< بورقة سد النهضة.. مخطط ترامب لإجبار مصر على قبول تغيير خريطة الشرق الأوسط
النبأ
رئيس التحرير
خالد مهران

بورقة سد النهضة.. مخطط ترامب لإجبار مصر على قبول تغيير خريطة الشرق الأوسط

ترامب
ترامب

عاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، للحديث مجددا عن واحدة من أهم الملفات الحيوية لمصر، معلنا رغبته في إنهاء النزاع بين القاهرة وأديس أبابا حول سد النهضة.

وقال «ترامب»، إنه يدرك ما تمثله تلك القضية للمصريين، متابعا: «نهر النيل مصدر مهم للغاية للدخل والحياة، إنه شريان الحياة بالنسبة لمصر، وأخذ ذلك بعيدًا أمر لا يُصدق».

وأكد الرئيس الأمريكي، أن بلاده تُبرم صفقات جيدة وأنها ستعمل على حل هذه المسألة.

ولا يخفى على أحد أن «ترامب» يعرف بفلسفته البراجماتية وهندسة الصفقات والوساطة من أجل تحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية لبلاده.

وطرحت تصريحات «ترامب» العديد من تساؤلات المراقبين للأوضاع بالمنطقة والمواطنين على حد سواء، بشأن دوافع الرئيس الأمريكي الحقيقية تجاه تحريك المياه الراكدة في هذا الملف، ودلالة اختيار التوقيت؛ وهو ما دفع «النبأ» لفتح الملف والبحث عن ما يحمله الرئيس الأمريكي من ورقة ضغط جديدة قد تغير معادلة التفاوض برمتها.

وسرعان ما ذهب البعض إلى سيناريوهات عديدة قد تكون الدافع الحقيقي لـ«ترامب»، منها رغبة «ترامب» في إحياء مشروع نقل كميات كبيرة من مياه النيل إلى «تل أبيب» عبر سيناء إلى صحراء النقب، بينما يرى البعض الآخر أن الدافع الحقيقي لـ«ترامب» هو الضغط على مصر للقبول بمخطط تهجير الفلسطينيين «المياه مقابل غزة» في صفقة قد تغير الخريطة الجيوسياسية للمنطقة، في وقت تشتد فيه الأزمة مع إثيوبيا لاقتراب «أديس أبابا» من افتتاح السد بشكل رسمي وتتقاطع فيه الملفات الإقليمية بشكل غير مسبوق.

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل أحدث مشهد تشابك أيدي الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء، مع نظيره الإثيوبي آبي أحمد، خلال التقاط صورة تذكارية للقادة والزعماء ورؤساء الوفود المشاركة في قمة «بريكس» بالبرازيل، حالة واسعة من الجدل وغضب المواطنين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، معتبرين اللقطة تنم عن حميمية غير منطقية في ظل تأزم موقف مصر واقتراب الجانب الإثيوبي من افتتاح السد بشكل رسمي.

أول تعليق مصري

وبعد ساعات قليلة من تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، جاء رد الرئيس السيسي سريعا، قائلا إن مبادرة الرئيس الأمريكي تبرهن على جدية الولايات المتحدة تحت قيادته في بذل الجهود لتسوية النزاعات ووقف الحروب.

وأكد الرئيس السيسي على ثقة مصر في قدرة «ترامب» على حل المشاكل المعقدة وإرساء السلام والاستقرار والأمن فى مختلف ربوع العالم، سواء كان ذلك في أوكرانيا، أو الأراضي الفلسطينية، أو إفريقيا.

وأضاف: «وتقدر مصر حرص الرئيس ترامب على التوصل إلى اتفاق عادل يحفظ مصالح الجميع حول السد الاثيوبي، وتأكيده على ما يمثله النيل لمصر كمصدر للحياة».

واختتم الرئيس حديثه قائلا: «وتجدد مصر دعمها لرؤية الرئيس ترامب في إرساء السلام العادل والأمن والاستقرار لجميع دول المنطقة والعالم».

فرض شروط إسرائيل

وفي هذا الصدد، يرى الدكتور عبد اللطيف مشرف، الباحث في العلاقات الدولية، أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، المعروف بأنه رجل صفقات واقتصاد، يحاول فرض شروط إسرائيل على مصر سواء عبر ملف المياه أو التهجير والحدود مع غزة من خلال تسوية أزمة سد النهضة.

وأكد «مشرف»، أن أمريكا أدركت جيدًا أن الشعب المصري سيظل حائط الصد المنيع لتنفيذ مخططات التهجير، مشيرًا إلى أنها تطرح -حاليًا- بدائل سياسية وأمنية ستحاول فرضها، مثل إقامة مناطق عازلة تحت السيطرة الإسرائيلية على الحدود المصرية الإسرائيلية، وهو ما يمثل خطورة على الأمن القومي المصري.

وأشار إلى أن مصر كانت تملك دورًا استراتيجيًا هامًا في غزة من خلال السيطرة على الأنفاق التي كانت تمثل شريان حياة وضغطًا على إسرائيل، لكن هذا الدور تراجع مؤخرًا، مما أدى إلى فقدان مصر لأوراق ضغط حيوية.

ولفت إلى أن مصر فقدت السيطرة على ملف غزة بعد غلق جميع الأنفاق لصالح قطر وإسرائيل، وهو ما يعد خطأ استراتيجيًا كبيرًا، لأن غزة كانت تمثل صمام أمان للأمن القومي المصري بعيدًا عن الصراعات المباشرة مع إسرائيل.

وأكد أن مصر تمتلك قوة شعبية وجيشًا مخلصًا، مشيرا إلى أن مصر تملك أوراق ضغط مهمة مثل دورها في السودان وليبيا، لكنها فقدت الكثير منها بسبب تدخلات دولية وإقليمية.

وأوضح أن مصر تواجه ضغوطًا اقتصادية كبيرة، وهو ما يجعل «ترامب» يعتقد أن مصر ستضطر للتنازل عن بعض مواقفها مقابل تحسين وضعها الاقتصادي.

حلم نوبل للسلام

وفي السياق ذاته، قال الدكتور عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، إن ترامب سبق وأشار في أكثر من مناسبة إلى شعوره باستحقاق الحصول على جائزة نوبل للسلام بسبب ما وصفه بإنجازاته في تحقيق السلام بين مصر وإثيوبيا، رغم أن الواقع لم يشهد توترًا حقيقيًا يصل إلى حد الحرب بين البلدين.

وأوضح «شراقي» -في تصريحات خاصة لـ«النبأ»-، أن تصريحات ترامب حول تمويل الولايات المتحدة لسد النهضة غير دقيقة، إذ لم يكن هناك تمويل أمريكي مباشر للمشروع، بل كانت هناك مساعدات مالية تقدم من واشنطن لـ«أديس أبابا» تصل لمليار دولار سنويا قد تكون استخدمت بشكل غير مباشر في بناء السد.

وأشار إلى أن مصر استطاعت تجاوز أضرار سد النهضة عبر تنفيذ مشروعات ضخمة كلفت الدولة نحو 500 مليار جنيه، شملت تعويض جزء من المياه باستخدام مياه الصرف الزراعي وتحديث طرق الري الزراعي وتبطين الترع.

ولفت أستاذ الموارد المائية، إلى أن ترامب يحاول «النفخ في النار» وتصعيد الأزمة سياسيًا ليظهر كمنقذ من أجل نيل جائزة نوبل للسلام.

وفيما يتعلق بفكرة نقل مياه النيل إلى إسرائيل، استبعد الدكتور عباس شراقي، وجود أي نية أو إمكانية قانونية أو جغرافية لذلك.

وأكد أن مصر بالفعل أنجزت مشروع «ترعة السلام» من خلال مد أنفاق أسفل قناة السويس لنقل مياه النيل إلى سيناء، ولكن بغرض استخدامها في مشروعات زراعية.

وأوضح أن ترعة السلام وصلت بالفعل حتى بئر العبد، وتوقفت قبل العريش بنحو 80 كيلومترًا، لافتا إلى أن الحكومة لم تستكمل المشروع.

وشدد «شراقي»، على أن نقل المياه خارج الحدود المصرية غير جائز قانونيًا، وأن دول حوض النيل ترفض ذلك بشدة، بل إن هناك اعتراضات حتى على نقل المياه إلى مناطق داخلية مثل توشكى وسيناء.

وأكد أن إسرائيل لم تعد تعتبر الحصول على مياه النيل هدفًا استراتيجيًا، معقبا: «لم يعد مشروع نقل مياه النيل حلم إسرائيل والمنال الكبير، خصوصا مع تطور تكنولوجيا تحلية المياه وتوفر مصادر بديلة لديها».

وتابع: «المياه التي تصل إلى سيناء خليط من مياه صرف زراعي معالجة ومياه نيل نقية، وهو ما لا يناسب إسرائيل من الناحية الصحية أو الفنية».

وأوضح أنه لا يرى أن الأمر مرتبط بوجود أي مشروع حالي أو محتمل لنقل مياه النيل إلى إسرائيل، مؤكدا أن مصر ملتزمة بالحفاظ على حقوقها المائية وعدم تصدير المياه خارج حدودها والتزامها وتمسكها بالقانون الدولي.

وأشار إلى أن تصريحات ترامب قد تكون فرصة سياسية لمصر لتحقيق اتفاق عادل قبل افتتاح السد بشكل رسمي، موضحا أن المرحلة القادمة من التفاوض حول السد ستكون أسهل من السنوات الأولى للملء.

وقال إن مصر يمكنها الاستفادة من هذا الوضع لتحقيق اتفاق يحفظ مصالحها، حتى لو نُسب الفضل لـ«ترامب» في النهاية.

واختتم «شراقي» حديثه لـ«النبأ»، مؤكدا أن الوضع الحالي ليس الأفضل، لكنه فرصة لمصر للوصول إلى اتفاق يضمن حقوقها المائية في أي مشروعات مستقبلية في إثيوبيا.

ورقة ضغط جديدة

على الجانب الآخر، قال السفير يوسف مصطفى زادة، مساعد وزير الخارجية الأسبق وقنصل مصر العام في نيويورك سابقًا، أن مصر تؤكد دائمًا التزامها بالحلول التفاوضية. 

وأكد «زادة» -في تصريحات خاصة لـ«النبأ»-، أن إثيوبيا لم ترد بعد على تصريحات ترامب، لكنها سبق أن رفضت بشدة إدعاءاته بأن أمريكا قامت بتمويل السد، مؤكدة أن سد النهضة تم تمويله ذاتيًا من مواردها الداخلية عبر السندات المحلية ومساهمات الشعب الإثيوبي.

ودلل «زادة»، على ذلك بأن وزير المياة والطاقة الإثيوبي، هبتامو إتيفا، أكد في يونيو أن السد مشروع محلي بناه الشعب من أجل الشعب، نافيًا أي دعم مالي أمريكي.

وتابع: «كما أن رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، دعا مصر والسودان لحضور افتتاح السد في سبتمبر 2025، وهو ما قد يعكس محاولة لتهدئة التوترات».

وأضاف مساعد وزير الخارجية الأسبق، أن تصريحات ترامب قد تكون ورقة ضغط دبلوماسية لدفع إثيوبيا نحو التفاوض، لكنها قد تزيد التوترات إذا لم تترجم إلى اتفاق ملزم.

وأوضح، أنه يستغرب توقيت تصريحات ترامب السابقة في يونيو لأنها قد تهدف إلى الضغط على مصر لاتخاذ موقف أكثر حدة أو لتعزيز صورة ترامب كوسيط دولي في حل الأزمة، رغم أن  الولايات المتحدة، حسب ترامب، جزءًا من المشكلة عبر تمويلها السابق.

وبيّن «زادة»، أن تصريحات ترامب تعكس استمرار دعمه لموقف مصر والسودان، لكنها قد تكون جزءًا من استراتيجيته لتعزيز دوره الدبلوماسي عالميًا، خاصة مع إشارته إلى نجاحاته في حل نزاعات أخرى مثل رواندا والكونغو.

ويرى مساعد وزير الخارجية الأسبق، أن هناك شكوك حول صحة ادعاء ترامب بتمويل أمريكي للسد، حيث تؤكد مصادر إثيوبية وتقارير دولية أن التمويل كان داخليًا، وأن دور أمريكا اقتصر على الوساطة في مفاوضات 2019-2020، التي فشلت بسبب رفض إثيوبيا التوقيع على اتفاق نهائي.

وأشار «زادة»، إلى أن تصريحات ترامب تأتي في وقت حساس، حيث أعلنت إثيوبيا اكتمال 99% من السد، مع خطط لافتتاحه في سبتمبر، مما يزيد من مخاوف مصر والسودان بشأن حصصهما المائية، خاصة في ظل غياب اتفاق ملزم، لياتي ترامب ليحاول تعزيز دوره كوسيط في النزاعات الدولية، مستشهدًا بجهوده في قضايا مثل الهند وباكستان واتفاقيات إبراهام، ومع ذلك، تثير تصريحاته مخاوف من تصعيد التوترات إذا لم تترجم إلى مفاوضات فعالة.

ولفت إلى أن تشبيك الأيادي بين الدكتور مصطفى مدبولي ورئيس وزراء إثيوبيا خلال اجتماع البريكس، هو بروتوكول دبلوماسى يخدم البلدين، معقبا: «ولنتذكر الرئيس السيسي والسلام مع أردوجان فى قطر قبيل استئناف العلاقات، وهو شبيه بذلك».

المياه مقابل أمن إسرائيل

بينما ترى سارة كيرا، رئيس المركز الأوروبي الشمال إفريقي للدراسات، أن تصريحات ترامب، دليل على محاولة الضغط على مصر لقبول الخطط الإسرائيلية في المنطقة مقابل تأمين المد المائي لمصر ودعمها في قضية سد النهضة.

وأكدت «كيرا» -في تصريحات خاصة لـ«النبأ»-، أن مصر لم ولن تخضع لهذه الضغوطات لأنها قادرة على حماية أمنها المائي بطريقة أو بأخرى، مبينة أن هذه التصريحات تأتي في توقيت تتقارب فيه مصر لإيجاد آلية عمل جديدة لحل أزمة سد النهضة من خلال تكتل البريكس.

وأضافت رئيس المركز الأوروبي الشمال إفريقي للدراسات، أن ترامب يترجم هذا على أنها خطوات تصعيدية تدل على توجه مصر وسعيها نحو مصالحها مع تكتل البريكس كعضو فاعل في التكتل، ولهذا يجذب ترامب مصر بتصاريحه حول نهر النيل وأزمة سد النهضة مدعيًا أنه قادر على إيجاد الحل كما سبق ودعمت إدارات أمريكية أخرى بناء السد.

وأشارت «كيرا»، إلى أن لقطة تشبيك الأيادي لقطة رمزية كدليل على صداقة البلدين ووجودهم سويا في مختلف التكتلات التي بها العديد من آليات التعاون وحل الأزمات والتي منها سد النهضة.

وأفادت أن الوصول لحل لأزمة سد النهضة يتطلب تخلي الأطراف الفاعلة في بناء السد عن مصلحتها فيه أو من خلاله.

لقطة تشبيك الأيادي

فيما يرى الدكتور طارق البرديسي، المحلل السياسي، أن تصريحات ترامب لم تضف جديدًا لأن التمويل الأمريكي لسد النهضة معروف، وخلال ولايته الأولى تحدث ترامب عن أن مصر من حقها ضرب سد النهضة ولكن مصر كانت في منتهى الحصافة والوعي واحترام القانون الدولي ولم تنجر إلى هذا المنزلق.

وأكد «البرديسي»، أن تحرك مصر الدبلوماسي دائما ملتزم بالقانون الدولي ويطالب الجانب الإثيوبي بوجود اتفاق ملزم للجانبين، يبيّن كيفية إدارة السد بشكل لا يمس أو يلحق الأضرار والخسائر بالحصة المصرية في مياه نهر النيل والحقوق المائية المصرية التاريخية.

وأوضح أن تشبيك الأيادي بين رئيس الوزراء المصري ونظيره الإثيوبي هو أمر طبيعي وعادي ولكن وسائل التواصل الاجتماعي هي من تحب أن تتلقى تلك الأمور كإشارات، معقبا: «الموضوع أعمق من ذلك ولا يتخذ بهذه السطحية».

وأشار المحلل السياسي، إلى أن هذه اللقطة تثبت أن علاقات مصر ودية وجيدة مع كافة الأطراف ومتمسكة بهذه العلاقات الودية والطبيعية وتريد أن يمتثل الجانب الإثيوبي للمطالبات المصرية لوجود اتفاق ملزم.

ولفت «البرديسي»، إلى أن العرف الدبلوماسي في ذلك يدل على الشكل المحترم والإيجابي وتمسك مصر بالتقاليد الدبلوماسية، معقبا: «المدرسة المصرية مدرسة عريقة في الدبلوماسية ومثال وقدوة لكل الدول، ومصر دولة حضارية ومتمسكة بالقانون الدولي وتريد من الجانب الإثيوبي وجود اتفاق ملزم ينظم العلاقة بين البلدين».