدوان والألفاظ الخارجة، ما أدى إلى تطبيع هذا السلوك وجعله مقبولًا، بل وأحيانًا مبررًا، لدى قطاع كبير من المراهقين.

وأضاف: «كنا زمان بنسمع ألفاظ فيها احترام زي حضرتك وسيادتك، النهاردة بقت الشتائم هي اللغة السائدة في الكلام بين الشباب، وده ما حصلش فجأة، بدأ بالألفاظ وانتهى بالسلوك العدواني الجسدي والاعتداء المباشر، حتى داخل الأسرة نفسها».

وأشار «النبوي» إلى أن من أخطر التحولات التي ساهمت في زيادة معدلات العنف الأسري، هو تراجع مكانة الأب داخل البيت المصري، حيث لم يعد يتمتع بالهيبة أو السلطة التي كانت موجودة في السابق.

وتابع: «الابن اللي شاطر على الإنترنت وبيكسب من السوشيال ميديا، بيشوف أبوه مش فاهم التكنولوجيا وبيعتبره متأخر، وده بيضعف احترامه ليه، وبيزود التمرد والعنف داخل البيت».

واستكمل: «زمان الأب كان مصدر للدخل، وله سلطة، وهيبة، ودوره كان واضح، النهاردة الدنيا اتشقلبت، الشباب بقى عنده مهارات رقمية، وبيشتغل فريلانس، وبيشوف إن أبوه مش على نفس المستوى... ومن هنا بيبدأ تفكك الأسرة».

وأكد أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر، أن الإدمان أصبح عنصرًا محوريًا في تفسير كثير من الجرائم، خاصة بين فئة الشباب، لافتًا إلى أن الإدمان في حد ذاته ليس إلا عرضًا لأزمة أعمق تتعلق بـ«الإحباط، والقلق، وفقدان الأمل، وانعدام دور الشاب في المجتمع».

وأضاف: «الشاب لازم يكون قدامه قدوة، نموذج ناجح يحلم يبقى زيه، سواء في العلم، أو الرياضة، أو حتى الفن المحترم، الإعلام لازم يصدر النماذج الإيجابية، مش يخلينا نقلد ناس مشوهة فكريًا وسلوكيًا».

وشدد «النبوي» على ضرورة توعية الأسر والمجتمع بشكل عام من خلال مقالات جادة، ومحتوى توعوي هادف على وسائل التواصل الاجتماعي، مطالبًا بوضع ضوابط حقيقية على المحتوى المنتشر بين الشباب، وضرب مثالًا بعدد من الدول التي قامت بـ "حظر تطبيقات مثل تيك توك" لأنها لاحظت تأثيرها السلبي على معدلات الجريمة والسلوك العدواني.

وكشف أن العنف لا يقتصر على البيوت فقط، بل بات واضحًا أيضًا في المدارس والجامعات، مؤكدًا أن فترة المراهقة تحديدًا تشهد أعلى معدلات العنف بين الطلاب، سواء لفظي أو جسدي، خاصة خلال فترات الراحة بين الحصص.

ودعا إلى ضرورة تدخل عاجل من الدولة والمجتمع لإنقاذ الشباب، عبر تنظيم دورات توعوية، وتوفير مساحات آمنة للتعبير، وتشجيع القراءة والرياضة والرحلات التعليمية، وتعزيز الانتماء والهوية الوطنية.

وأشار «النبوي» إلى نتائج دراسات نفسية حديثة كشفت أن من أبرز أسباب العنف بين الشباب: الاكتئاب، والشعور بالدونية، والتقليد الأعمى لأشخاص مضطربين نفسيًا واجتماعيًا.

وأضاف: «لو فضلنا نضحك على نفسنا ونقول إن كل جريمة مجرد حادث فردي، هتزيد الجريمة أكتر، لازم نواجه الأسباب الحقيقية ونبدأ بالإصلاح من الجذور».

واختتم الدكتور النبوي حديثه مؤكدًا أن الحل لن يكون أمنيًا فقط، بل يتطلب دمج الجهود التربوية والنفسية والإعلامية، وخلق بيئة تحتضن الشباب وتدعمهم بدلًا من أن تدفعهم إلى الانحراف والعنف.

تآكل البنية النفسية للأسرة

من جانبه قال الدكتور هشام رامي، أستاذ الطب النفسي بجامعة عين شمس، إن الجرائم الأسرية تُعد مؤشرًا خطيرًا على تآكل البنية النفسية للأسرة، وغياب الحوار الفعّال بين أفرادها.

وأوضح أن معظم الحالات التي نتابعها في العيادات النفسية تُظهر وجود عوامل ضغط مزمنة مثل الاكتئاب، اضطراب الهوية، العزلة، أو فقدان الانتماء داخل الأسرة، وهي مشكلات حين تتراكم دون علاج قد تؤدي إلى انفجارات عنيفة.

وأضاف أن الخلل في العلاقة بين الأبناء والآباء لم يعد فقط نتيجة غياب القيم، بل أيضًا نتيجة ضعف في التواصل العاطفي، وشعور الأبناء بأنهم غير مفهومين أو مرفوضين، ما يدفعهم إما للعدوان، أو للانسحاب، أو في بعض الحالات للتصرفات الخطرة".

وأكد أن العنف لم يعد مجرد رد فعل، بل أصبح في بعض الحالات وسيلة تعبير عن ألم داخلي غير معالَج، ولفت إلى أن الإعلام والسوشيال ميديا تساهم بشكل مباشر في تأطير العنف كسلوك مألوف.

واختتم تصريحه بالتأكيد على أن الحل يبدأ من إعادة بناء العلاقة النفسية داخل الأسرة، وتعليم الأهل كيفية التعامل مع التغيرات النفسية لأبنائهم، خصوصًا في فترات المراهقة، التي تمثل أرضًا خصبة لتكوّن الغضب، أو الانحراف، أو حتى الجريمة.