هل غابت الرقابة الحكومية عنه؟ «أكاديمي» يرد على تساؤلات كثيرة حول التعليم الجامعي

علق الأستاذ الدكتور جمال شحاتة، عميد كلية التجارة الأسبق بجامعة القاهرة، وأستاذ الاستراتيجيات والتطوير البشري وخبير العلاقات الدولية، على عبارة أن "التعليم أصبح سلعة" التي وردت في سياق الحديث عن التعليم الخاص في مصر، قائلًا إن وجود التعليم الخاص والأهلي لا يعني غياب الرقابة الحكومية، بل يجب أن تظل الدولة مسؤولة عن حوكمة تحديد أسعار هذه الخدمة.
مشددًا على ضرورة وضع معادلة واضحة للتسعير، تأخذ في الاعتبار التكاليف الفعلية للبرامج التعليمية دون المبالغة في احتساب تكاليف الإنشاءات التي تُسترد على المدى الطويل. مضيفا خلال لقائه مع الإعلامية الدكتورة رحاب فارس، ببرنامج “حديث اليوم”، المذاع على قناة “الحدث اليوم”، أن عملية تسعير التعليم يجب أن تُراعي الشرائح الاجتماعية في المجتمع المصري.
واستعرض إحصائيات لمؤسسات دولية تُشير إلى أن الطبقة المتوسطة في مصر تضاءلت بشكل كبير لتصل إلى 12% فقط، في حين تشكل الطبقة الدنيا الغالبية العظمى من السكان، بنسبة تصل إلى 58 مليون نسمة.
لافتا إلى أن هذه الإحصائيات تؤكد أن النسبة الأكبر من الطلاب يأتون من هذه الطبقة، التي لا تستطيع تحمل نفقات التعليم الخاص المرتفعة، مؤكدًا أن هذا الواقع يجب أن يُؤخذ في الاعتبار عند وضع سياسات التعليم، فلا يمكن معاملة التعليم كسلعة موجهة فقط لأصحاب الدخول المرتفعة.
و حول طرح سؤال عن سياسة بعض الجامعات الحكومية التي تطالب الطلاب بدفع المصروفات الدراسية كاملةً مرة واحدة، رغم علمها بالظروف الاقتصادية الصعبة للعديد من الأسر، أكد أن الجامعات الحكومية، وعلى رأسها جامعة القاهرة، يجب أن تضع في اعتبارها البعد الاجتماعي للمواطنين.
مشددًا على أن النسبة الأكبر من طلاب هذه الجامعات يأتون من المناطق الشعبية وذات الدخل المحدود، مما يتطلب تسهيل عملية دفع المصروفات، وإتاحة التقسيط على دفعتين أو أكثر.موضحا فيى الوقت نفسه أن مسؤولية الإدارة في أي مؤسسة حكومية تتضمن البعد السياسي، الذي يفرض التعامل بمرونة مع ظروف الطلاب المادية، مما يضمن أن التعليم حق للجميع، وليس حكرًا على القادرين ماديًا.
و ردا على التساؤلات التي أثيرت حول النظرة المجتمعية للتعليم الجامعي، وهل تغيرت الثقافة لدرجة أن الجامعات الحكومية، رغم تصنيفها العالمي المتقدم، أصبحت تعتبر خيارًا ثانويًا أو "أقل مستوى" بالنسبة لأبناء الطبقات الميسورة؟، موضحًا أن هذه النظرة خاطئة، والجامعات الحكومية المصرية ما زالت تحتفظ بمكانتها الرائدة في التصنيفات العالمية.
وأرجع “شحاتة” هذه الظاهرة إلى عوامل مجتمعية ونفسية، حيث يفضل بعض الطلاب وأولياء أمورهم الجامعات الخاصة لأسباب تتعلق بالخدمات الإضافية، مثل قلة أعداد الطلاب في المحاضرات، وتوفر بنية أساسية حديثة، مما يُعتبر نوعًا من "الرفاهية الاجتماعية".
مشيرًا إلى أن الجامعات الحكومية تسعى للتكيف مع هذا الواقع من خلال إنشاء برامج دراسية بنظام الساعات المعتمدة (الكريديت)، حيث يمول الطلاب المقتدرون هذه البرامج، مما يوفر مصدرًا ماليًا للجامعة يمكنها من تحديث معاملها وتجهيزاتها وتطويرها بما يتناسب مع التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي.
وشدد على أن الهدف من هذه البرامج ليس استغلال المواطن، بل تحقيق التوازن بين توفير تعليم عالي الجودة للجميع، وإيجاد مصادر تمويل مستدامة للجامعات.
ودعا إلى ضرورة تنويع مصادر تمويل الجامعات، وعدم الاعتماد على الرسوم الدراسية كالمصدر الوحيد، مشيرًا إلى أن رجال الأعمال والشركات يُمكن أن يلعبوا دورًا مهمًا في دعم التعليم، من خلال توفير المنح الدراسية للطلاب المتفوقين غير القادرين، مما يُساهم في تخفيف العبء عن كاهل الأسر ويُعزز فكرة أن التعليم حق للجميع.
وأكد أن التعليم الطبي يعتمد بشكل أساسي على الممارسة العملية والتدريب في المستشفيات، مشددًا على أن المستشفيات الجامعية التابعة للجامعات الحكومية، مثل قصر العيني وعين شمس، توفر للطلاب فرصة فريدة للتعامل مع الحالات الحقيقية منذ اليوم الأول، مما يكسبهم خبرة عملية لا يمكن توفيرها في الجامعات الخاصة التي لا تمتلك مستشفيات خاصة بها.
و اختتم حديثه إلي أن أساتذة الجامعات الحكومية هم من يتولون التدريس في الجامعات الخاصة، مما يؤكد أن الكوادر الأكاديمية لا تزال موجودة في الجامعات الحكومية، وأن المعيار الحقيقي للجودة في التعليم الطبي هو الممارسة العملية والتدريب الإكلينيكي