غضب شعبى وبرلمانى.. سر فشل الحكومة في مواجهة الكلاب الضالة بالشوارع

تزايدت في الآونة الأخيرة شكاوى المواطنين من تفشي ظاهرة الكلاب الضالة في العديد من المناطق، مما أثار قلقًا كبيرًا في المجتمع وداخل الأوساط البرلمانية والصحية.
هذه الظاهرة لا تمثل فقط تهديدًا مباشرًا على سلامة المواطنين، بل أصبحت أيضًا مصدرًا لتحديات صحية وبيئية قد تؤثر على استقرار المجتمع، بين الهجمات المفاجئة للكلاب في الشوارع وبين غياب الحلول الفعالة، أصبح من الضروري البحث عن حلول شاملة تستند إلى أسس علمية وإنسانية لحل الأزمة.
في هذا التقرير، تستعرض «النبأ» شهادات المواطنين من مختلف المحافظات، بالإضافة إلى تصريحات الخبراء والمسؤولين حول ضرورة تحرك سريع للتعامل مع هذا الملف، مع التأكيد على أهمية العمل المشترك بين الجهات الحكومية والمنظمات الأهلية لضمان حماية الأرواح وصحة المجتمع.
تفاقم الوضع
عبر محمود مدحت، من سكان مدينة السادس من أكتوبر، عن قلقه الشديد من تفاقم الوضع، مشيرًا إلى أنه تعرّض أكثر من مرة لهجوم مباشر من الكلاب أثناء خروجه صباحًا للعمل، قائلا: «أكتر من مرة كانوا هيعضوني، ومش بنجو منهم غير إني أحط الشنطة قدامي أو أرمي طوب علشان يبعدوا، الموقف مرعب، خصوصًا إن في أطفال وسيدات وكبار سن مش هيعرفوا يحموا نفسهم بالشكل ده».
وأضاف: «الموضوع خرج عن السيطرة، وإحنا كأهالي مش مع التسميم أو إيذاء الحيوانات لأن ده حرام وغير إنساني، لكن في نفس الوقت أرواح الناس مش مستحملة أكتر من كده، لازم يكون في تدخل واضح وسريع من الجهات المسؤولة».
وتابع: «الكلاب الضالة لا تُشكّل فقط خطرًا جسديًا مباشرًا، بل تُنذر أيضًا بأزمة صحية عامة، خاصة أن حالات عضّ الكلاب تستوجب العلاج الفوري بمصل مضاد للسعار، وهو ما يتطلب إمكانيات طبية وميزانيات كبيرة».
وطالب بضرورة تدخل عاجل من الأحياء ومديريات الطب البيطري لتفعيل حملات جمع الكلاب الضالة من الشوارع، ونقلها إلى أماكن آمنة بعيدة عن المناطق السكنية، مع تطبيق برامج تعقيم وتطعيم تضمن السيطرة على أعدادها دون الإضرار بالتوازن البيئي أو بالمنظومة الأخلاقية في التعامل مع الحيوانات.
كما دعا إلى تخصيص خط ساخن لتلقي بلاغات الكلاب الضالة وتوجيه فرق استجابة سريعة للتعامل مع الحالات الخطرة، حفاظًا على أرواح المواطنين وصحة المجتمع.
التهديد بحياة المواطنين
من جانبها، قالت فاطمة محمود، من سكان محافظة أسيوط، إن مدينة أسيوط، تحديدًا في شارع التأمين الصحي المتفرع من شارع رياض شهدت واقعة مفزعة أعادت إلى الواجهة واحدة من أكثر الأزمات تجاهلًا وخطورة في الشارع المصري، وهي أزمة الكلاب الضالة التي باتت تهدد حياة المواطنين بصورة يومية.
وأضافت أنها وفي طريقها للذهاب إلى منزلها وفي وضح النهار، وأثناء عودة طفل من أداء الامتحانات، تعرّض لهجوم مباغت من مجموعة كلاب ضالة، لم يكن هناك ما يشير إلى نية الطفل استفزازهم أو الاقتراب منهم، لكن الهجوم كان شرسًا، وعلى مرأى ومسمع من المارة، ولولا تدخّل بعض أهالي المنطقة، لربما تحولت الواقعة إلى مأساة لا تُحمد عقباها.
وتابعت: «مش أول مرة، وكلنا بقينا بننزل من البيت وإحنا مش مطمّنين، الكلاب في كل شارع وبتهاجم من غير سبب، والخوف خلّى أطفال كتير يبطلوا يخرجوا من البيت أصلًا».
وأضافت «فاطمة»،لـ«النبأ»: «الموضوع مش واقعة فردية ولا حالة استثنائية، ده بقى خطر يومي بيمس كل الناس ستات، رجالة، أطفال، كبار سن... مفيش حد في أمان، حتى ابني بقيت أوديه المدرسة بالعربية خوفًا من الكلاب».
كما أكدت أن العديد من الجيران باتوا يعانون من أزمات نفسية بسبب تكرار الهجمات، معقبة: «الخوف بقى مسيطر على الناس، وناس كتير بقيت فعليًا محبوسة في بيوتها».
وحمّلت «فاطمة» المسؤولية للجهات المعنية قائلة: «إحنا مش بنطالب بإيذاء الحيوانات، بس فين الحل؟ فين الحملات؟ فين التحرك السريع؟ هل لازم نموت طفل أو حد يتقطع عشان نتحرّك؟ إحنا عايزين حل قانوني وإنساني يحمينا ويحمي أطفالنا».
وتابعت: «يبقى السؤال الذي يردده كل سكان أسيوط، وغيرهم من المحافظات التي تعاني من نفس الظاهرة هل ننتظر وقوع كارثة أخرى حتى يتم التحرك؟ أم أن أرواح الناس ليست أولوية؟».
وأشارت إلى أن المطلوب ليس فقط التحرك الأمني أو الصحي، بل خطة متكاملة تشمل جمع الكلاب الضالة بطريقة إنساني، وتوفير مراكز إيواء مناسبة بعيدة عن المناطق السكنية، وتنفيذ برامج تطعيم وتعقيم بالتعاون مع الطب البيطري، والتنسيق مع جمعيات الرفق بالحيوان لوضع حلول دائمة تحمي الإنسان والحيوان معًا.
إعداد خطة واضحة
من جهته قال النائب أحمد عبداللطيف الطحاوي، عضو لجنة الصحة بمجلس النواب، إن أزمة الكلاب الضالة تُعد من التحديات الكبرى التي تواجه الدولة حاليًا، لما تشكله من خطر مباشر على الإنسان، وهو ما يستدعي تحركًا حازمًا للتعامل معها.
وأوضح «الطحاوي» -في تصريحات خاصة لـ«النبأ»- أن الحل الأمثل لتلك الأزمة يتمثل في إعداد خطة واضحة تتضمن توفير أماكن مخصصة لإيواء الحيوانات الضالة، تكون بعيدة عن المناطق السكنية، مشددًا على أن اللجوء إلى قتل هذه الحيوانات قد يؤدي إلى خلل في التوازن البيئي.
وأشار إلى أن ظاهرة انتشار الحيوانات الضالة لا تمثل خطرًا صحيًا فقط، بل تؤثر أيضًا على الاقتصاد، حيث تتطلب مكافحة العدوى توفير كميات كبيرة من الأمصال بتكلفة مالية مرتفعة سنويًا.
وأكد «الطحاوي»، أن المصل المضاد لمرض السعار متوفر مجانًا في المستشفيات العامة والمركزية، مطالبًا بضرورة توفير وحدات طوارئ لتقديم هذا المصل بشكل عاجل للمصابين في مختلف المستشفيات.
القضاء على أزمة الكلاب الضالة
كان قد تقدَّم النائب محمود عصام موسى، عضو مجلس النواب، بطلب إحاطة إلى الحكومة ممثَّلة في رئيس مجلس الوزراء، ووزيري الزراعة والتنمية المحلية، بشأن استمرار أزمات تعرّض المواطنين للمخاطر بسبب الكلاب الضالة.
وأشار إلى أنه قبل أيام تعرّض طفل للعَقر في محافظة الشرقية من أحد الكلاب الضالة، وهو أمر خطير على حياة المواطنين، لا سيما في ظل تزايد أعداد الكلاب في جميع الشوارع على مستوى الجمهورية.
وقال محمود عصام: «في السابق عانينا كثيرًا من تأخّر الحكومة في إصدار اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم حيازة الحيوانات الخطرة والكلاب، ولكن رغم صدورها لا تزال الأزمة قائمة».
وأوضح أن القانون تناول في مواده ضوابط التعامل مع الكلاب الضالة للتقليل من مخاطرها، من خلال دور قطاع الطب البيطري في وزارة الزراعة، ولكن للأسف الشديد لا يوجد أي تحرّك فعلي لوقف حوادث تعرّض المواطنين للخطر بسبب الكلاب.
وطالب عضو مجلس النواب الحكومة بضرورة الإعلان عن خطة واضحة للقضاء على أزمة الكلاب الضالة، بما يحقّق الحفاظ على حياة المواطنين.
غياب الثقافة المجتمعية
وفي السياق ذاته، قالت منى خليل، رئيس اتحاد جمعيات الرفق بالحيوان، إن الأزمة المتعلقة بالكلاب الضالة تعود إلى غياب الثقافة المجتمعية السليمة في التعامل معها، مشيرة إلى أن هناك خلطًا كبيرًا بين الخوف الطبيعي من الحيوانات، خاصة بين من يعانون من «الفوبيا»، وبين التحريض ضدها واعتبار وجودها تهديدًا مباشرًا للمجتمع.
وأكدت «خليل» -في تصريحات تلفزيونية- أن الجدل المثار حول أعداد الكلاب الضالة في الشوارع يفتقر إلى الأسس العلمية، مشيرة إلى أنه لا توجد جهة رسمية حتى الآن أعلنت عن أرقام دقيقة حول أعداد هذه الحيوانات في مصر.
وأضافت: «من غير الممكن لأي طرف حكومي أو أهلي أن يدعي امتلاكه رقمًا دقيقًا بشأن أعداد الكلاب الضالة، وحتى الحيوانات المملوكة داخل المنازل لا توجد إحصاءات دقيقة بشأنها، فكيف يمكننا التوصل إلى رقم دقيق عن الكلاب الضالة؟».
وأوضحت أنه لا بد من اعتماد إحصاء رسمي ودقيق قبل التطرق إلى أي حلول بشأن السيطرة على الكلاب الضالة، سواء عبر الإبادة أو التحكم في أعدادها.
وشددت رئيس اتحاد جمعيات الرفق بالحيوان على ضرورة أن تتولى جهة رسمية، مثل وزارة الزراعة أو الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، هذه المهمة بشكل شفاف ومعلن، حتى تكون هناك معلومات دقيقة وموثوقة حول هذا الملف الحيوي.
حماية المجتمع والبيئة
من جهتها قالت الدكتورة سمر عبد الرحمن طبيبة بيطرية، إن هناك وعيًا غائبًا عن قطاع كبير من الناس فيما يخص أهمية كلاب الشوارع، مشددة على أن هذه الكلاب تلعب دورًا حيويًا في حماية المجتمع والبيئة، رغم أن كثيرين لا يدركون ذلك.
وأوضحت في تصريحات خاصة لـ«النبأ» أن «كلاب الشارع بتعتبر المنطقة اللي عايشة فيها بمثابة موطن لها، وبتقوم بحمايته من أي غرباء أو محاولات سرق، وجودهم بحد ذاته بيشكل رادع لأي متسلل»، لافتة إلى أن هذه الكلاب تساهم أيضًا في تقليل أعداد الفئران والزواحف، حيث إنها تتغذى عليها.
وأشارت إلى واقعة شهيرة في إحدى قرى محافظة البحيرة، حيث تم التخلص من كلاب الشوارع بشكل كامل، مما أدى إلى انتشار الثعابين في القرية وتهديد حياة الأهالي، مؤكدة أن الطبيعة دائمًا تعاقب على الخلل في توازنها.
وحول الحملات التي تنادي بتسميم الكلاب باستخدام «سم الإستركنين»، قالت: «في حلول تانية ممكنة وفعالة أكتر، الكلاب ممكن تتبنى وتتسافر لأي دولة، حتى لو دون مقابل مادي، وده أرحم من تمن استيراد سم قاتل زيه، وممكن يتم توزيع الكلاب دي على المصانع والمناطق الصناعية كوسيلة حماية طبيعية، وفي نفس الوقت نخفف وجودهم في الشوارع».
وأضافت: «أنا شغالة في حملة (مصر خالية من السعار) بقالي أكتر من 7 سنين، بنطعم كلاب وقطط الشوارع ضد السعار، وبنروح المدارس نوعي الأطفال إزاي يتعاملوا معاهم، ونعلمهم طرق الوقاية وسلوكيات السلامة».
وأكدت أن الدولة لا تتحمل أي تكلفة في تطعيمات السعار، حيث يقوم محبو الحيوانات وأحيانًا أهالي المناطق أنفسهم بتغطية التكاليف.
وأردفت: «كمان بعرف الناس يتصرفوا إزاي لو اتعرضوا للعض، وبعرفهم أماكن المستشفيات اللي فيها المصل، وإزاي يتجنبوا الهجمات من الأساس».
واختتمت حديثها بالتحذير من استخدام سم الإستركنين، قائلة: «السم ده مميت مش بس للحيوانات، لكن كمان للبشر، وخصوصًا عمال النظافة أو أي حد بيحاول ينقذ الكلاب ويلم اللحمة المسممة، ده بيمتص عن طريق الجلد وبيسبب مشاكل صحية خطيرة، مش لازم ننتظر كارثة عشان نتحرك».