< علي الهواري يكتب: ميثاق الأمم المتحدة يكشف «خدعة» الاعتراف بفلسطين
النبأ
رئيس التحرير
خالد مهران

علي الهواري يكتب: ميثاق الأمم المتحدة يكشف «خدعة» الاعتراف بفلسطين

 «خدعة» الاعتراف
«خدعة» الاعتراف بدولة فلسطين

أثار اعتراف كل من بريطانيا وكندا واستراليا والبرتغال بدولة فلسطين ردود فعل متباينة ومتضاربة سواء على المستوى الفلسطيني والعربي أو على المستوى الإسرائيلي والعالمي.

ففي اسرائيل، اعتبر الرئيس الإسرائيلي، اسحاق هرتسوج، أن اعتراف دول غربية بدولة فلسطين هو يوم حزين بالنسبة لمن يسعون إلى السلام.

وأوضح هرتسوج «هذا الأمر لن يساعد أي فلسطيني، لن يحرر أي رهينة، وهذا الأمر لن يساعدنا في التوصل إلى اتفاق بين الإسرائيليين والفلسطينيين. هذا لن يؤدي سوى إلى تعزيز قوى الظلام»، مضيفا «إنه يوم حزين لمن يسعون إلى سلام حقيقي».

أما رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، فقد اعتبر أن اعتراف بريطانيا وكندا وأستراليا بدولة فلسطينية هو "مكافأة كبيرة للإرهاب".

وأضاف نتنياهو في بيان: "أبعث برسالة أخرى إليكم: هذا لن يحدث. لن تُقام دولة فلسطينية"، مؤكدا أن حكومته ستوسّع نطاق الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة.

وزعم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أن إقامة دولة فلسطينية تهدّد وجود الدولة العبرية، متعهدا مواجهة الدعوات لذلك في الأمم المتحدة.

وقال نتنياهو خلال اجتماع لحكومته: "سيتعين علينا خوض المعركة سواء في الأمم المتحدة أو في كل الساحات الأخرى ضد التضليل المنهجي ضدنا، وضد الدعوات لإقامة دولة فلسطينية والتي من شأنها أن تعرض وجودنا للخطر، وستكون بمثابة جائزة عبثية للإرهاب".

بينما رأت الخارجية الإسرائيلية أن "الاعتراف البريطاني ليس إلا مكافأة لحماس بتشجيع من الإخوان المسلمين في المملكة المتحدة". وقالت في منشور على "إكس"، مرفقًا بفيديو: "لقد اعترف قادة حماس أنفسهم صراحة بأن هذا الاعتراف هو النتيجة المباشرة، والثمرة لمذبحة السابع من أكتوبر"، وفق تعبيرها.

ثم اعتبرت الوزارة في منشور لاحق أن اعتراف بريطانيا ودول أخرى بدولة فلسطينية يزيد من زعزعة استقرار المنطقة ويقوض فرص التوصل إلى حل سلمي للصراع. وكتبت: "لن تقبل إسرائيل أي نصّ منفصل (عن الواقع) أو خيالي يحاول إجبارها على قبول حدود لا يمكن الدفاع عنها".

قال وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، إن الاعتراف البريطاني والكندي والأسترالي بالدولة الفلسطينية هو جائزة لقتلة النخبة ويجب أن نقوم بخطوات مضادة.

وأضاف: "يجب بسط السيادة على الضفة وتدمير تام لسلطة الإرهاب الفلسطينية".

أما بتسلئيل سموتريتش وزير المالية الإسرائيلي، فقال إن الرد الوحيد على الاعتراف بالدولة الفلسطينية فرض السيادة على الضفة الغربية، جاء ذلك وفقا لما أفادت به قناة القاهرة الإخبارية فى خبر عاجل لها قبل قليل.

وأضاف، أنه يجب إسقاط فكرة إقامة الدولة الفلسطينية من جدول الأعمال إلى الأبد.

أما في فلسطين، فقد رحّب رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، بهذه الخطوة بقوله إنها "هامة وضرورية على طريق تحقيق السلام العادل والدائم وفق قرارات الشرعية الدولية".

أما حركة حماس فوصفت الاعتراف الغربي بدولة فلسطينية بأنه "انتصار للحق الفلسطيني".

وقالت الحركة في بيان لها: "هذا الاعتراف خطوة مهمة في تأكيد حق شعبنا الفلسطيني في أرضه ومقدساته، وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس".

وقد رحبت وأثنت العديد من الدول العربية والإسلامية على هذا القرار، وأكدت الدول في بيانات منفصلة، أن الاعتراف يأتي التزامًا بمبادئ القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، وتجسيدًا لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

هذه الاعترافات تأتي في ظل سعي اسرائيلي الحثيث والمتسارع للقضاء على أي أمل لإقامة دولة فلسطينية، سواء من خلال ضم المزيد من أراضي الضفة الغربية وتقطيع أوصالها أو من خلال الإسراع في تهجير سكان غزة.

كما تأتي في ظل صحوة دولية للاعتراف بالدولة الفلسطينية وإحياء مسار حل الدولتين.

والسؤال الذي يطرح نفسه بعد كل هذه التحركات السياسية والدبلوماسية والقانونية لإقامة دولة فلسطينية لا سيما من قبل الدول الحليفة والداعمة سياسيا وعسكريا واقتصاديا لإسرائيل مثل بريطانيا وفرنسا: هل يمكن إقامة دولة فلسطينية على أرض الواقع؟

في البداية لا بد من معرفة الطريقة التي يتم بها الاعتراف بالدول في الأمم المتحدة، كما هو منشور على موقع الأمم المتحدة.

كيف يصبح بلد ما عضوًا في الأمم المتحدة؟

بموجب ميثاق الأمم المتحدة، تعتبر عضوية الأمم المتحدة "مفتوحة أمام جميع الدول المحبة للسلام التي تقبل الالتزامات الواردة في ميثاق الأمم المتحدة، والتي ترى المنظمة أﻧها قادرة على تنفيذ هذه الالتزامات"؛ وتقبل الدول في عضوية الأمم المتحدة بقرار من الجمعية العامة بناءً على توصية مجلس الأمن.

كيف تنال دولة أو حكومة جديدة اعتراف الأمم المتحدة؟

الاعتراف بقيام دولة أو حكومة جديدة عمل يعود لسائر الدول والحكومات وحدها أن تمنحه أو أن تمتنع عنه. وهو ينطوي ضمنًا، بوجه عام، على الاستعداد لإقامة علاقات دبلوماسية. لكن الأمم المتحدة ليست دولة ولا حكومة، ولذا، فهي لا تملك أي سلطة للاعتراف بدولة أو بحكومة. وبصفتها منظمة مؤلفة من دول مستقلة، باستطاعتها قبول دولة جديدة في عضويتها، أو قبول وثائق تفويض الممثلين عن حكومة جديدة.

وبموجب ميثاق الأمم المتحدة، فإن عضوية المنظمة "مفتوحة أمام جميع الدول المحبة للسلام التي تقبل الالتزامات الواردة في ميثاق الأمم المتحدة، والتي ترى المنظمة أنها قادرة على تنفيذ هذه الالتزامات". وتقبل الدول في عضوية الأمم المتحدة بقرار من الجمعية العامة بناءً على توصية مجلس الأمن. وفي ما يلي موجز للإجراء المتبع:

  • تقدِّم الدولة طلبًا إلى الأمين العام ورسالة تتضمن تصريحًا رسميًا بأنها تقبل الالتزامات الواردة في الميثاق.
  • ينظر مجلس الأمن في الطلب. ويجب أن تحصل أي توصية بقبول الانضمام على أصوات إيجابية لـ ٩ أعضاء في اﻟﻤﺠلس من أصل ١٥ عضوًا، بشرط ألا يصوِّت أي من الأعضاء الدائمين الخمسة - الاتحاد الروسي، الصين، فرنسا، المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية، والولايات المتحدة الأمريكية - ضدّ الطلب.
  • في حال توصية اﻟﻤﺠلس بقبول الانضمام، تقدَّم التوصية إلى الجمعية العامة لتنظر فيها. ويجب الحصول على أغلبية الثلثين في تصويت الجمعية العامة لقبول دولة جديدة.
  • تصبح العضوية نافذة بتاريخ اعتماد قرار القبول.
  • تنظر الجمعية العامة، في كل دورة، في وثائق تفويض جميع ممثلي الدول الأعضاء المشاركة في الدورة المعنيَّة. وخلال هذه العملية التي تبدأ أو ً لا على نحو روتيني في لجنة وثائق التفويض المؤلفة من تسعة أعضاء، علمًا أن عدد أعضائها قد يشهد زيادة في أحيان أخرى، قد تثار مسألة ما إذا كان ممثل معيَّن مفوضًا من الحكومة القائمة فعلا في السلطة. ويُبت في هذه المسألة في نهاية المطاف بالتصويت بالأغلبية في الجمعية. وتجدر الإشارة أيضًا إلى أن تغير الحكومات بشكل عادي، كما هي الحال من خلال الانتخاب الديمقراطي، لا يثير أي مسألة بشأن وثائق تفويض ممثل الدولة المعنيَّة.

بموجب هذه الشروط يصبح من المستحيل حصول أي دولة على اعتراف من الأمم المتحدة دون موافقة الدول الخمس الكبرى في مجلس الأمن الدولي والتي لها حق النقض «الفيتو»، وهي الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا وبريطانيا وفرنسا، ومن ثم يصبح اعتراف الأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية مرهونا بموافقة الدول الخمس الكبرى في مجلس الأمن، وهنا اشكالية كبرى وهي أن الولايات المتحدة الأمريكية العضو الدائم في مجلس الأمن تتبنى الموقف الإسرائيلي وترفض إقامة دولة فلسطينية، ومن ثم فهي سوف تستخدم حق النقض «الفيتو» لافشال أي محاولة للاعتراف بالدولة الفلسطينية، مما يحول كل هذه الاعترافات إلى مجرد حبر على ورق، أو مجرد شو إعلامي، كما يشكك في نوايا هذه الدول التي تعترف بدولة فلسطين، فهي من ناحية تحافظ على مصالحها في المنطقة مع الدول العربية وتخفف الضغوط الشعبية عليها بسبب حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على الفلسطينيين، وهي تعلم أن هذه الاعترافات مجرد حبر على ورق، وأنه دون اعتراف أمريكي وبدون ضغوط اقصادية ودبلوماسية وسياسية وقانونية وعسكرية على إسرائيل لوقف مشروعها بالقضاء على اي أمل لاقامة دولة فلسطينية فلن يكون لهذه الاعترافات أي معنى.

ومما يؤكد على ذلك، وصفت الولايات المتحدة، اعترف عدد من الدول الحليفة لها بالدولة الفلسطينية بأنه "استعراضي".

ويقول فقهاء القانون الدولي، أنه بغض النظر عن عدد الدول التي تعترف بالدولة الفلسطينية، فإن العضوية الكاملة في الأمم المتحدة تتطلب موافقة مجلس الأمن، حيث تتمتع الولايات المتحدة، الداعمة لإسرائيل، بحق النقض (الفيتو).

ويقول الخبراء، أن الاعتراف رمزي إلى حد كبير، لكنه يسمح للدول التي اعترفت بالدولة الفلسطينية بالدخول معها في معاهدات، ويعني أن يصبح رئيس البعثة الفلسطينية سفيرًا معترفًا به بالكامل.

وحسب الكثير من خبراء القانون الدولي فإن "هذا الاعتراف لا يُغيّر الوضع القانوني على الأرض، ولا يُلزم بريطانيا باتخاذ إجراءات تنفيذية مثل فرض عقوبات أو تعديل العلاقات التجارية مع إسرائيل".

وقال وزير الخارجية البريطاني، ديفيد لامي: "لن يغير هذا الموقف على أرض الواقع". لكنه يسمح للمملكة المتحدة بالدخول في معاهدات مع فلسطين، ويعني أن رئيس البعثة الفلسطينية يصبح سفيرًا معترفًا به بالكامل.

ويقول المحلل السياسي الروسي، ألكسندر نازاروف، أنه من المفارقات، أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية يدفنها، وأنه مهما بدا الأمر مرّا، لا ينبغي للفلسطينيين أن يفرحوا بهذه الخطوة، لأنهم لن يكونوا أقرب قيد أنملة من إقامة دولة حقيقية، لكنهم سيكسبون طرفا آخر يستغلهم لتحقيق مآرب سياسية.

وأنا أقول أنه لا يمكن للدول التي زرعت هذا الورم السرطاني«إسرائيل» في المنطقة العربية من أجل الحفاظ على مصالحها واجهاض أي محاولة لنهضة هذه المنطقة أن تستيقظ الأن فجأة.

من وجهة نظري هناك ما يسمى بتقسيم الأدوار بين الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وإسرائيل فيما يتعلق بالمنطقة العربية، وهناك دور سري وأخر معلن، الجانب المعلن هو أن تعارض هذه الدول سياسة اسرائيل من أجل ارضاء الدول العربية واظهار معارضتها للإبادة الجماعية التي تقوم بها إسرائيل في غزة من أجل امتصاص الغضب الشعبي والعالمي، من أجل الحفاظ على مصالحها في المنطقة،  وفي المقابل هي تمنح إسرائيل الضوء الأخضر لتفعل ما تشاء وتدعمها عسكريا واقتصاديا بلا حدود في الخفاء، والدليل أنه رغم كل هذه الاعترافات وكل هذه المواقف الغربية التي تبدوا أنها متعاطفة مع الفلسطينيين ومعارضة لما تقوم به إسرائيل لا زالت إسرائيل تواصل مذابحها وفظائعها وتدميرها لقطاع غزة ولا زالت تفرض سيطرتها على المزيد من الأراضي في الضفة الغربية، ولا زالت هذه الدول تمد إسرائيل بكل أنواع الأسلحة الفتاكة التي تبيد بها الشعب الفلسطيني.

الغريب أن كل هذه الدول التي تعترف بدولة فلسطين، تضع شرطا أساسيا هو الإفراج عن الرهائن وتنحي حركة حماس عن السلطة في غزة، وتخلي المقاومة عن سلاحها، وهذا يثير الكثير من الأسئلة وعلامات الاستفهام، ويشكك في نوايا هذه الدول.