< المستشار وليد عز الدين يكتب: التشريعات الاقتصادية كأداة لتحقيق الاستقرار وجذب الاستثمار في عصر التنافس العالمي
النبأ
رئيس التحرير
خالد مهران

المستشار وليد عز الدين يكتب: التشريعات الاقتصادية كأداة لتحقيق الاستقرار وجذب الاستثمار في عصر التنافس العالمي

المستشار وليد عز
المستشار وليد عز الدين

في عالم تتشابك فيه المصالح الاقتصادية وتشتد فيه المنافسة بين الدول لجذب رؤوس الأموال، أصبحت التشريعات الاقتصادية بمثابة خارطة الطريق التي تحدد اتجاهات السوق وتحكم توازناته.

فالنص القانوني لم يعد مجرد إطار تنظيمي، بل صار عنصرًا جوهريًا في معادلة الثقة بين المستثمر والدولة، وركيزة أساسية للاستقرار المالي والاجتماعي.

وفي مصر، اكتسبت التشريعات الاقتصادية خلال العقدين الأخيرين أهمية خاصة، إذ سعت الدولة إلى مواءمة قوانينها مع المعايير الدولية، وجعلها أكثر مرونة وجاذبية للاستثمار المحلي والأجنبي.

أولًا: الإطار المفاهيمي للتشريعات الاقتصادية وأهميتها

التشريعات الاقتصادية هي مجموعة القواعد القانونية التي تنظم النشاط الاقتصادي، بدءًا من تأسيس المشروعات، مرورًا بآليات التمويل والتجارة، وصولًا إلى حماية المنافسة وحوكمة الأسواق.
أهميتها تتجسد في:

1. تحقيق الاستقرار المؤسسي: وضع قواعد واضحة تمنع الفوضى وتحسم النزاعات.
2. جذب الاستثمار: توفير بيئة قانونية شفافة وآمنة.
3. دعم التنمية المستدامة: توجيه الموارد نحو القطاعات ذات الأولوية الوطنية.

ثانيًا: دور التشريعات الاقتصادية في جذب الاستثمار

1. الأمان القانوني والاستقرار التشريعي
نصّت المادة (3) من قانون الاستثمار المصري رقم 72 لسنة 2017 على حظر تأميم أو مصادرة المشروعات إلا بحكم قضائي نهائي، وهو ما يعكس التزام الدولة بحماية الملكية الخاصة.

2. الحوافز الضريبية والجمركية
منح إعفاءات ضريبية للمشروعات في المناطق الاقتصادية الخاصة، مع تسهيلات جمركية تعزز القدرة التنافسية.

3. تسهيل الإجراءات
تبسيط تسجيل الشركات من خلال خدمات “الشباك الواحد” والتحول الرقمي.

4. حماية المنافسة
تطبيق قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية رقم 3 لسنة 2005، بما يمنع هيمنة كيان اقتصادي على السوق.

ثالثًا: التشريعات الاقتصادية كضمان للاستقرار
1. تنظيم الأسواق المالية
قوانين سوق المال، مثل القانون رقم 95 لسنة 1992، تفرض رقابة صارمة على التداول وتمنع التلاعب أو التداول بناءً على معلومات داخلية.

• حكم محكمة النقض المصرية (الطعن رقم 1187 لسنة 73 قضائية) أكد أن حماية السوق المالية تستلزم تجريم كافة أشكال التلاعب، لما لذلك من أثر على الثقة العامة.

2. السياسة النقدية والمالية
قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي رقم 194 لسنة 2020 ينظم أسعار الفائدة وسياسات الإقراض، مما يحد من التضخم ويحافظ على استقرار العملة.

3. حماية المستهلك
قانون حماية المستهلك رقم 181 لسنة 2018 يضمن حقوق المستهلكين ويعاقب على الغش التجاري.

رابعًا: الأبعاد الدولية للتشريعات الاقتصادية
• اتفاقيات منظمة التجارة العالمية (WTO) التي تفرض قواعد لتيسير التجارة.
• الاتفاقيات الثنائية للاستثمار (BITs) التي تمنح ضمانات متبادلة للمستثمرين.
• اتفاقية تريبس (TRIPS) التي تحمي الملكية الفكرية وتدعم الاستثمار في التكنولوجيا.

خامسًا: المؤشرات الاقتصادية كمقياس لفاعلية التشريعات

وفقًا لتقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (UNCTAD) لعام 2024:
• بلغ حجم الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر نحو 11.4 مليار دولار، وهو أعلى معدل في المنطقة، مدفوعًا بإصلاحات تشريعية في قوانين الاستثمار والجمارك.
• ارتفع ترتيب مصر في مؤشر سهولة ممارسة الأعمال الصادر عن البنك الدولي بفضل إصلاحات تسجيل الشركات وإصدار التراخيص.

سادسًا: التحديات
1. التذبذب التشريعي: تعدد التعديلات في فترات قصيرة قد يربك المستثمرين.
2. ضعف آليات الإنفاذ: القانون الجيد يحتاج إلى جهاز تنفيذي فعال.
3. البيروقراطية: رغم الإصلاحات، ما زالت بعض الإجراءات تستغرق وقتًا أطول من المعايير الدولية.

التشريعات الاقتصادية تمثل العمود الفقري للاقتصاد الحديث، وفاعليتها ترتبط بمدى وضوحها واستقرارها وقدرة الدولة على إنفاذها. ولتحقيق أقصى استفادة منها، يُوصى بـ:
1. ضمان استقرار النصوص التشريعية وربطها باستراتيجية اقتصادية طويلة المدى.
2. توسيع نطاق الحوافز الاستثمارية الموجهة للقطاعات التكنولوجية والصناعات الخضراء.
3. تفعيل دور القضاء الاقتصادي وتسريع الفصل في النزاعات التجارية.
4. تعزيز الشفافية والحوكمة في عملية إصدار وتطبيق القوانين.

وبذلك، تتحول التشريعات من مجرد نصوص قانونية إلى أداة استراتيجية لبناء اقتصاد قوي ومستدام، قادر على المنافسة في الأسواق العالمية وجذب الاستثمارات النوعي