عادل توماس يكتب: "مركز شباب حلوان يدفع ثمن الفوضى.. والوزارة تتفرج"

في خطوة بدت حاسمة من وزارة الشباب والرياضة، صدر قرار بشطب مركزي "نهضة شرق حلوان" و"شباب المستقبل بالقطامية" من النسخة الحادية عشرة لدوري مراكز الشباب، بعد الأحداث المؤسفة التي وقعت أثناء مباراتهما الأخيرة، والتي تحولت إلى ساحة عنف مؤسفة بالأسلحة البيضاء والطوب والزجاج.
القرار تضمّن أيضًا تحميل المركزين نفقات الإسعاف والحكام والمراقبين، وإلغاء نتائجهما بالدور الأول، وحرمانهما من المشاركة في النسخة القادمة، بل وقطع الدعم الفني والمالي عنهما في النسختين الثانية عشرة والثالثة عشرة، وعلى الرغم من أن الوزارة وصفت القرارات بأنها لحفظ النظام وهيبة الدوري، فإنها أثارت تساؤلات أعمق عن مدى عدالة العقوبة، وموقع مسؤولية الوزارة نفسها من كل ما حدث.
اللافت في المشهد أن العقوبة جاءت بالجملة، فطالت الطرفين دون تمييز واضح بين المعتدي والمعتدى عليه مركز شباب "نهضة شرق حلوان"، حسب ما تواتر من شهود ومقاطع فيديو، لم يكن الطرف البادئ بالاعتداء، بل أُصيب عدد من لاعبيه، ومع ذلك طاله نفس العقاب كخصمه، هنا يقفز السؤال البديهي: هل يُعقل أن يُعاقب الجاني والمجني عليه بنفس المكيال؟ وهل تتجاهل الوزارة مسؤولياتها هي عن هذه الواقعة وتكتفي بالقصاص من المراكز فقط؟
ما حدث في ملعب القطامية لا يجب النظر إليه باعتباره مشاجرة فردية أو تصرفات طائشة من شباب غاضب، بل يجب أن يُقرأ كدليل على خلل أعمق في إدارة المنظومة الرياضية الشعبية، مراكز الشباب ليست فقط ملعبًا لكرة القدم، بل هي مساحة اجتماعية وتربوية وتنموية، وما حدث يكشف عن غياب أدوات الحماية والرقابة والإشراف التربوي، ويدق ناقوس خطر حول فشل الوزارة في تهيئة بيئة رياضية آمنة.
كان من المفترض أن تكون هناك إجراءات أمنية واضحة قبل بدء المباراة، سواء من خلال تنسيق مع الأمن أو عبر وجود طاقم إشراف من الوزارة يتولى متابعة الأجواء، لم نر ذلك ولم نسمع عن تفتيش، ولا عن مراقبة فعالة، ولا عن فصل بين الجماهير، في المقابل، رأينا ملعبًا يتحول إلى ساحة معركة، وشبابًا يسقطون مضرجين في دمائهم. ثم تأتي الوزارة لتصدر عقوبات بالجملة، وتغلق الملف.
ما يغيب عن المشهد، أو يتم تجاهله عمدًا، هو محاسبة المسؤولين داخل الوزارة أو المديرية، الذين أخفقوا في اتخاذ التدابير الوقائية، من المسؤول عن الموافقة على إقامة المباراة في هذا التوقيت؟ من راجع إجراءات التأمين؟ من أشرف على التنظيم؟ لماذا لم يُحاسب أي موظف إداري أو مسؤول إشراف ميداني؟ وإذا كان كل هذا الغياب التنظيمي قد حدث، فهل من العدل أن تُلقى كل تبعات الفوضى على المراكز وحدها؟
المشهد يبدو مقلوبًا، بدلًا من إصلاح منظومة مراكز الشباب وإعادة تقييم آليات إدارة الدوري، تلجأ الوزارة للعقوبة القصوى وتستخدمها كوسيلة لتبرئة نفسها، بينما الحقيقة أن هذا الحادث هو عرض لمرض مزمن في نظام التشغيل والإشراف، القرارات العقابية، مهما بدت صارمة، لا تكفي لردع تكرار الكارثة، ما لم تُرافقها خطوات جادة نحو الإصلاح الإداري والرقابي داخل الوزارة نفسها.
شطب المركزين قد يُسكت الغضب مؤقتًا، لكنه لن يمنع تكرار نفس المأساة في أي ملعب آخر، ما دام ظل التخطيط غائبًا، والرقابة شكلية، والمساءلة تقتصر على الضعفاء فقط، ما نحتاجه الآن ليس فقط قرارات عقابية، بل مراجعة حقيقية لمنظومة مراكز الشباب، من أول آليات الإشراف، مرورًا بضوابط التأمين، وانتهاءً بمحاسبة المقصرين أيًا كانت مناصبهم.
لقد أظهرت هذه الواقعة أن الوزارة عاقبت "الضارب والمضروب" سويًا، وأغلقت الباب دون أن تحاسب نفسها على التقصير، لكن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها، أن المسؤولية لا تقتصر على الأطراف التي تشاجرت في الملعب، بل تمتد إلى كل من أهمل وتغاضى وتراخى في تنظيم هذا الحدث، وإذا لم نبدأ من هناك، فكل ما يحدث ليس إلا مسكنًا لأزمة ستنفجر قريبًا في مكان آخر.