اللواء رضا فرحات في حواره لـ«النبأ»: السيسي أرسل رسائل قوية خلال قمة بغداد بضرورة احترام سيادة الدول العربية

لاشك أن كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسي خلال القمة العربية التي عقدت في بغداد جاءت معبرة عن الثوابت المصرية في دعم قضايا الأمن القومي العربي، والتأكيد على مركزية القضية الفلسطينية كمدخل حقيقي لاستقرار المنطقة بأكملها.
وقد أجرت «النبأ» حوارًا مع اللواء رضا فرحات، أستاذ العلوم السياسية، بشأن كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي في القمة العربية وسبب غياب قادة الدول العربية عن تلك القمة، وكذلك زيارته الأخيرة إلى روسيا ولقائه بنظيره بوتين.
في البداية، قال اللواء رضا فرحات، أستاذ العلوم السياسية، إن كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال القمة العربية التي عقدت في بغداد جاءت معبرة عن الثوابت المصرية في دعم قضايا الأمن القومي العربي، والتأكيد على مركزية القضية الفلسطينية كمدخل حقيقي لاستقرار المنطقة، مشيرا إلى أن الرئيس تحدث من منطلق المسؤولية التاريخية لمصر تجاه قضايا الأمة، وركز على أهمية تجاوز الخلافات والعمل على إعادة بناء التضامن العربي في ظل التحديات الإقليمية والدولية المتصاعدة.
وأضاف فرحات أن الرئيس السيسي أرسل خلال كلمته رسائل واضحة بشأن ضرورة احترام سيادة الدول العربية، ورفض التدخلات الخارجية ، وهو ما يعكس رؤية مصر الراسخة بضرورة بناء الدولة الوطنية في مقابل مشاريع التفكيك والهيمنة، مؤكدا أن حديث الرئيس عن أهمية تفعيل آليات العمل العربي المشترك وإصلاح المنظومة الإقليمية يعكس إدراكا عميقا للمتغيرات التي يشهدها العالم، وضرورة أن يكون للعرب صوت موحد واستراتيجية جامعة في مواجهة الأزمات.
وأوضح فرحات أن مشاركة مصر على هذا المستوى الرفيع، رغم غياب عدد من القادة العرب، يؤكد حرص القيادة المصرية على دعم أي تحرك يعزز من وحدة الصف العربي وذلك من خلال الرؤية المصرية الواضحة التي توازن بين الالتزام بالمبادئ القومية والانفتاح على الحلول الواقعية.
وفي تعليقه على غياب معظم القادة العرب عن القمة، أوضح نائب رئيس حزب المؤتمر أن ذلك يعكس استمرار حالة التباين والانقسام داخل الدول العربية، سواء نتيجة الحسابات السياسية الخاصة بكل دولة أو بسبب اختلاف الأولويات الإقليمية في ظل الأزمات الداخلية والضغوط الدولية، لافتا إلى أن بعض الدول قد ترى أن الظروف الحالية غير مواتية لتحقيق توافق حقيقي، بينما تتجه دول أخرى إلى التركيز على ملفاتها الداخلية.
وشدد أستاذ العلوم السياسية على أن القمم العربية ستظل منصة ضرورية لتبادل الرؤى وتعزيز العمل العربي المشترك، وأن وجود مصر وموقفها الثابت سيظل عنصر توازن واستقرار في مواجهة أي محاولات لإضعاف أو تهميش الدور العربي، مشددا على ضرورة تطوير آليات القمم القادمة لتكون أكثر فاعلية وجدوى في التأثير على القضايا الإقليمية والدولية.
كما تطرق فرحات إلى زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى روسيا ومشاركته في احتفالات النصر واحدة، معتبرًا إياها أنها من أنجح الزيارات الرئاسية على المستوى الثنائي والدولي، حيث حققت لمصر عدة مكاسب استراتيجية وسياسية واقتصادية مباشرة، وكرست مكانتها كدولة مؤثرة في محيطها الإقليمي والدولي.
وأوضح فرحات أن أبرز المكاسب تمثلت أولا في تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين مصر وروسيا، وهو ما ظهر جليا في اللقاء المهم الذي جمع الرئيس السيسي بالرئيس فلاديمير بوتين، والذي شهد توافقا في الرؤى حول قضايا الأمن الإقليمي، وعلى رأسها الوضع في قطاع غزة، وضرورة وقف إطلاق النار، وإدخال المساعدات الإنسانية، وإطلاق عملية سلام عادلة وشاملة، وهو ما يعكس مكانة مصر كدولة قائدة في محيطها العربي وقادرة على التأثير في مواقف القوى الكبرى.
كما أشار إلى أن الزيارة ساهمت في تعميق التعاون العسكري والتقني بين البلدين، في ظل المشاركة الرمزية في احتفالات النصر، التي عكست الاحترام المتبادل بين القوات المسلحة المصرية ونظيرتها الروسية، وهو ما يعزز فرص نقل الخبرات، والتعاون في مجالات التصنيع العسكري والتدريب.
وعلى الجانب الاقتصادي، أكد فرحات أن الزيارة أتاحت فرصة لمتابعة تنفيذ المشروعات الاستراتيجية المشتركة، وفي مقدمتها محطة الضبعة النووية التي تنفذها شركة روساتوم الروسية، باعتبارها أحد أكبر المشروعات القومية في مجال الطاقة النظيفة، فضلا عن بحث فرص جديدة في مجال الاستثمار الروسي في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، ومشروعات النقل والصناعات الثقيلة.
وأضاف أن الزيارة فتحت المجال أمام توسيع التبادل التجاري والسياحي، في ظل اهتمام الجانب الروسي بزيادة عدد الرحلات إلى المقاصد السياحية المصرية، وخاصة البحر الأحمر، ما يمثل دعما مباشرا للاقتصاد الوطني.
مصر تعتبر شريكًا موثوقا في إدارة الملفات الدولية
وشدد فرحات على أن من أهم المكاسب أيضا هو تعزيز مكانة مصر الدولية، حيث كانت مشاركة الرئيس السيسي في احتفالات النصر بمثابة رسالة واضحة بأن مصر تحظى بتقدير كبير من القوى الكبرى، وتعتبر شريكًا موثوقا في إدارة الملفات الدولية، بما يدعم توجه الدولة نحو تنويع تحالفاتها والحفاظ على استقلالية قرارها السياسي.
وأكد أستاذ العلوم السياسية أن زيارة الرئيس السيسي لروسيا كانت ناجحة بكل المقاييس، وحققت مكاسب متعددة تصب في صالح الأمن القومي المصري، ودعم الاقتصاد، وتأكيد الحضور المصري الفاعل على الساحة العالمية.
الخليج العربي يمثل عمقا استراتيجيا للمصالح الأمريكية
وتطرق فرحات، إلى زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى دول الخليج، وتحديدا السعودية وقطر والإمارات، قائلا إنها تعكس توجها استراتيجيا متجددا للإدارة الأمريكية نحو استعادة النفوذ التقليدي في منطقة الشرق الأوسط، في ظل المتغيرات الدولية والإقليمية الراهنة.
وأكد أستاذ العلوم السياسية أن اختيار ترامب لهذه الدول الثلاث في مستهل جولاته الإقليمية يحمل دلالات سياسية واقتصادية وأمنية مهمة، فهذه الدول تشكل محاور رئيسية في معادلة التوازن الخليجي والعربي، ولديها ثقل اقتصادي واستثماري، فضلا عن أدوارها المحورية في ملفات الأمن الإقليمي والطاقة والسلام والاستقرار في المنطقة ويمثل الخليج العربي عمقا استراتيجيا للمصالح الأمريكية، وخصوصا في ظل تصاعد التهديدات التي تمثلها إيران وميليشياتها، واستمرار حالة عدم الاستقرار في مناطق متعددة مثل اليمن وسوريا.
وأشار فرحات إلى أن الرئيس ترامب، الذي عرف بسياساته الصريحة والصفقات المباشرة، يسعى من خلال هذه الزيارة إلى إعادة ضبط بوصلة العلاقات الأمريكية - الخليجية، بعد أن تأثرت في بعض الجوانب خلال فترات سابقة بسبب تباينات في المواقف من قضايا الطاقة، والعلاقات مع الصين وروسيا، وأيضا التوازن في التعامل مع ملف الحرب في غزة والملف الإيراني وبالتالي، فإن ترامب يسعى لتأكيد التزام إدارته بأمن الخليج، مع طرح رؤية جديدة لتعزيز الشراكة الاقتصادية والأمنية تقوم على المصالح المتبادلة وليس على المعايير الإيديولوجية.
وأضاف فرحات أن السعودية تظل المحطة الأهم في هذه الجولة، كونها مركز الثقل العربي والإسلامي، وتملك قدرة التأثير على الملفات السياسية الإقليمية، وعلى سوق الطاقة العالمي، خاصة في إطار تحالف "أوبك بلس" بالإضافة إلى سعي واشنطن لتعزيز التعاون الدفاعي والتقني، وتنسيق المواقف بشأن أمن البحر الأحمر إضافة إلى بلورة تصور مشترك بشأن مستقبل القضية الفلسطينية في ضوء استمرار الحرب في غزة، والدور المتزايد لإيران في المنطقة.
أما قطر، فرأى فرحات أن دورها كوسيط سياسي في العديد من القضايا المعقدة – من أفغانستان إلى غزة – يجعل منها شريكا لا يمكن تجاهله في الحسابات الأمريكية كما أن احتضانها لأكبر قاعدة عسكرية أمريكية في المنطقة (قاعدة العديد) يمنحها وزنا خاصا في أجندة ترامب الأمنية كما أن العلاقة بين الإمارات وواشنطن تشهد تطورا متسارعا في ملفات التكنولوجيا والطاقة المتجددة والتعاون العسكري، خاصة في ظل التوجه الإماراتي المتنوع في شراكاتها الخارجية، وحرصها على أن تكون مركزا عالميا للتجارة والاستثمار.
ترامب يؤسس لمرحلة جديدة من الحضور الأمريكي في المنطقة
ولفت أستاذ العلوم السياسية إلى أن زيارة ترامب تؤسس لمرحلة جديدة من الحضور الأمريكي في المنطقة، قائمة على تعزيز التحالفات الاستراتيجية، ومواجهة التحديات الجيوسياسية المتصاعدة، مع إدراك كامل من واشنطن أن أمن الخليج يظل مفتاحا رئيسيا لاستقرار الشرق الأوسط والعالم.