< عادل توماس يكتب.. "الطفل أولًا.. أم الدفع أولًا؟!"
النبأ
رئيس التحرير
خالد مهران

عادل توماس يكتب.. "الطفل أولًا.. أم الدفع أولًا؟!"

عادل توماس
عادل توماس

ما حدث مع أسرة أحد المواليد الجدد في مستشفى 15 مايو لا يمكن وصفه إلا بأنه جرس إنذار جديد لحجم المعاناة التي يواجهها المواطن البسيط حين يطلب خدمة صحية في وقت طارئ، دخلت الأم المستشفى لوضع مولودها، وأُجريت لها الولادة دون مشكلات تُذكر، ثم طُلب منها مغادرة المستشفى سريعًا بعد الولادة، في إجراء بدا طبيعيًا في ظاهره، حتى اكتشفت الأسرة بعد ساعات قليلة فقط أن المولود يعاني من اصفرار شديد في بشرته، وهو ما شخّصه طبيب خارج المستشفى بأنه نسبة عالية من الصفراء تستدعي الحجز الفوري في حضّانة.

المال قبل العلاج

عادت الأسرة على عجل إلى مستشفى 15 مايو، ظنًا أن التعامل مع الحالة سيكون فوريًا بحكم أن الطفل وُلد هناك، لكن المفاجأة كانت في الاشتراطات التي وُضعت أمامهم قبل إنقاذ المولود، إذ قيل لهم بوضوح: "مش هندخله الحضانة إلا بعد دفع 500 جنيه تحت الحساب"، وكأن حياة المولود أصبحت رهينة لمبلغ مالي في منشأة حكومية من المفترض أنها تقدم الخدمة أولًا، ثم تسوي الأمور الإدارية لاحقًا، خاصة في حالات الطوارئ.

روتين معقد في لحظة حرجة

لم تتوقف المفاجآت عند اشتراط الدفع فقط، بل أُبلغت الأسرة أن تكلفة الحضانة اليومية 100 جنيه، وأن دفعها لا يتم داخل المستشفى بل في مكان إداري بعيد عنه بعدة كيلو مترات، دون أي مبررات منطقية، الأسوأ من ذلك أنهم طُلب منهم التوجه إلى مستشفى النصر لاستخراج كارنيه التأمين الصحي الخاص بالطفل، رغم أن المولود خرج لتوه من مستشفى حكومي كان من المفترض أن يستكمل إجراءات تأمينه الصحي دون حاجة للتنقل أو المشقة.

أزمة متكررة… وحقوق ضائعة

هذه الواقعة ليست فريدة، بل تتكرر بصور متعددة مع مئات الأسر، ويكمن الخلل الأكبر في غياب التنسيق بين جهات الصحة والتأمين، وسوء إدارة الطوارئ داخل بعض المستشفيات الحكومية، وغياب مرونة التعامل مع الحالات الإنسانية الحرجة، التي لا تحتمل الوقوف في طابور أو ملء استمارة في إدارة بعيدة.

أين الحل؟

في ظل تلك الوقائع، بات ضروريًا إعادة النظر في طريقة استقبال وعلاج حديثي الولادة، خصوصًا الحالات التي تتطلب دخول حضّانات، ينبغي أن يشمل الحل، تفعيل آلية لتسجيل الطفل في التأمين الصحي فور ولادته من نفس المستشفى، وتوفير حضّانات طوارئ مجانية مؤقتًا في الحالات العاجلة، وتبسيط إجراءات الدفع وربطها رقميًا بدلًا من إلزام الأهالي بالتنقل والدفع في أماكن متفرقة.


صوت أسرة… يصرخ باسم آلاف

قال والد الطفل في استغاثة مؤثرة: "إحنا مش طالبين رفاهية، ولا علاج على نفقة الدولة، إحنا بس عايزين الطفل يدخل حضّانة فورًا لما حالته تكون حرجة. هل ده كتير؟"

صوت مئات الأسر

إن صوت هذه الأسرة هو صوت مئات الأسر، ممن يواجهون نفس المعاناة، ويطرقون أبواب المستشفيات الحكومية على أمل أن يجدوا فيها رعاية لا تفرّق بين غني وفقير، ولا تجعل إنقاذ الحياة مشروطًا بمبلغ مالي أو توقيع على ورقة، فحين تتحول صحة المواليد إلى ورقة بيروقراطية مشروطة بالدفع، فإننا بحاجة ماسة لإعادة النظر في المنظومة كلها، وإعلاء قيمة الرحمة قبل اللوائح، والإنسان قبل الملف.