< علي الهواري يكتب: لماذا باعت أمريكا قطر واشترت إسرائيل؟
النبأ
رئيس التحرير
خالد مهران

علي الهواري يكتب: لماذا باعت أمريكا قطر واشترت إسرائيل؟

علي الهواري يكتب:
علي الهواري يكتب: لماذا باعت أمريكا قطر واشترت إسرائيل؟

بعد الهجوم العسكري الإسرائيلي التي تعرضت له قطر، بزعم استهداف قيادات حركة حماس المتواجدين على أراضيها، رغم أن هذا التواجد كان بموافقة الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وبتنسيق كامل معهما، من أجل وجود قنوات اتصال مع الحركة للوصول إلى حل للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، تساءل الكثيرون عن دور الولايات المتحدة الأمريكية في هذا الهجوم، ولماذا سمحت لإسرائيل بمهاجمة قطر رغم أن الدولتان مصنفتان «حليفين استراتيجيين» بالنسبة للولايات المتحدة من خارج حلف النيتو، بالإضافة إلى وجود أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط في قطر وهي قاعدة العديد العسكرية؟، كما تساءل آخرون إلى أي طرف سوف تنحاز الولايات المتحدة في حال حدوث مواجهة عسكرية بين قطر وإسرائيل، وبين أي دولة عربية وإسرائيل؟.

يؤكد الدكتور يوسف الحسن، في كتابه المعنون «البعد الديني في السياسة الأمريكية تجاه الصراع العربي – الصهيوني»، الصادر عن مركز الدراسات العربية في بيروت، أن الاتجاهات الصهيونية متجذرة في الحركة المسيحية الأصولية الأمريكية، التي تشكل عنصرًا أساسيًا في توفير بيئة ملائمة للنفوذ الصهيوني اليهودي، وترسيخ مجموعة من الآراء المتحاملة على العرب في شعور الرأي العام الأمريكي وثقافته وفي سياسات الولايات المتحدة الشرق – الأوسطية، الأمر الذي أدى بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلى الانحياز إلى إسرائيل وحركتها الصهيونية.

ويقول بعض الباحثين، أنه غافل من يظن أن العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل أساسها المصالح الاقتصادية وحدها أو جماعات الضغط اليهودية «اللوبيات»، بل هي تستمد جذورها من قيم ثقافية ودينية مشتركة، وبالتالي يظل العامل الديني أقوى العوامل المؤثرة في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية ومن ثم على سياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط وقضية العرب المركزية، فلسطين.

كما يمكن استدعاء العبارة التي قالها الرئيس الأمريكي الأسبق ليندون جونسون، فعندما سأله رئيس وزراء الاتحاد السوفيتي أليكسي كوسيجين: لماذا تدعم أمريكا الإسرائيليين الذين لا يتجاوز تعدادهم ثلاثة ملايين وتستعدي ثمانين مليون عربي؟ فقد رد جونسون ببساطة قائلا "لأنهم على حق"، هذه الإجابة تؤكد على خصوصية ومتانة وفرادة العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل.

ويقول بعض المؤرخين والباحثين في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، أن للدين دورا في الحياة الأمريكية قديما وحديثا، وله أثر كبير في صياغة الفكر والثقافة الأمريكية "مما انعكس على المواقف الأمريكية تجاه كثير من القضايا، وأن المشروع الصهيوني هو مشروع أمريكي بكل تفاصيله، يهدف إلى تحقيق رؤى ونبوءات دينية آمن بها الشعب الأمريكي بمعظم فئاته، وتعاطف معها وتبناها الزعماء السياسيون منذ تأسيس الجمهورية عام 1776..".

ويشير بعض الباحثين، أن النفوذ اليهودي ظهر جليا على الرؤساء أو الآباء المؤسسين للولايات المتحدة حتى أن جون آدامز -ثاني الرؤساء الأمريكيين- أفصح عن رأيه في اليهود في رسالة وجهها إلى توماس جيفرسون الذي خلفه في الرئاسة، جاء فيها "إنني أُصر على أن العبرانيين قاموا بالكثير من أجل الإنسان المتمدن أكثر من أي شعب آخر"، كما أن كافة الرؤساء الأمريكيين كانوا من البروتستانت باستثناء جون كينيدي، الرئيس الكاثوليكي الوحيد الذي اغتيل في 22 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1963.

كما يمكن الاستشهاد على دور الدين في العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، بما قاله بنيامين نتنياهو، عندما كان سفيرا لتل أبيب لدى الأمم المتحدة، في فبراير/شباط 1985 في كلمة أثناء صلاة الصبح التي أقامها المسيحيون الأمريكيون لإسرائيل، حيث أشاد بما سماها الزمالة التاريخية بين المسيحيين المؤمنين واليهود لأنها "عملت بنجاح على تحقيق الحلم الصهيوني".

وتتحكم الصهيونية المسيحية في السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية تجاه إسرائيل، ومن تعريفات الصهيونية المسيحية، أنها "مجموعـة مـن المعتقـدات الصـهيونية المنتشرة بين المسيحيين وبخاصة قيادات وأتباع الكنائس البروتستانتية، والتي تهدف إلى تأييد قيام دولة يهودية في فلسطين بوصفها حقًا تاريخيًا ودينيًا لليهود، ودعمها بشكل دائم باعتبار أن عودة اليهود إلى أرض الميعاد برهان على صدق التوراة واكتمال الزمان وعودة المسيح"، وقد ارتبطت تلك الرؤية إسرئيل المعاصرة وإسرائيل الموجودة في التوراة، ومن ثم أُطلق على تلك الحركة التي تؤمن بتلك الأفكار الصهيونية المسيحية"، ووفقًا لمفهوم المسيحية الصهيونية فإن اليهود هم شعب الله المختار، إلا أنه وفي عام 2006 نشر زعماء الكنائس في القدس رسالة باسم "إعلان القدس بشأن الصهيونية المسيحية" وتضمنت معاداتهم لها باعتبارها مجموعة من التعاليم الكاذبة، وأنها أدت إلى دخول العالم في دوامات من العنف لا تنتهي.

وتتحرك المسيحية الصهيونية في ثلاثة محاور رئيسية هي، قراءة النصوص الدينية قراءة مؤدلجة لتعضيد المشروع الصهيوني وإضفاء مشروعيته، مساندة الكيان "الإسرائيلي" ودعمه بكافة الوسائل حتى اكتمال خطط الاستيطان، وهدم المسجد الأقصى، تأجيج الصراعات في منطقة الشرق الأوسط؛ للإسراع والتعجيل بمعارك نهاية الزمان.

وتتمثل المعتقدات الدينية للمسيحية الصهيونية في، الإيمان بأن الله أعطى الأرض المقدسة (فلسطين) لليهود، وأن القدس جزء من الأرض المقدسة، إن اليهود هم شعب الله المختار، وبذلك فإن لهم أفضلية على بقية الأمم، الالتزام بدعم إسرائيل، ليس كعمل سياسي فقط، إنما كواجب ديني إنطلاقًا من الإيمان باختيارات الله، إن عودة المسيح مرتبطة بسلسلة من الأحداث تبدأ بإنشاء دولة إسرائيل، وإعادة بناء الهيكل الثالث، وحشد الجيوش المستعدة لمهاجمة إسرائيل، ومن ثم الوصول إلى معارك نهاية الزمان وظهور المسيح.

وكشفت تصريحات المسئولين الأمريكيين الأخيرة تجاه إسرائيل، البعد الديني العميق تجاه إسرائيل واليهود، ومنها تصريحات الرئيس بايدن التي وصف فيها نفسه بأنه "صهيوني"، بالإضافة إلى تصريحات بلينكن التي أشار فيها إلى وجوده في تل أبيب ليس بصفته وزيرا لخارجية أمريكا وإنما بصفته يهوديا، مع استدعاء تاريخ اضطهاد اليهود خلال الحقبة النازية وربطه بأحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول.

ووفقا لاستطلاع أجراه معهد غالوب للشؤون الخارجية حول الوضع في الشرق الأوسط -قبل هجوم أكتوبر 2023 - بلغت نسبة التأييد لإسرائيليين بين المسيحيين البروتستانت حوالي 66% والكاثوليك 59%، في حين ترتفع نسبة دعم إسرائيل بين اليهود الأمريكيين إلى 90%.

كما يشير استطلاع آخر لمركز بيو للأبحاث عام 2023 إلى أن الكنيسة الإنجيلية الداعمة بقوة لإسرائيل من منطلقات دينية مسيحية تحظى بتأييد ثلث الأمريكيين، كما أن اليهود والمسيحيين الإنجيليين هم الأكثر انخراطا في السياسة الأمريكية، وقد كان لهم دور مؤثر في دفع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى اتخاذ قراره بنقل سفارة واشنطن من تل أبيب إلى القدس عام 2018.

أعتقد أن توضيح البعد الديني في العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل يكفي للإجابة عن الأسئلة التي تم طرحها في مقدمة المقال.

البعد الديني في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية يؤكد أن الولايات المتحدة لا يمكن أن تضحي بإسرائيل لصالح أي دولة عربية أو حتى لصالح الدول العربية مجتمعة، وهذا يفسر الموقف الأمريكي من الهجوم الإسرائيلي على الدوحة والذي عبر عنه وزير الخارجية الأمريكى ماركو روبيو، الذي أكد أن الهجوم الإسرائيلى على قطر لن يغير الدعم الأمريكى لإسرائيل.

كما أنه أصبح معروفا بالضرورة، أن الولايات المتحدة الأمريكية هي المخطط والمدبر والداعم الرئيسي لكل ما تقوم به إسرائيل في المنطقة، وأن أي تصرف إسرائيلي في المنطقة لا يحدث إلا بعد الحصول على ضوء أخضر من الولايات المتحدة الأمريكية، وبتنسيق كامل معها.

و هذا ما أكد عليه الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، من أن الولايات المتحدة الأمريكية تشارك إسرائيل بشكل كامل في ما يجري على الأراضي الفلسطينية.

وأختم بمقولة الرئيس الراحل محمد أنور السادات «المتغطي بأمريكا عريان».