< علي الهواري يكتب: مذهب الإمام سعد الدين إبن الهلالي!
النبأ
رئيس التحرير
خالد مهران

علي الهواري يكتب: مذهب الإمام سعد الدين إبن الهلالي!

علي الهواري يكتب:
علي الهواري يكتب: مذهب الإمام سعد الدين إبن الهلالي!

دائما ما يصف الأزهر الشريف وعلماءه الأراء الفقهية المثيرة للجدل التي تصدر عن الدكتور سعد الدين الهلالي، استاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر الشريف، بالشاذة التي تخالف ثوابت الشريعة الإسلامية، ويحذر من الانسياق وراء ما وصفه بـ "الأفكار الضالة المنحرفة" والتي لا تصح نسبتها إلي الثقات من أهل العلم ولا التعويل عليها.

ومن خلال متابعتي لأراء الدكتور سعد الدين الهلالي الفقهية وما يدور حولها من جدل، أرى أن الدكتور سعد الدين الهلالي يمتلك مشروع فكري واضح وضوح الشمس، هذا المشروع يقوم على عدد من الركائز، من أهمها: 

تفسير أم تعطيل؟.. لا ثوابت في الدين

الركيزة الأولى هي نزع القدسية عن النصوص القرأنية قطعية الثبوت قطعية الدلالة، والقول بأنها مسألة فقهية يجوز الاجتهاد فيها، والتي لا يجوز بإجماع العلماء الاجتهاد فيها، والاجماع أحد مصادر التشريع الرئيسية مع القرأن والسنة النبوية الصحيحة والقياس، وفي هذه الحالة يكون قد فتح الباب واسعا أمام الطعن في القرأن الكريم والتشكيك فيه، وبذلك يكون قد تجاوز مشروع أو مذهب القرأنيين الذي يقوم على الاعتراف بالقرآن الكريم كمصدر وحيد للتشريع الإسلامي، وعدم الاعتراف بباقي المصادر وعلى رأسها السنة النبوية المطهرة. 

ويقوم مشروع الدكتور سعد الدين الهلالي على تعطيل بعض الآيات قطعية الثبوت قطعية الدلالة في القرأن الكريم، وليس على الاجتهاد في تفسيرها، وهذا ما حدث مع آيات المواريث، وآيات الحجاب، حيث قال الهلالي أن المساواة بين الذكور والإناث في الميراث "ليست محرمة بنص صريح" في القرآن أو السنة، مشيرا إلى إمكانية ذلك حال تساوي درجة القرابة كالحال بين الأخ والأخت، واستشهد بتجارب دول أخرى مثل تركيا، إضافة لقانون المعاشات في مصر الذي يساوي بين الجنسين.

واعتبر الهلالي، أن هذه "مسألة فقهية قابلة للاجتهاد"، داعيا إلى "حوار مجتمعي واستفتاء شعبي لتغيير القانون إذا توافق الناس على ذلك" ما أثار ردود فعل واسعة.

كما قال الهلالي، أنه لا يوجد نص يؤكد فرضية الحجاب، كما شكك في صحة حديث الحجاب الذي يقول إنه "إذا بلغت المرأة المحيض لا يظهر منها غير وجهها وكفيها"، وقال الهلالي "إن هذا الحديث لم يظهر إلا بعد وفاة الرسول بنحو 240 عامًا، وهو حديث ضعيف".

وقد رد الأزهر الشريف على تصريحات الهلالي، حيث قال الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، إنَّ النصوصَ الشرعية منها ما يقبل الاجتهاد الصادر من أهل الاختصاص الدقيق في علوم الشريعة، ومنها ما لا يقبل.

وأوضح أن النصوص إذا كانت قطعية الثبوت والدلالة معًا فإنها لا تحتمل الاجتهاد، مثل آيات المواريث الواردة في القرآن الكريم، والنصوص الصريحة المنظمة لبعض أحكام الأسرة؛ فإنها أحكام ثابتة بنصوص قطعية الثبوت قطعية الدلالة بلا ريب، فلا مجال فيها لإعمال الاجتهاد، وإدراك القطعي والظني يعرفه العلماء، ولا يُقْبَلُ من العامَّةِ أو غير المتخصِّصين مهما كانت ثقافتهم

ونبه على أنه ومما يجبُ أن يعلمه الجميع أنَّ القطعيَّ شرعًا هو منطقيٌّ عقلًا باتفاقِ العلماءِ والعقلاء، موضحًا: وإنما يتأتى الاجتهاد فيما كان من النصوص ظنيَّ الثبوت أو الدّلالة أو كليهما معًا، فهذه متروكة لعقول المجتهدين لإعمال الفكر واستنباط الأحكام في الجانب الظَّنِّي منها، وكل هذا منوط بمن تحققت فيه شروط الاجتهاد المقررة عند العلماء؛ وذلك مثل أحكام المعاملات التي ليس فيها نص قاطع ثبوتًا أو دلالةً.

كما أكد الأزهر الشريف في بيان له، على قدسية النصوص القرآنية المتعلقة بالميراث، ويرفض أي محاولة للتشكيك فيها أو تغييرها، معتبرًا مثل هذه الدعوات «افتئاتًا على الشرع» و«جريمة فكرية» تهدد استقرار المجتمع.

وقال مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، إن نصوصُ الميراث قطعية لا تقبل التغيير ولا الاجتهاد، والدعوة لصنع «تدين شخصي» افتئاتٌ على الشرع، أو لصنع «قانون فردي» افتئاتٌ على ولي الأمر، وإعادة إنتاج للفكر التكفيري المنحرف، وتجديدُ علوم الإسلام لا يكون على الشاشات أو بين غير المتخصصين.

واستطرد: إغراءُ فئةٍ من الشعب بالتمرد على القانون، بزعم أحقيتها في تفسيره تفسيرات شخصية أو رفض تطبيقه بالكلية، ثمرةٌ من ثمرات الفكر المعوج الداعي لـ «الفردانية»، والتي تعني أحقية كل فرد في تشكيل مبادئ تدينه الخاص وقوانينه الشخصية؛ وفقًا لأهوائه ومطامعه الدنيوية، وبما يخالف الشرع والقانون والنظام العام، ولا يخفى الأثر السلبي لهذه الفوضى على السّلم والاستقرار المجتمعي والوطني.

ونبه الأزهر على أن الادعاء الدائم أن أحكام الشريعة لا تناسب الزمان وتطور العصر؛ طرحٌ كريه لا يراد به إلا عزل الإسلام عن حياة الناس، فضلًا عن كونه فتنة عظيمة في دينهم؛ لا يجني المجتمع منها إلا الانحراف الفكري والتطرف في إحدى جهتيه.

وشدد على أن النصوص المتعلقة بعلم الميراث في الإسلام نصوص قطعية محكمة راسخة لا تقبل الاجتهاد أو التغيير بإجماع الصحابة، والعلماء في كل العصور، وتناسب كل زمان ومكان وحال، فقد تَولَّى رب العالمين الله عز وجل تقسيم المواريث في القرآن الكريم؛ لأهميته، وعِظَم خطره، وإزالةً لأسباب النِّزاع والشِّقاق.

وعن الحجاب، قال الأزهر في بيان،  إن ما يُتداول من محاولة لنفي فرضيَّة الحجاب وتصويره أنه عادة أو عرفٌ انتشر بعد عصر النبي -صلى الله عليه وسلم- هو رأي شخصي يرفضه الأزهر؛ لأنه مخالف لما أجمع عليه المسلمون منذ 15 قرنا من الزمان.

وأضاف البيان أن هذا الرأي يفتح الباب لتمييع الثوابت الدينية، كما أن التفلت من أحكام الشريعة وما استقر عليه علماء الأمة بدعوى الحرية في فَهم النص، هو منهج علمي فاسد.

كما أوضح مركز الأزهر العالمي للفتوى في بيان تفصيلي أن فرضية الحجاب ثابتة بنص القرآن الكريم، والسُّنة النَّبوية الصَّحيحة، وإجماع الأمة الإسلامية من لدن سيدنا رسول الله إلى يومنا هذا، وحكم فرضيته ثابت لا يقبل الاجتهاد أو التغيير.

واعتبر أن استغلال الأحداث والجرائم المأساوية المُنكرة، في الهجوم على ثوابت الدّين، والطّعن في مسلماته وتوجيه طاقة رفضها الشّعبي إلى إحدى شرائع الإسلام وتعاليمه؛ أمر غير مقبول، عظيم الخطر والضرر على الفرد والمجتمع.

ورفض مناقشة القضايا الدينية في وسائل الإعلام وعبر مواقع التواصل الاجتماعي بشكل مجتزأ، معتبرا ذلك إهدارا لقواعد العلوم وأصولها؛ ويُحدث اضطرابًا بين النّاس، وإيذاءً لمشاعرهم الدينية، ويسبِّب الأزمات والصراعات، ويسوِّغ لها، ويُكدِّر السِّلم العام.

بدورها، قالت دار الإفتاء المصرية إن الحجاب شعيرة من شعائر الإسلام، وطاعة لله تعالى، وفرض على المرأة المسلمة التي بلغت سن التكليف؛ فعليها أن تستر جسمَها ما عدا الوجه والكفين.

وفي 2014، صدر مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر بيانا شديد اللهجة ضد سعد الدين الهلالي، أستاذ ورئيس قسم الفقه المقارن بجامعة الأزهر، بعد تصريحه بأن شهادة "لا إله إلا الله" تكفي للإسلام دون الشهادة بنبوة محمد، إذ اعتبر أن هذا الزعم "يُنبِئ عن فكرٍ منحرفٍ فيه مخالفةٌ جريئةٌ للنصوص الصريحة من الكتاب والسُّنَّة."

ووصف المجمع الهلالي بـ "أحد المنتسبين إليه (الأزهر)" دون ذكر اسمه بشكل صريح، مؤكدا أن الشهادتين هما "أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله” وهما "ركنُ الإسلام الأوَّل" مضيفا: "أمَّا استشهادُ صاحبِ هذه التصريحات بكلام ابن حجر الهَيْتَميِّ فهو استشهادٌ باطلٌ تمامَ البطلان، وفهمٌ سقيمٌ للنصوص.. هذا القول افتراءٌ على ابن حجر؛ حيث اقتَطَعَ من كلامِه ما يَخدِمُ فكرتَه الضالَّةَ، ونظرتَه الخاطئةَ، وتغافل عمدًا عن القول الفصل الذي اعتمده ابنُ حجر وقرَّره وانتَصَر له؛ وهو ضرورةُ النُّطق بالشهادتين معًا.. والعجيب أنَّ هذا القائل تمسَّك برأيٍ شاذٍّ تطرَّق إليه ابن حجر فيما لا يزيد عن أربع كلماتٍ ثم أبطله في تحليل علمي دقيق استغرق العديدَ من الصفحات التي تدلُّ على هذا البطلان."

وختم الأزهر بيانه بـ "تحذير المسلمين جميعًا في مشارق الأرض ومغاربِها من الانسِياقِ إلى مثل هذه الأفكار الضالَّة المُنحرِفة" مؤكدا "البراءة من هذه الأفكار الشاذة (وضرورة) عدم الانخداع بها أو الالتفات إليها."

وفي أبريل 2023، قال الهلالي في حوار مع مجلة صباخ الخير، أنه لا يوجد نص صريح يمنـــع زواج المسلمة من غير المسلم، وأن والآية القرآنية «حمالة أوجه» ".

فتح باب الاجتهاد للعامة

الركيزة الثانية وتتمثل في فتح باب الإجتهاد للعامة وعدم الإلتزام بالفتاوى أو الآراء الفقهية التي تصدر من المؤسسات الدينية المعترف بها وهي الأزهر الشريف ومجمع البحوث الإسلامية ودار الإفتاء المصرية ووزارة الأوقاف المصرية، ويطالب بتحرير الإنسان مما يسميه «الوصاية الدينية» والتى تقف حائلا دون تجديد الفقه الإسلامى بما يتماشى مع طبيعة العصر.

 وهو بذلك يكون قد قوض من مكانة المؤسسة الدينية الأولى في مصر والعالم الإسلامي وطعن في علماءها وقلل من مكانتهم في المجتمع  وفتح الباب واسعا أمام شيوخ التطرف والتشدد وما يسمى بشيوخ السوشيال ميديا وغير المتخصصين، باستقطاب الشباب وتجنيده.

الهلالي يطالب بفتح باب الاجتهاد للعامة، رغم أن الاجتهاد له شروط وضوابط.

فقد أوضحت دار الإفتاء المصرية أن حكم الاجتهاد "فرض كفاية"؛ إذ لا بد للمسلمين من استخراج الأحكام لما يحدث من الأمور، وكشفت الدار عن الشروط التى يجب توافرها فى الاجتهاد فقد قال الإمام الشافعى فيما رواه عنه الخطيب: لا يحل لأحد أن يفتى فى دين الله، إلا رجلا عارفا بكتاب الله: بناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، وتأويله وتنزيله، ومكيه ومدنيه، وما أريد به، ويكون بعد ذلك بصيرا بحديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ويعرف من الحديث مثل ما عرف من القرآن، ويكون بصيرا باللغة، بصيرا بالشعر، وما يحتاج إليه للسنة والقرآن ويستعمل هذا مع الإنصاف، ويكون مشرفا على اختلاف أهل الأمصار، وتكون له قريحة بعد هذا، فإذا كان هكذا فله أن يتكلم ويفتى فى الحلال والحرام، وإذا لم يكن هكذا فليس له أن يفتى.

وتقول دار الإفتاء المصرية، عن العامي أو المقلد «أن الشريعة الإسلامية جاءت واسعةً شاملةً لأقوال الأئمة ومذاهبهم على اختلاف مشاربهم رضي الله عنهم، واختلافهم رحمةٌ بالمُكلَّفين، وموهبةٌ من مواهب الله تعالى لهذه الأمة المحمدية. وعلى ذلك فالأصل أنَّ العامي لا مذهبَ له، وله أن يُقلد ما شاء مِن أقوال المُجتهدين والأئمة المُعتبَرين مِن غير حَجْرٍ عليه في ذلك، ومذهبُه في ذلك مذهب مُفتيه». 

وأنا هنا اسأل الدكتور سعد الدين الهلالي: من أين سيأخذ المواطن العادي البسيط الذي لا يفقه من دينه سوى قراءة الفاتحة وسورة الإخلاص دينه؟، وهل يجوز للمواطن العادي أن يجتهد في الطب أو الهندسة؟، وما تفسيركم للأية القرآنية».

لا علاقة للفقه بالشريعة

الركيزة الثالثة: يعتبر الدكتور سعد الدين الهلالي أن الفقه اجتهاد بشري مختلف عليه ولا علاقة له بالشريعة ومن ثم يجوز للشخص المسلم أخذ ما يتوافق مع أهواءه وظروفه وترك ما لا يتوافق مع أهواءه وظروفه أو لا يأخذ به اطلاقا ويجتهد، وطالب بتغيير اسم علم الشريعة إلى اسم علم الفقه، موضحا أن الشريعة كلام الله أما الفقه فهو كلام البشر.

هذا الطرح لا خلاف عليه بين العلماء ولكن بضوابط، فقد أكَّد فضيلة الأستاذ الدكتور نظير عياد -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم- على أهمية إدراك الفرق بين الشريعة والفقه، معتبرًا أن الخلط بينهما من أخطر ما يواجه الفكر الإسلامي المعاصر، وأن هذا الخلط قد يؤدي إلى انحرافات فكرية ومنهجية، تتراوح بين الجمود والتطرف من جهة، والانفلات والتسيب من جهة أخرى.

وأوضح فضيلته في حديثه الرمضاني المُذاع على قناتي DMC والناس الفضائيتين، أن الشريعة هي المنهج الإلهي الذي أنزله الله لتنظيم حياة البشر، وتشمل العقائد، والعبادات، والمعاملات، والأخلاق، والتشريعات العامة التي تحقق مقاصد الدين الكبرى. وهي أحكام إلهية ثابتة مستمدة من الكتاب والسنة، لا تحتمل الاجتهاد أو التغيير، مثل وجوب الصلاة، وتحريم القتل بغير حق، وسائر الأحكام القطعية.

 أما الفقه، كما بيَّن المفتي، فهو علم يُعنى باستنباط الأحكام الشرعية العملية من الأدلة التفصيلية، ويعتمد على الاجتهاد البشري المنضبط بأصول علمية راسخة، مما يؤدي إلى تنوُّع في الآراء الفقهية واختلاف بين المذاهب، وهو اختلاف محمود، يعكس مرونة الفقه وقدرته على التفاعل مع متغيرات الزمان والمكان.

وأشار فضيلة المفتي إلى أن الفقه ليس منفصلًا عن الشريعة، بل هو فهم لها ومحاولة لتنزيلها على الواقع، موضحًا أن الشريعة معصومة لأنها من عند الله، أما الفقه فهو اجتهاد بشري غير معصوم، يخضع للتطوير والتجديد بما يحقق المقاصد الشرعية ويخدم مصالح الناس.

وحذَّر مفتي الجمهورية من نتائج غياب التمييز بين المفهومين، ومنها الجمود والتقليد الأعمى، والتسيب باسم التجديد، والتشدد ورفض الاجتهاد، مما يؤدي إلى تعطيل الفكر الإسلامي، ويُنتج خطابًا دينيًّا مشوَّهًا إما جامدًا أو متسيبًا، وكلاهما لا يعبر عن حقيقة الإسلام.

وأكد فضيلته أن الحاجة ملحَّة اليوم إلى تجديد الفقه في إطار الشريعة الغرَّاء، وهو ما دعا إليه العلماء قديمًا وحديثًا، مستشهدًا بقول الإمام الشاطبي: "الشريعة مبناها على تحقيق المصالح ودرء المفاسد، فما كان يحقق مصلحة الأمة فهو من الدين، ولو لم يرد فيه نص بعينه."

وختم فضيلة المفتي حديثه بالدعوة إلى التمسك بثوابت الشريعة، ودعم الفقه المستنير القادر على مواجهة مستجدات العصر، سائلًا الله تعالى أن يرزق الأمة نور البصيرة والفقه في الدين، وأن يهيئ لها من العلماء والمصلحين من يجدد أمر دينها ويحقق مقاصده في واقعها.

الإسلام وإنسانية الدولة 

الركيزة الرابعة: في عام 2012، أصدر الدكتور سعد الهلالي كتابه "الإسلام وإنسانية الدولة"، وجاء في مقدمته أن الكتاب في بيان العلاقة بين الدين والدولة، والتصدي لمشروع الإخوان المسلمين الذي يبشرون به من تطبيق الشريعة الإسلامية باسم الدين، ودعا الهلالي لإعادة قراءة الدين قراءة إنسانية، إذ إن الشارع قد "ترك للمسلمين فهم نصوصه بآليات إنسانية". 

وقد رد الدكتور على جمعة، مفتي الجمهورية السابق وعضو مجمع البحوث الإسلامية وهيئة كبار العلماء على كتاب الدكتور سعد الدين الهلالي، في تقرير تم نشره في مجلة الأزهر في عدد رجب 1434 هـ، مايو 2013، تحت عنوان «كتاب فيه عدوان على الشريعة الإسلامية».

وجاء في التقرير، أن الكتاب احتوى على مخالفات للجانب العقدي الذي يجب على كل مسلم أن يعتقده،  وفيه تعدٍّ على الشريعة الإسلامية، واحتوى على مخالفة لما قرره أهل العلم، ومغالطات ومخالفات لما قرره العلماء، واضطراب في الأفكار، وطعن صريح في ديانة الأمة جميعا، والقول بعلمانية الدولة، ونفى وجود المرجعية الإسلامية، واحتوى على مجازفات وهجوم شرس على علماء الأمة وخاصتها، وتعطيل بعض مقاصد الدين ووظائفه المتعلقة بأحكام المعاملات والجنايات والأقضية، والبحث عن بعض الأقول والآراء الشاذة والمهجورة وغير المعمول بها وتتبع الرخص.

الفرق بين السنة والمرويات الحديثية

الركيزة الخامسة: التفرقة بين السنة والحديث أو ما يسمية المرويات الحديثية، حيث أكد أن هناك الكثير من الأحاديث تتصادم مع السنة الصحيحة ومع الآيات القرأنية، مطالبا بتحقيق وتنقيح هذه الأحاديث، بحجة أن تدوين الأحاديث لم تتم في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن تم تدوينها بعد وفاته بفترة طويلة، مما فتح الباب أمام تدخل الأهواء فيها، وهو بذلك يطعن في سند ومتن الحديث، ومن ثم يقتح الباب واسعا أمام التشكيك والطعن في الأحاديث، رغم أن العلماء لم يفرقوا بين السنة وبين الأحاديث، فالحديث هو ما روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير، وهذا الحديث في حد ذاته هو السنة سواء كانت فعل أو قول أو تقرير، وبالتالي الحديث مرادف للسنة، كما أن العلماء قسموا الأحاديث إلى صحيح وحسن وضعيف، ووضعوها في سياقها الزمني والاجتماعي. 

كلمة أخيرة

الحقيقة أنني أتفق مع الدكتور سعد الدين الهلالي في الكثير من الأراء الفقهية، ومع تجديد الخطاب الديني، ومع إقامة الدولة المدنية الحديثة التي تقوم على المواطنة وحكم القانون، وضد التوظيف السياسي للدين، وضد جماعات التكفير والتشدد والإرهاب، وضد مصادرة الأراء المخالفة، وضد الوصاية الدينية، لكنني في نفس الوقت أنا رجل مسلم ولا أقبل الأراء الفقهية التي تمس ثوابت الدين وتسعى لهدمه أو النيل من علماءه ومن المؤسسة الدينية الوحيدة في العالم الإسلامي، وهي الأزهر الشريف، منارة الإسلام الوسطى المعتدل، فليس من المعقول ولا من المنطقي أن يكون رأي الدكتور سعد الدين الهلالي الذي يغرد وحيدا منفردا خارج السرب الأزهري هو الصحيح، والرأي الفقهي والشرعي للأزهر الشريف بكل مؤسساته، دار الافتاء المصرية ومجمع البحوث الاسلامية وكل العلماء الأجلاء الممثلين لهذه المؤسسات على خطأ.

كما أن الدفاع المستميت من قبل بعض المحسوبين على التيار العلماني المتطرف – ذو السمعة السيئة عند المسلمين والمتهمين بالتآمر على الدين والسعي لهدمه - عن أراء الدكتور سعد الدين الهلالي يثير الكثير من الأسئلة وعلامات الاستفهام، كما يثير الكثير من الريبة والشك في مشروع هذا الرجل؟.

أنا من المؤمنين تماما بأن الأزهر الشريف ومؤسساته، ودار الإفتاء المصرية، ووزارة الأوقاف المصرية، هي المرجعية الدينية الوحيدة للمسلمين في مصر وكل الدول الإسلامية، وأن أي مسلم يجب أن يأخذ دينه من هذه المؤسسات المعترف بها من قبل الدولة، لا سيما وأن الدستور المصري ينص في مادته السابعة على« أن الأزهر الشريف هيئة إسلامية علمية مستقله يختص دون غيره بالقيام على كافة شئونه وهو المرجع الاساسى فى العلوم الدينية والشئون الاسلامية ويتولى مسئوليه الدعوة ونشر علوم الدين واللغة العربية فى مصر والعالم، وتلتزم الدولة بتوفير الأعتمادات المالية الكافية لتحقيق أغراضة، وشيخ الأزهر مستقل غير قابل للعزل، وينظم القانون طريقة اختياره من بين أعضاء هيئة كبار العلماء».

وكما تقول وفاء فريد على موقع «الهيئة العامة للاستعلامات»: فلا يستطيع أحد أن ينكر على الازهر منارته الهادية ودوره القيادى فى نشرالفكر الإسلامى الوسطى السديد وهو المختص بالبعد الفقهى  فى إحياء علوم الدين وتجديدها طبقا لمذهب أهل الجماعة الذى يجمع بين العقل والنقل مع  كشف لقواعد التأويل المرعية للنصوص الشرعية، فالازهر الشريف قاد عبر مختلف العصور النضال المشروع ضد الاحتلال البغيض لمصر ومازال النبراس للحركات الوطنية الرائدة نحو نبذ العنف والفساد والإرهاب وظهر ذلك فى الوثيقة التى أصدرها الأزهرفى عام 2011 تعلن عن التمسك بالمبادئ الوطنيه والقيم العليا لثوره 25 يناير التى تضمنت حق الإنسان فى حياة كريمة وهى مقصد من مقاصد الشريعة فى جميع الأديان وحرية الإنسان فى ممارسة حقوقه الديمقراطية التى نص عليها الدستور وحق الانسان فى حفظ كرامته الانسانية والابتعاد عن كل الأساليب غير المشروعة في الاعتداء على النفس والعرض والمال وحماية الإنسان من استخدام القوة وإرهاب الآمنين، فكان الأزهر فى الفترات الصعبة يُعلمنا كيف نقابل الألم بالعزيمة والجراح بالصبر وكيفية تحقيق النصر بالإيمان بالله وبالعمل المخلص الجاد.

وقد أستنكر الأزهر العنف في أكثر من بيان له وما يؤدى به من الإخلال بأمن البلاد وتجريم حمل السلاح لاستخدامه ضد الآمنين العزل كما نادى بذلك عبر منابر دينيه تنشر الدين الوسطى والثقافة الدينية التى تحض على مكارم الاخلاق، فمهمة الازهر هداية البشر إلى طريق الرشد والتمسك بما انزلته شريعة الإسلام ونبذ العنف بكافه اشكاله وأنواعه فالأزهر مناره الفكر الدينى الوسطى، وقد حرص الدستور فى هذه المادة على ان يؤكد على الدور الدعوى الذى يضطلع به الازهر بالداخل والخارج من خلال منابره الشرعية ومن خلال مبعوثي الازهر بالخارج والرابطة العالمية لخريجى الازهر لتصحيح الفكر الغربى عن الاسلام من التشدد إلى الوسطية والاعتدال واليسر كما نادى الأزهر الشريف، ولما كانت حركات التطرف الأسلامى الاخيرة التى تبنتها تنظيمات دينية متشدده أساءت إلى الفكر الدينى الوسطى وعكست صورة سلبية لدى الغرب مخالفة عن الدين الاسلامى هب الأزهر ليحفظ الدين فقام بترجمه العديد من الكتب التى تعبر عن الوسطية لعدة  لغات أجنبية لمواجهة أى ترجمات متشدده  وفى نفس السياق قرر فضيلة الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف إطلاق أول محطة فضائية دينية تختص بالأزهر فى أبريل القادم ناطقة باربع لغات العربية والانجليزية والفرنسية والالمانية كمرجع إساسى للعلوم الدينية ونبراس لرمز الوسطية فى الدين الإسلامى.

إن الأزهر الشريف هو المؤسسه المعنية بنشر صحيح الدين الإسلامى، وجاء دستور مصر الجديد ليرسخ هذه الحقيقة وهذا الدور المتواصل للأزهر الشريف.

وأذكر ما قاله الرئيس عبد الفتاح السيسي عن الأزهر الشريف، حيث أكد الرئيس أن الأزهر منارة للفكر الإسلامي المعتدل.

وأثنى الرئيس السيسي، على ما يقوم به الأزهر الشريف من دور هام كمنارة للفكر الإسلامي المعتدل، وفي نشر الأفكار والتعاليم الدينية الصحيحة لمواجهة الأفكار الدينية المتطرفة، وتجفيف المنابع الفكرية للإرهاب والتطرف.