< بعد مقترح «ساويرس».. هل يحل بيع أصول الدولة بالدولار أزمة ديون مصر الخارجية؟
النبأ
رئيس التحرير
خالد مهران

بعد مقترح «ساويرس».. هل يحل بيع أصول الدولة بالدولار أزمة ديون مصر الخارجية؟

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

تشهد الساحة الاقتصادية في مصر هذه الأيام نقاشًا محتدمًا حول جدوى التوسع في بيع أصول الدولة وخصخصة عدد من الكيانات العامة كوسيلة لمواجهة الأزمة المالية المتفاقمة، وتوفير تدفقات نقدية عاجلة بالعملة الصعبة.

يأتي ذلك في وقت تعاني فيه الموازنة العامة من فجوات تمويلية حادة، وسط ضغوط متزايدة على العملة المحلية، وارتفاع عبء الديون وخدمة الفوائد.

وتزامن هذا التوجه الحكومي مع موجة من التصريحات لعدد من رجال الأعمال البارزين، كان في مقدمتهم رجل الأعمال المهندس نجيب ساويرس، الذي دعا بشكل صريح إلى ضرورة الإسراع في بيع أصول الدولة وخصخصة المزيد من الشركات العامة كوسيلة للخروج من الأزمة الاقتصادية الراهنة.

واعتبر «ساويرس»، أن تقليص دور الدولة في النشاط الاقتصادي بات أمرًا ملحًّا، من أجل إفساح المجال أمام القطاع الخاص ليقود النمو ويوفر فرص عمل، ويجذب استثمارات أجنبية تعزز من تنافسية الاقتصاد الوطني. 

ومن هذا المنطلق، تسلط «النبأ» الضوء في هذا التقرير على الرؤى والتحليلات التي قدّمها الخبراء بشأن التداعيات المحتملة لعمليات بيع الأصول العامة، مع استعراض للدروس المستفادة من تجارب الخصخصة السابقة، والتوصيات المقترحة لضمان تحوّل هذا التوجه إلى رافعة إصلاح حقيقية لا مجرد مسكّن مؤقت.

بيع الأصول يوفر سيولة مؤقتة

أكد الدكتور الحسين حسان، الخبير الاقتصادي، أن بيع الأصول يمكن أن يوفر تدفقًا نقديًا سريعًا، خاصة بالعملة الأجنبية، ما يسهم في سداد جزء من الديون وتقليص فجوة التمويل، لكنه شدد في الوقت نفسه على أن هذا الأثر يكون مؤقتًا ما لم يُستكمل بإصلاحات هيكلية شاملة، تشمل تعزيز المنافسة، وتفعيل الحوكمة، ووضع سياسة صناعية فعالة.

وقال «حسان» إن البيع يحقق إيرادًا لمرة واحدة فقط، وسرعان ما يتلاشى أثره ما لم يصاحبه إصلاحات مؤسسية حقيقية، مشيرًا إلى أن هذا ما تؤكده أيضًا برامج التعاون بين مصر وصندوق النقد الدولي، التي تركز على تقليص دور الدولة وتسريع برنامج التخارج الاقتصادي.

وأوضح أن الأثر الإيجابي طويل الأجل لا يتحقق بمجرد البيع، وإنما عندما يكون هناك تنظيم قوي للسوق ومنافسة عادلة تسهم في رفع الكفاءة الإنتاجية، محذرًا من أن البيع تحت الضغط -سواء بسبب تعويم العملة أو أسعار متدنية أو في قطاعات احتكارية- غالبًا ما يكون حلًا مؤقتًا ذا أثر سلبي لاحق.

وأكد أن بيع الأصول لا يجب أن يُستخدم لتمويل مشروعات جديدة أو إنفاق جاري، بل يجب أن تُوجه حصيلته لتقليل الدين العام وخفض خدمة الفوائد، معتبرًا أن هذه هي الأولوية القصوى في الوقت الراهن.

وحول التجارب السابقة في مصر، أشار «حسان» إلى أن موجة الخصخصة في التسعينات حققت نجاحات محدودة، وكانت محاطة بملفات قانونية وتعقيدات وشبهات تعاقدية، لافتًا إلى نموذج شركة عمر أفندي كنموذج بارز لما أسماه بـ«الخصخصة المتعثرة».

وأوضح أن الدرس المستفاد من تلك التجارب هو أن الشفافية والتقييم العادل وتفادي البيع في بيئات احتكارية، هي مفاتيح رئيسية لأي عملية ناجحة، مشيرًا إلى أن غياب هذه العوامل يؤدي إلى تراجع المكاسب وظهور مطالبات بإعادة النظر في كثير من الملفات.

وأضاف «حسان» أن التأثير المحتمل لبيع الأصول في المدى القصير قد يكون إيجابيًا في تخفيف ضغط العملة وتحسين موقف السيولة، خاصة إذا تمت عمليات البيع بالدولار، مثل بعض الأراضي الساحلية في رأس الحكمة، لكنه عاد ليؤكد أن هذا لا يُغني عن الإصلاح المؤسسي طويل الأمد.

وفيما يخص الفرص المحتملة، أشار إلى أن البيع المنظم قد يسهم في جذب استثمارات، نقل خبرات، رفع كفاءة إنتاجية، وتخفيف عبء الدين، لكنه ربط ذلك بضرورة تقوية المنافسة وتنظيم القطاعات، وهو ما يستدعي دعم جهاز حماية المنافسة والهيئات المنظمة.

وقدّم الخبير الاقتصادي الحسين حسان، مجموعة من التوصيات لضمان أن يتحول بيع الأصول من مسكن مؤقت إلى علاج دائم، من بينها: استخدام حصيلة البيع في سداد الديون وخفض خدمة الفوائد لا لتمويل الإنفاق الجاري، وإجراء عمليات البيع وفق خريطة واضحة من وثيقة ملكية الدولة، تكون ملزمة بقانون وجدول زمني واضح، مع تقارير متابعة دورية، وتعزيز الشفافية والتقييم العادل من خلال طروحات عامة ومزايدات تنافسية وإفصاح كامل للمستثمرين والرأي العام، وتوفير حماية اجتماعية للعمال من خلال إعادة التأهيل والتعويضات المناسبة لتقليل التكلفة الاجتماعية للتحول، وتقوية دور أجهزة المنافسة والرقابة لضمان عدم تحول الأصول المبيعة إلى بؤر احتكارية تؤثر سلبًا على السوق والمستهلك.

واختتم تصريحاته بالإشارة إلى أن بيع أراضٍ ساحلية بالدولار، مثل تلك الواقعة على شواطئ البحر الأحمر أو الساحل الشمالي، يمكن أن يسهم في توفير عملة صعبة وتخفيف عبء الدين، لكنه أكد أن نجاح هذه الخطوة يتوقف على التقييم العادل، والشفافية، والتكامل مع إصلاح مؤسسي حقيقي، وليس كبديل عنه.

بيع الأصول دون شفافية

وتعليقًا على تصريحات رجل الأعمال نجيب ساويرس حول ضرورة بيع أصول الدولة وخصخصة مزيد من الشركات كأحد الحلول للأزمة الاقتصادية، أكد الدكتور محمد إسماعيل، خبير اقتصادي، أن بيع الأصول يمكن أن يكون أداة مساعدة لتوفير سيولة فورية وسد فجوات تمويلية حرجة، لكنه ليس حلًا دائمًا للأزمة الاقتصادية ما لم يُدمج ضمن إصلاح هيكلي شامل.

وقال «إسماعيل» -في تصريحات خاصة لـ«النبأ»- إن بيع الأصول العامة يمكن أن يوفر تدفقات نقدية بالعملة الأجنبية، ويساهم في تخفيف الضغوط التمويلية والمالية على المدى القصير، لكنه يظل إجراءًا مؤقتًا لا يعالج جذور الأزمة، مثل ضعف الإنتاجية، وتراجع الصادرات، وغياب المنافسة الفعالة، والخلل في إدارة الموارد.

وعن التجارب السابقة لخصخصة الأصول في مصر، أشار إلى أن نتائجها كانت «مختلطة»، مضيفًا: «في التسعينات شهدنا موجة خصخصة لم تحقق العائد الاقتصادي المرجو، بسبب غياب الشفافية في بعض الصفقات، ومشكلات تعاقدية وقانونية، وهو ما أدى إلى طعون قضائية في بعض الحالات مثل قضية عمر أفندي».

وحول التأثير المستقبلي لبيع الأصول، أوضح «إسماعيل» أن الأثر قد يكون إيجابيًا إذا تم البيع ضمن إطار مؤسسي محكم، وبمعايير شفافة، وبما يضمن عدم خلق كيانات احتكارية جديدة.

واستكمل: «إذا تم تخصيص الحصيلة لسداد الديون وخفض عبء الفوائد، مع وجود جهاز رقابي قوي، وتنظيم الأسواق لضمان المنافسة، فقد يسهم ذلك في تحسين البيئة الاقتصادية العامة، أما إذا تم البيع تحت ضغط أو دون تقييم عادل، فإن التأثير سيكون قصير الأجل، وسيتحول إلى عبء مستقبلي على الدولة والمواطن».

واختتم محمد إسماعيل تصريحاته قائلا: «البيع في حد ذاته ليس إصلاحًا، بل يجب أن يكون جزءًا من رؤية اقتصادية شاملة تتضمن إعادة هيكلة الإنفاق العام، دعم القطاع الإنتاجي، وضمان عدالة المنافسة، دون هذه المعايير، ستظل عمليات الخصخصة مجرد مسكنات مؤقتة لأزمات متكررة».