< بعد توجيه الرئيس بإدراجه إلزاميا.. إجراءات الحكومة لتدريس الذكاء الاصطناعى فى المدارس
النبأ
رئيس التحرير
خالد مهران

بعد توجيه الرئيس بإدراجه إلزاميا.. إجراءات الحكومة لتدريس الذكاء الاصطناعى فى المدارس

الرئيس عبدالفتاح
الرئيس عبدالفتاح السيسي

في ظل التحولات الرقمية المتسارعة التي يشهدها العالم اليوم، لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد تقنية مستقبلية، بل أصبح واقعًا حيويًا يفرض نفسه على مختلف مجالات الحياة، وفي مقدمتها التعليم.

ومن هذا المنطلق، جاء توجيه الرئيس عبد الفتاح السيسي للحكومة بدراسة إمكانية إدراج مادة «الذكاء الاصطناعي» كمادة إلزامية في المناهج الدراسية، ليعكس وعيًا استراتيجيًا بضرورة إعداد الأجيال القادمة لمواجهة تحديات العصر الرقمي، ويضع مصر على طريق جديد نحو بناء مجتمع معرفي متكامل.

ولا يعد هذا التوجيه الرئاسي فقط مجرد قرار إداري أو تطوير تقني عابر، بل يمثل تحولًا محوريًا في فلسفة التعليم في مصر، حيث يُعاد النظر في الدور الحقيقي للمناهج التعليمية ومدى قدرتها على تأهيل الطلاب ليكونوا فاعلين ومبدعين في اقتصاد المعرفة وسوق العمل الرقمي. 

وفي هذا التقرير، نسلط الضوء على أبعاد هذا التوجيه من خلال آراء وتحليلات نخبة من الخبراء في مجالات التربية والتعليم وتكنولوجيا المعلومات، ونستعرض التحديات التي تواجه تطبيقها، والفرص التي يمكن أن تفتحها أمام نظام التعليم، وما تمثله من استثمار حقيقي في قدرات العقول المصرية، كما نناقش كيفية بناء رؤية استراتيجية متكاملة لتطبيق هذا التوجه، بما يضمن تحقيق الأهداف المنشودة وإعداد جيل رقمي قادر على قيادة المستقبل بثقة وكفاءة.

خطة زمنية واضحة

وفي السياق، قال الدكتور عاصم حجازي، الخبير التربوي أستاذ علم النفس التربوي المساعد بكلية الدراسات العليا للتربية جامعة القاهرة، إن توجيه الرئيس السيسى للحكومة بدراسة إمكانية إدراج الذكاء الاصطناعى كمادة إلزامية فى المناهج خطوة رائعة في مجال التعليم في مصر.

وأضاف «حجازي» -في تصريحات خاصة لـ«النبأ»- أن وزارة التربية والتعليم لم تعلن خطة زمنية واضحة أو آلية واضحة -أيضا- للتطبيق، لافتا إلى أنه يجب إعداد المناهج وتدريب المعلمين كخطوة أولى ثم البدء في تدريس المقرر بعد ذلك.

وحول مدى ربط القرار بمستوى تعليمي معين، قال: «يجب أن تكون البداية من المرحلة الابتدائية بمقررات تراعي التدرج في عرض المفاهيم والمعلومات وتتسم بالمرونة».

وأضاف أن طلاب الصف الرابع يدرسون مادة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتي يمكن إضافة موضوعات عن الذكاء الاصطناعي بها بعد إجراء التعديلات اللازمة على المحتوى وفي المراحل التعليمية المتقدمة يتم تدريسه كمقرر مستقل.

وأكد أن تدريب وتأهيل المعلمين من الاستعدادات الأساسية التي يجب أن تأخذها الوزارة في الاعتبار ويتطلب الأمر تدريب معلمي الحاسب الآلي تدريبا مكثفا على كل ما يتعلق بالذكاء الاصطناعي كما يمكن الاستعانة بمنصات التعلم الرقمية لمواجهة الفروق الفردية بين المعلمين في الاستفادة من التدريب.

وحول البنية التحتية التكنولوجية متوفرة في المدارس علق قائلا: «يحتاج تدريس الذكاء الاصطناعي إلى بنية تحتية تكنولوجية قوية ويعتبر هذا تحديا أمام وزارة التربية والتعليم يمكنها التغلب عليه بالاستعانة بالقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني حتى لا يكون عائقا أمام تدريس مقرر بهذا القدر من الأهمية».

وأشار إلى أن الفروق بين المدارس الخاصة والحكومية فيما يتعلق بالبنية التحتية قد تتسبب في وجود فجوة رقمية بين طلاب النظامين فيكون لدينا طلاب يتقنون تماما المهارات الرقمية وآخرون لا يعلمون عنها إلا القليل فيكون الفارق بين النظامين كبير جدا وكأن كل منهما يعيش في عصر مختلف وسينعكس ذلك بالطبع على تواصلهم وتعاونهم ومشاركتهم الفعالة في التنمية لذلك يجب أخذ الاحتياطات اللازمة لمنع حدوث الفجوة الرقمية، ويمكن تحقيق ذلك من خلال تسليم التابلت لطلاب المرحلتين الإعدادية والابتدائية أيضا وذلك بالطبع من خلال المشاركة المجتمعية ومشاركة سوق العمل.

وأكد أن المستقبل بلا شك للذكاء الاصطناعي وهو قادم وبقوة وسرعة رهيبة، متابعا: «لذلك يجب الجاهزية سريعا للاستفادة منه في كل المجالات وعلى رأسها مجال التعليم ولا يجوز أبدا أن نقف موقف المتفرج دون أن يكون لنا إسهامات واضحة وتوظيف جيد للذكاء الاصطناعي في العملية التعليمية».

وأوضح أن ذلك سينعكس بلا شك على جودة النظام التعليمي نفسه وعلى جودة الخريج وزيادة الطلب العالمي عليه.

مراجعة البنية التحتية للمدارس

ومن جهته، قال الدكتور الحسين حسان، خبير التنمية الحضارية، إن إدخال الذكاء الاصطناعي في المناهج الدراسية خاصة في مراحل التعليم قبل الجامعي يُعد قرارًا بالغ الأهمية، لكنه في الوقت ذاته يتطلب خطة استراتيجية واضحة وزمنية مُحكمة لضمان تنفيذه بطريقة علمية ومدروسة.

وأضاف «حسان» -في تصريحات خاصة لـ«النبأ»- أن الفكرة، والتي يبدو أنها جاءت بتوجيه من رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسي، تُظهر وعيًا حقيقيًا بأهمية مواكبة التطورات التكنولوجية العالمية، إلا أن تنفيذها يستدعي توافر العديد من المقومات الأساسية، بدءًا من تطوير المناهج التعليمية مرورًا بإعداد الكوادر التدريسية القادرة على التعامل مع مفاهيم الذكاء الاصطناعي، وصولًا إلى توفير بنية تحتية تكنولوجية متكاملة داخل المدارس.

وتابع: «لكي نُدرج مادة الذكاء الاصطناعي كمادة إلزامية، لا بد من الاستعانة بكليات التربية على مستوى الجمهورية لإضافة أقسام متخصصة في هذا المجال، مما يسهم في تخريج معلمين مؤهلين لتدريسه وفق طرق حديثة وعصرية».

وأشار إلى أن البداية المثلى لتطبيق هذا القرار قد تكون على مستوى التعليم الجامعي، يليه تطبيق تدريجي في المرحلة الثانوية، نظرًا لما تتطلبه المراحل الابتدائية والإعدادية من موارد ضخمة، سواء على مستوى المعلمين أو البنية التحتية أو حتى جاهزية الطلاب لاستيعاب هذه المفاهيم.

وأكد أن دعم وسائل الإعلام، مثل القنوات التعليمية، سيكون له دور محوري في رفع الوعي بمفاهيم الذكاء الاصطناعي، من خلال تقديم محتوى مبسط وندوات توعوية في مراحل التعليم المختلفة، خاصة في المراحل الأولى.

وأضاف: «نفتقر حاليًا إلى المعلمين المؤهلين لتدريس الذكاء الاصطناعي، لذلك لا بد من توفير برامج تدريبية متخصصة لهم، بالتعاون مع شركات الذكاء الاصطناعي وصندوق الابتكار التابع لوزارة التعليم العالي، مما يسهم في سد هذه الفجوة بشكل فعال».

وتحدث «حسان» عن ضرورة مراجعة البنية التحتية للمدارس، خاصة في القرى، والتي قد تكون مؤهلة نسبيًا بفضل مشروعات "حياة كريمة"، لكنه شدد على أهمية توفير أجهزة الحاسب، برامج الذكاء الاصطناعي، وشبكات إنترنت قوية ومستقرة.

وأردف قائلًا: «نحن نتحدث عن 24 إلى 25 مليون طالب في مراحل التعليم ما قبل الجامعي، في ظل فروق كبيرة بين المدارس الحكومية والخاصة، لذلك لا بد من توفير دعم حقيقي للمدارس الحكومية لتتمكن من تنفيذ هذه الرؤية».

واختتم تصريحه قائلًا: «أدعو إلى التعاون مع منظمات المجتمع المدني ورجال الأعمال لتبني برامج تدريب المعلمين، وتقديم الدعم التكنولوجي للمدارس، عبر شراكات فعالة مع الشركات المتخصصة في الذكاء الاصطناعي، هذا هو الطريق الصحيح إذا أردنا أن نمنح أبناءنا تعليمًا يواكب العصر ويؤهلهم لسوق العمل الحديث».

إعداد جيل جديد

وفي السياق ذاته، أعرب النائب أحمد عاشور، عضو مجلس النواب، عن دعمه الكامل لتوجيهات الرئيس بشأن تطوير التعليم، مؤكدًا أن هذه التوجيهات تمثل تحولًا محوريًا في مسار تحديث المنظومة التعليمية في مصر.

وأشار «عاشور»، إلى أن إدراج الذكاء الاصطناعي ضمن المناهج الدراسية يعكس بُعد نظر القيادة السياسية، وسعيها لبناء جيل يتمتع بقدرات فكرية وابتكارية تؤهله للتعامل مع متغيرات العصر الرقمي.

وأوضح أن هذه الخطوة ستُسهم في تأهيل الطلاب بمهارات رقمية متقدمة، بما يعزز قدرة مصر على اللحاق بركب التكنولوجيا عالميًا، ويؤهلها لتكون مركزًا إقليميًا للابتكار والريادة التقنية.

وشدد على أهمية تنسيق الجهود بين وزارة التربية والتعليم والجهات المعنية لتطوير المناهج بما يتماشى مع هذا التوجه الطموح، إلى جانب تنفيذ برامج تدريبية شاملة للمعلمين وتحديث البنية التحتية التكنولوجية في المدارس، لضمان نجاح المبادرة وتحقيق أقصى استفادة ممكنة للطلاب.

واختتم النائب تصريحه بالتأكيد على أن إدماج الذكاء الاصطناعي في التعليم لا يُعد مجرد تحديث في المحتوى، بل يمثل استثمارًا استراتيجيًا في العقول المصرية، وخطوة أساسية نحو إعداد جيل جديد قادر على قيادة مسيرة التنمية والتقدم في المستقبل بثقة وكفاءة.