< فضيحة سرقة المتحف المصري تهدد باستبعاد «العنانى» من اليونسكو
النبأ
رئيس التحرير
خالد مهران

خلل أنظمة التأمين..

فضيحة سرقة المتحف المصري تهدد باستبعاد «العنانى» من اليونسكو

الدكتور خالد العناني
الدكتور خالد العناني

أثارت واقعة سرقة قطعة أثرية من داخل المتحف المصري بالتحرير، جدلًا واسعًا خلال الأيام الماضية، لا سيما أنها حدثت في الوقت الذي تستعد فيه مصر لافتتاح واحد من أكبر المتاحف في العالم، وهو المتحف المصري الكبير في 1 نوفمبر المقبل، كما أن تلك الواقعة تمثل فضيحة غير مسبوقة تهدد التراث المصري وسمعته العالمية، خاصة أنها تأتي بالتزامن مع ترشيح الدكتور خالد العناني لمنصب المدير العام لمنظمة اليونسكو.

الدكتور خالد العناني

ترشيح «العناني» لـ«اليونسكو»

القطعة الأثرية المسروقة هي أسورة ذهبية تعود للعصر المتأخر، وتحديدًا لمقتنيات الملك أمنموبي من عصر الانتقال الثالث، وهي فترة تاريخية امتدت بين عامي 1070 و664 قبل الميلاد.

وكشفت وزارة الداخلية، عن أن مرتكبة الواقعة أخصائية ترميم بالمتحف، استغلت وجودها داخل المعمل وسرقت الأسورة بأسلوب المغافلة، بعد ذلك، تواصلت مع تاجر فضيات الذي باعها لمالك ورشة صاغة، ليتم صهرها وإعادة تشكيلها ضمن مشغولات أخرى لإخفاء معالمها التاريخية.

وفي هذا الصدد، تستعرض «النبأ الوطني» حوادث السرقة التي تمثل تاريخًا حافلًا من السرقات الغامضة بالمتحف المصري بالتحرير، ففي عام 2004 اختفت 38 قطعة أثرية ذهبية من المتحف، وتقدر قيمة هذه المقتنيات حينها بنحو 150 مليون جنيه.

بينما تعرض المتحف المصري بالتحرير لواقعة سرقة قطع أثرية عديدة؛ في أحداث يناير 2011، ورغم استعادة معظم القطع إلى أن بعض المقتنيات منها لا تزال مفقودة حتى اليوم، إضافة إلى اختفاء تمثال صغير للملك إخناتون والذي ظل مفقودًا لأسابيع إلى أن تم العثور عليه في حقيبة قمامة بالقرب من ميدان التحرير.

ولم تقتصر الحوادث على السرقات الغامضة فقط، بل وصل الأمر إلى قضايا فساد وتلاعب بالسجلات وهو ما ظهر خلال التحقيقات في قضية تورط موظفين في سرقة تمثال أثري من داخل المتحف بالتحرير، وتم التلاعب في الأوراق الرسمية لإخفاء الجريمة.

المتهمين في واقعة سرقة قطعة أثرية من داخل المتحف المصري بالتحرير

الحوادث المشار إليها والتي وقعت داخل المتحف المصري، وهو المكان الذي يُفترض أن يكون الأكثر تحصينًا وحفظًا للمقتنيات، تقودنا إلى طرح العديد من التساؤلات حول كيفية تسريب أو سرقة القطعة، ومدى فعالية آليات التأمين والرقابة والمتابعة داخل المتاحف والمعامل والمخازن الأثرية بشكل عام بمختلف أنحاء الجمهورية، ونناقش مع الخبراء والمتخصصين آليات اختيار الموظفين الأثريين ومرتباتهم التي لا توفر حياة كريمة لأسرهم رغم أن البعض منهم يحملون دكتوراة ويعملون في ملفات حساسة، ومدى تأثير تلك الواقعة على ترشيح الدكتور خالد العناني لمنصب المدير العام لمنظمة اليونسكو؟.

غياب الرؤية الأمنية والإدارية

من جهته، قال الدكتور مجدي شاكر كبير الأثريين الأسبق، إن ما حدث في قضية سرقة القطع الأثرية لم يكن حدثًا عابرًا، بل هو جرس إنذار كبير يكشف عن خلل ممتد منذ سنوات في أنظمة التأمين والإدارة داخل المؤسسات الأثرية المصرية.

وكشف كبير الأثريين الأسبق، في تصريحات خاصة لـ«النبأ الوطني»، عن أن المتحف يخلو من التأمين بالكاميرات، متابعًا: «بكل أسف لا يوجد كاميرات مراقبة من الداخل لحماية المقتنيات الآثرية المهمة»، موضحًا أن تكرار هذه الوقائع أمر متوقع «لأننا ببساطة لم نضع الأساس السليم لحماية التراث».

الدكتور مجدي شاكر

وأشار «شاكر»، إلى أن العالم كله يتعامل مع آثار المتاحف بمنظومة متطورة، بينما «ما زلنا نستخدم الورق والرصاص والقرادة كما لو كنا في القرن الماضي»، مضيفًا: «العالم لا يخترع العجلة كل يوم، بل يتابع التطور ويأخذ بأحدث الوسائل، فإذا أردنا أن نضمن حماية تراثنا، علينا أن نرى ماذا يفعل الآخرون، والدليل أن المتحف البريطاني نفسه، رغم إمكانياته، تعرض لسرقة في المخزن منذ أشهر قليلة».

وأكد كبير الأثريين الأسبق، أن المسؤولية في هذه القضية ليست على فرد واحد أو جهة بعينها، بل على كل الأجهزة المعنية سواء الداخلية والمخابرات والأمن القومي، فـ«تاريخك جزء من حدودك النفسية على القلب»، وبالتالي لا يقل أهمية عن حماية حدودك الجغرافية».

وقال إن التعامل مع الواقعة باعتبارها مجرد جريمة عادية وسرقة؛ ستؤدي إلى تكرارها بعد أسابيع أو شهور، بينما الحل يكمن في وضع قواعد واضحة، تقلل على الأقل من حجم المشكلة، حتى لو لم تمنعها بشكل كامل، مستشهدًا بمثال طبي قائلًا: «الموضوع يشبه حالة إنسان مريض بالبرد، واحد يقول له خلاص هيروح، وآخر يأخذه إلى طبيب متخصص، نحن الآن في حاجة إلى طبيب متخصص يضع خطة دقيقة للتأمين».

وأشار إلى أن الخلل الأمني كان واضحًا، حيث يوجد نوعان من الأمن: أمن داخلي يتبع الوزارة، وأمن خارجي يتبع الداخلية، لكن في النهاية، الكاميرات يجب أن تكون موجودة في الداخل والخارج، والرقابة تكون حقيقية.

واستطرد قائلًا: «الموظفون أنفسهم لا بد أن يعيشوا حياة كريمة لا تمنحهم فرصة للتفكير في طرق ملتوية، حتى رجال الأمن أنفسهم يعانون من ضعف التدريب وغياب الرؤية، لو أن رجل أمن طلب وضع كاميرا في موقع معين، فهل يُعقل أن يُرفض طلبه؟ فمن المفترض أن يكون هناك قواعد وأسس لا يملك أحد تجاوزها، لكن للأسف ما حدث هو أن كل الأطراف تعاملت مع الموقف بشكل سيئ، بداية من الوزير وحتى أصغر موظف».

وأشار كبير الأثريين إلى زيارة ملك إسبانيا وزوجته إلى مصر، والتي كانا يضيئان صورة القاهرة، لكن بتلك الواقعة التي حدثت انطفأت الصورة تمامًا، متسائلًا: كيف يقف وزير سابق للآثار مرشح الآن لمنصب عالمي، ويقول إنه قادر على حماية تراث العالم، بينما تراث بلده لم يستطع حمايته؟.

وأوضح أن الصورة الخارجية لمصر تأثرت بشدة، خاصة أن وسائل الإعلام الأجنبية تركز على هذه التناقضات، متابعًا: «لو أن صحفي أجنبي طرح أول سؤال على الوزير قائلًا: كيف ستتحدث عن حماية التراث العالمي وأنت لم تحمِ تراث بلدك؟، وذلك في إشارة إلى أن مثل هذه الواقعة تؤثر سلبًا على موقف الدكتور خالد العناني المرشح لمنصب المدير العام لمنظمة اليونسكو.

وأشار إلى أن القضية لم تُدار بشكل احترافي منذ البداية، «فالبيانات كانت متضاربة، والفيلم الذي قُدم لتفسير الواقعة لم يقنع أحدًا، والبيان الصحفي نفسه لم يكن موفقًا»، مضيفًا: «لو أن الوزير خرج من أول يوم وقال: أنا آسف لمصر ولأجدادنا لأننا فقدنا قطعة مهمة، لكننا سنعمل على استعادتها أو ترميمها، لكان الموقف أخف بكثير».

وأكد أن الأزمة ليست فقط في السرقة، بل في كيفية إدارة الملف إعلاميًا وأمنيًا وإداريًا، متابعًا: «كان يجب أن تكون الأولوية المطلقة منذ عام 2017 لتأمين المتحف، لكننا فوجئنا بأن المشروع دخل في مراحل تطوير طويلة بينما الأمن لم يكن في المقدمة»، مسيرًا إلى أن التمويل ليس حجة مقبولة، لأن المجلس الأعلى للآثار يعتمد على التمويل الذاتي من موارده، وبالتالي «من غير المنطقي أن نتحدث عن غياب الميزانية لتأمين المتحف، بينما هذه أول خطوة في أي مشروع».

ويكمل: «الخلل وصل إلى تفاصيل مذهلة، مثل تسليم قطع أثرية دون توقيع، أو غياب دفتر تحركات رسمي، هذا أمر لا يمكن السكوت عنه، وحتى فكرة المغافلة التي ترددت في تصريحات البعض غير منطقية، فالموظفة التي ارتكبت الجريمة تعمل منذ سنوات طويلة، ولو كانت تنوي السرقة لكانت فعلتها من قبل، لكنها ببساطة وجدت الطريق ممهدًا، فالموضوع لم يكن صعبًا».

المتحف المصري بالقاهرة

وذكر أن القضية كشفت عن تباين في المرتبات داخل وزارة السياحة والآثار، «فزملاء في نفس السن ونفس المجال يتقاضون ضعف المرتبات لأنهم في قطاع السياحة، بينما الأثريون، رغم أنهم يحملون دكتوراه ويعملون في ملفات حساسة، يتقاضون رواتب زهيدة لا تكفي تتراوح بين 6 إلى 9 آلاف، فهذا التفاوت يولد إحباطًا، ويجعل الأثري الذي يتعامل مع قطع تساوي ملايين الدولارات عاجزًا عن توفير حياة كريمة لأسرته».

وأكد أن الموظفة المتهمة بسرقة القطعة الأثرية من المتحف المصري حاصلة على درجة الدكتوراة في مجالها، وراتبها 6 آلاف جنيه، مضيفًا أنه رغم أن القصة ليست في الموظفة أو القطعة التي سرقت فحسب، بل في صورة مصر كلها؛ نحن خسرنا أمام العالم، وصار علينا أن نجيب عن السؤال: ماذا بعد؟.

وأوضح أن الحل ليس في العقاب فقط، بل في تطوير القوانين، ونقل الموظفين بين المواقع لمنع نظام «العُهد» القديم الذي يعود للعصر العثماني، ووضع ضوابط صارمة للتأمين الداخلي والخارجي، فضلًا عن تحسين أوضاع العاملين وإيجاد رؤية إعلامية محترفة.

وقال مجدي شاكر: «حتى لو فُقدت القطعة بشكل نهائي، يمكننا أن نستعيد الحكاية، يمكننا إعادة تشكيلها وعرضها مع قصة ما جرى، فيكون لدينا مادة تحكي للزائرين قصة صراع على التراث، القصة أحيانًا تجذب الناس أكثر من القطعة نفسها».

واختتم كبير الأثريين حديثه قائلًا: «إذا لم نتدارك الآن هذه الأخطاء الأمنية والإدارية، فسوف تتكرر الكارثة، وأتمنى أن تكون هذه الواقعة نقطة تحول حقيقية، لأن الحضارة التي نملكها لا تتكرر، وأي خسارة فيها لا تعوض».