رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

علي الهواري يكتب: ياسر عبد الفتاح سعيد وجريمة «الشرف وغسل العار»

علي الهواري يكتب:
علي الهواري يكتب: ياسر عبد الفتاح وجريمة «الشرف وغسل العار

قضت محكمة أمريكية بالسجن مدى الحياة على شخص مصري الجنسية يُدعى ياسر عبدالفتاح سعيد، بتهمة قتل ابنتيه، حيث أكد محاميه برادلي لولار في تصريحات لشبكة CNN أنه يخطط للاستئناف على الحكم.

وقال المحامي: «نشعر بخيبة أمل من الحكم، لكننا نقبله»، مضيفا: «نحن نخطط للاستئناف. كانت هذه قضية بلا شهود، ولا أدلة مادية من أي نوع، ولا أشرطة فيديو للمراقبة، ولا اعتراف، على العكس من ذلك، فقد تمسك موكلنا دائمًا ببراءته من الجريمة».

وتابع: «سرعان ما وصف مكتب التحقيقات الفيدرالي الواقعة بأنها جريمة شرف، لمجرد أن المتهم رجل مسلم، وهو الوصف الذي تراجعت عنه شرطة إيرفينغ ومكتب التحقيقات الفيدرالي فيما بعد.،نشعر أن هذا كان ممارسة عنصرية خالصة، ودلالة على المشاعر تجاه الرجال المسلمين في ذلك الوقت وربما الآن. من الواضح أن هذا هو نوع القضية التي تقلقنا بشدة».

فيما صرح جون كروزوت المدعي العام لدالاس بولاية تكساس أنه: «لا يوجد شيء مشرف بشأن ما فعله ياسر سعيد في الأول من يناير 2008. فقد أوضحت مقاطعة دالاس للسيد سعيد أنه لا يوجد أي عذر لقتل إنسان آخر. وعليه الآن أن يقضي بقية أيامه محبوسًا في زنزانة». وأضاف: «في حين أن هذا الحكم لا يعيد سارة وأمينة، فإن مكتبي وهيئة المحلفين هذه قاما بكل ما في وسعنا لنرى أن العدالة تتحقق».

وأفاد بيان صادر عن مكتب التحقيقات الفيدرالي في دالاس، بأن السلطات تمكنت من القبض على سعيد المتهم بقتل ابنتيه المراهقتين، أمينة وسارة، حيث تم احتجازه في مدينة جاستن بولاية تكساس وإيداعه في الحجز الفيدرالي، تمهيدا لنقله قريبا إلى مقاطعة دالاس.

وقال ماثيو ديسارنو، وكيل مكتب التحقيقات الفيدرالي في دالاس إن "القبض على سعيد يقربنا خطوة من تحقيق العدالة لأمينة وسارة"، موجها الشكر إلى رجال إنفاذ القانون قسم شرطة إيرفينج على العمل مع "إف بي آي" من أجل اعتقال هذا الشخص الخطير.

من جهته، قال رئيس شرطة إيرفينج جيف سبيفي: "بعد 12 عاما من الإحباط والطرق المسدودة، لم نتوقف عن مطاردة القاتل أبدا"، مضيفا أن "اعتقال ياسر يقربنا من ضمان تحقيق العدالة للفتاتين".

تفاصيل وقائع القضية

وتعود وقائع القضية إلى ليلة رأس السنة عام 2008، حينما اصطحب سعيد ابنتيه أمينة «18 عاما» وسارة «17 عاما» في رحلة بسيارته أجرة "تاكسي" بحجة تناول الطعام، حيث ذهب بهما إلى مدينة إيرفينج بولاية تكساس وأطلق عليهما الرصاص.

وقبل أن تلفظ ابنته سارة أنفاسها الأخيرة، تمكنت من إجراء اتصال بهاتف الطوارئ للاستغاثة، لكن الشرطة وصلت بعدما فارقت الفتاتان الحياة، وهرب والدهما.

وقد عثر على الشقيقتين مقتولتين في سيارة أجرة بالقرب من فندق في مدينة دالاس يوم رأس السنة الجديدة، بقيت سارة لمدة على قيد الحياة فاتصلت بخدمة الطوارئ وأبلغت أن والدها أطلق عليها النار وأنها تحتضر، لكنها فارقت الحياة مع شقيقتها قبل وصول الشرطة.

وكتب سعيد رسالة إلى القاضي قبل المحاكمة قال فيها إنه غير راض عن «مواعدة» ابنتيه لرجلين، ونفى قتلهما.. إلا أن المحكمة أدانته بالقتل العمد، وقضت بسجنه فيما لم يطلب الادعاء تطبيق عقوبة الإعدام.

وكشف موقع "سي بي إس" نيوز أن السبب الحقيقي وراء قيام المواطن المصري ياسر عبد الفتاح سعيد أو ياسر عبد السيد بقتل ابنتيه منذ 12 عاما هو موعد غرامي.

وأوضح الموقع أن أحد أفراد الأسرة قال للشرطة، إن المشتبه به كان قد هدد ابنته سارة بـ "الأذى الجسدي" بسبب ذهابها إلى موعد غرامي مع شخص غير مسلم.

وأشارت جايل جاتريل، عمة والدة البنتين، إلى أن الحادث "جريمة شرف" على حد قولها.

وأوضح الموقع أن ياسر عبد السيد متهم بإطلاق النار على بنتيه داخل سيارة الأجرة الخاصة به. وفتحت السلطات تحقيقا في جريمة قتل في الأول من يناير  2008 بعد العثور على الفتاتين أمينة وسارة مقتولتين بالرصاص.

ويعد ياسر عبدالفتاح، المتهم رقم 504 الذي يتم وضعه على قائمة مكتب التحقيقات الفيدرالي لأخطر 10 مطلوبين هاربين، والتي تم إنشاؤها في مارس 1950.

جرائم الشرف وغسل العار

هذه الحادثة أعادت فتح ملف «جرائم الشرف»، حيث كشفت دراسات مصرية حديثة عن ارتفاع معدل الجرائم بشكل لافت خلال الفترة الأخيرة، التي جعلت مصر تحتل المركز الثالث عربيا والـ24 عالميا في جرائم القتل، حسب تصنيف "ناميبو" لقياس معدلات الجرائم بين الدول.

وكشفت دراسة صادرة عن جامعة عين شمس، أن جرائم القتل العائلي وحدها باتت تشكل نسبة الربع إلى الثلث في إجمالي جرائم القتل، فيما أكدت دراسة أخرى للمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، أن نسبة 92% من هذه الجرائم تُرتكب بدافع العرض والشرف، فضلا عن العوامل الاقتصادية التي أصبحت من بين أبرز أسباب تضاعف معدلات القتل العائلي.

وحسب الكثير من الدراسات، أصبحت "جرائم الشرف"، التي يتورط فيها الآباء والأشقاء والأزواج والأقارب بحق بناتهم وأخواتهم وزوجاتهم، تحصد أرواح آلاف الأبرياء، حتى أن تلك النوعية من الجرائم لم تتفش في مصر فقط، بل في الدول العربية والعالم أيضا.

ويشير تقرير أعدته الأمم المتحدة العام الماضي، إلى أنه يقع سنويًا حوالي 5 آلاف شخص، ضحايا لـ "جرائم الشرف"، أغلبهم من الإناث، في المجتمعات التي تعيش وفق العادات والتقاليد المحافظة، فيُقتلن خنقا أو حرقا أو رجما أو طعنا.

وأوضح التقرير أن جرائم الشرف أصبحت معركة دموية في بلدان كثيرة، مثل باكستان، أفغانستان، الهند، إسرائيل، إيطاليا، الأردن، اليمن، تركيا، السويد، العراق، المغرب، ومصر، الأمر الذي يدفع المنظمات الحقوقية والدولية للمطالبة بتشديد العقوبات على هذا النوع من الجرائم.

أما في مصر، فقد كشفت إحصائية المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، الجرائم الأسرية التي تندرج معظمها تحت مسمى "جرائم الشرف"، يرتكبها الأزواج أو الآباء أو الأشقاء بدافع الغيرة على "الشرف وغسل العار".

وأكد التقرير أن 70% من جرائم الشرف ارتكبها الأزواج ضد زوجاتهم، و20% ارتكبها الأشقاء ضد شقيقاتهم، بينما ارتكب الآباء 7% فقط من هذه الجرائم ضد بناتهم، أما نسبة الـ3% الباقية من جرائم الشرف، فقد ارتكبها الأبناء ضد أمهاتهم، في وقت تراوح عدد ضحايا جرائم الشرف من 900 لـ2000 جريمة سنويًا.

يقول الدكتور جمال فرويز، أستاذ الطب النفسي، إن جرائم الشرف تتعلق بقيم متوارثة وتعود أيضًا لشخصية الجاني، وعادة ما تكون الضحية فيها أنثى، موضحًا أن الأب أو الزوج أو الأخ يعتبر أن الأفعال المخلة للأنثى في أسرته أو الأخطاء الأخلاقية (حتى لو مجرد شكوك)، إهانة له وتقليل من قيمته واسم عائلته في المجتمع، فيصبح لا يستطيع السير في وسط الناس أو النظر في أعينهم، وبالتالي يكون عليه التخلص منها للانتهاء من هذا العبء النفسي.

وأرجع فرويز، معظم جرائم الشرف، إلى اضطراب الشخصية للجناة، وخاصة من أصحاب الشخصيات التشككية أو مرضى الاضطراب التشككي أو الانفصام التشككي، موضحًا أن الشخصية التشككية تسمى في علم النفس بـ "النرجسية"، وهي شخصية لديها ثقة عالية في الذات ولا يوجد لديها ثقة في الآخرين مهما كانوا، فدائمًا تنظر بنظرة الشك والريبة في كل تصرفاتهم وأفعالهم.

وأضاف أن الاضطراب التشككي ما هو إلا مرض تكون لدى المريض فكرة خاطئة مسيطرة على تفكيره كالخيانة، وبمجرد أن تجتمع بهلاوس سمعية أو بصرية أو حسية تتحول لفصام تشككي، وهو ما يقوده لارتكاب الحماقات والجرائم، مؤكدًا أن ارتكاب الجناة للجرائم يتزايد مع تعاطي المخدرات.

وتابع أن هناك شخصيات مضادة للمجتمع، لديها اضطرابات شخصية وسلوكية، وتدخل مشاكلها في حياتها الطبيعية، مضيفًا: "زي الزوج الخائن، لما الست اللي بيخون مراته معاها تقوله أنا بعمل كذا أو كذا علشان أهرب من جوزي، لو جت مراته قالتله إنها بتعمل نفس الحاجة، يشك فيها ويظن إنها خاينة".

وعن الضوابط القانونية التي يندرج تحتها "جرائم الشرف"، يقول الدكتور نبيل سالم، أستاذ القانون الجنائي بجامعة عين شمس، إنه لا يوجد نص قانوني عن عقوبة جرائم القتل بدافع الشرف، موضحًا أن قانون العقوبات لا يعتد سوى بنوعين من الجرائم، هما الاعتداء على الأشخاص، والاعتداء على الأموال.

وأوضح سالم أن جرائم الشرف ليس لها وجود في قانون العقوبات، وأن الجرائم الوحيدة التي ترتبط به، هي التي تصنف ضمن جرائم الاعتداء على الأشخاص، وتقع مساسًا بالأعراض والأخلاق بشكل أو بآخر، ويكون دوافعها متعلقة بشرف الإنسان، أي باحترام الناس له، فالشرف يكون مجرد دافع فقط لا تدخل ضمن أركان الجرائم التي يعتد بها قانون العقوبات.

وأضاف أستاذ القانون، أن العقوبات الجنائية في مصر موحدة، لكن تراعي الحكومة دوافع القتل، التي تصنف ضمن حدود السلطة التقديرية للمحكمة في تقدير العقوبة، فيمكن أن يستخدم القاضي الحد الأدنى من العقوبة؛ مراعاة للدافع وهو الحفاظ على الشرف أحيانا.

وأكد أن دوافع الشرف أو غيرها مجرد دوافع وبواعث لا تعلو أو تسمو فوق حق الإنسان في الحياة، موضحًا أن عقوبة القتل تكون بالسجن المشدد، وتصل إلى الإعدام، وفي حالة ارتكابها بدافع الشرف وإثبات ذلك، من المرجح أن تخفف المحكمة العقوبة، التي من الممكن أن تصل إلى 3 سنوات.

ويقول اللواء نبيل حسن، أستاذ القانون الجنائي بأكاديمية الشرطة، إن جريمة القتل العمد، تقع حينما يزهق إنسان روح إنسان آخر حي؛ وتقسم جريمة القتل العمد في العلوم الجنائية إلى ثلاثة أقسام، القتل مشدد العقوبة، والذي تصل عقوبته إلى الإعدام؛ والقتل العمد البسيط، وتكون عقوبته بالسجن المشدد، والقتل مخفف العقوبة، ويعامل كجنحة تتراوح عقوبتها بين الحبس 24 ساعة، وثلاث سنوات.

وأوضح أستاذ القانون الجنائي، أن الحالة الأولي، الخاصة بالعقوبة المشددة، يجب أن ترتبط جريمة القتل بسبق الإصرار والترصد، أي أنه يسبقها تخطيط وتجهيز، ونية مسبقة للقتل، مثل حالات القتل بالسم، أو القتل المرتبط بجناية، مثل القتل المقترن بالسرقة، أو القتل المقترن بجنحة، أو قتل جريح الحرب، طبقا للمعاهدات الدولية؛ وهنا تشدد عقوبة القتل وتصل للإعدام.

وتابع اللواء نبيل حسن، أن جرائم القتل البسيط، تعني بمعالجة جرائم القتل العارضة التي لا يسبقها تخطيط، والتي يقع معظمها في المشاجرات؛ وينقسم القتل البسيط إلى حالتين، أولاهما أن يعمد الشخص إلى قتل غريمه في المشاجرة، وفي تلك الحالة تنسب للقاتل جريمة القتل العمد، أما الثانية هي أن يتعدى الشخص بالضرب على غريمه فيزهق روحه دون وجود نية لذلك، وهنا تكيف الجريمة على أنها ضرب أفضى إلى موت.

أما جريمة القتل مخفف العقوبة، طبقا لأستاذ القانون الجنائي، هو حالة دخول الزوج على زوجته فجأة، ويجدها في وضع مخل أو في حالة زنا، فيقتلها هي ومن يزني بها؛ وهنا تعامل الجريمة كجنحة لكن بشروط، أولها أن العذر في تلك الحالة يسمى "عذرا شخصيا" يستفيد به الزوج فقط، لوجود عنصر الاستفزاز لديه دون غيره، ولا يستفيد بذلك العذر لا أخ ولا أب ولا عم، ولا غيرهم؛ أما الشرط الثاني فهو عنصر المفاجأة، بمعنى أنه لا يمكن للزوج أن يجهز لجريمته أو يعد كمينا لزوجته كي يضبطها في تلك لحالة، حينها لا يستفيد من التخفيف، ويعد قتلا عمديا.

وأضاف الأستاذ بأكاديمية الشرطة أنه يجب التفريق بين علم الزوج بسلوك زوجته وأن يعد لها كمينا لضبطها، وبين أنه يشك في سلوكها، وعاد في أي وقت فوجدها في وضع زنا، فإنه يستفيد في الحالة الثانية من الحكم المخفف، نظرا لتعرضه للاستفزاز.

وبين اللواء نبيل حسن، أنه بالنسبة للزوجة وعشيقها، يجوز لهما استخدام حق الدفاع الشرعي ضد الزوج، بمعنى أنه لو تمكن العشيق أو الزوجة من قتل الزوج أثناء محاولته قتلهما، فإنه يستفيد بالظرف المخفف فتعامل كجنحة، وقد يحصل على براءة من جريمة القتل، لأنه يدافع عن حياته؛ لكن يجب أن يكون الجريمة سببها وجوده في وضع لا يمكن الخروج من إلا بارتكابه تلك الجريمة، لأنه توافر نوع من الخطر المحدق الذي لا يمكن الخلاص منه سوى بتلك الطريقة.

وأشار اللواء نبيل حسن إلى أن الرأي الفقهي في مصر، مستقر لضرورة استمرار تطبيق عذر الاستفزاز للزوج، في حالات جرائم الشرف، نظرا لأهمية تلك النصوص في فرض الردع العام، بحيث تحد من انتشار الرذيلة في المجتمع، والردع الخاص، والتي تدفع كل شخص وكل زوجة في التفكير في تداعيات جريمة الزنا قبل ارتكابها؛ وبالتالي لا يمكن تعميم تجارب دول في معاملة جرائم الشرف كجرائم القتل العمد.

وتنص المادة 237 من قانون العقوبات على: "من فاجأ زوجته حال تلبسها بالزنا وقتلها فى الحال هى ومن يزنى بها يعاقب بالحبس بدلا من العقوبات المقررة فى المادتين 234 و236"، موضحًا أى أن الزوج إذا ضبط زوجته مع عشيقها يستفيد من التخفيف فى العقوبة، حيث قد تصل عقوبته إلى الحبس من سنة إلى 3 سنوات، وتعد هذه المادة هى الوحيدة التى تنص على عقوبة مخففة فى جريمة القتل.

كما أنه فى حالة إثبات الزوج لخيانة زوجته مع عشيقها يثبت من خلال تواجدهما معا فى شقة الزوجية مع وجود بعض المظاهر التى تدل على علاقتهما غير المشروعة، حتى لو لم يتم ضبطهما فى وضع مخل فى حالة تلبس، مؤكدًا أن الزوج إذا ضبط زوجته فى وضع مخل مع عشيقها وتم التحفظ عليهما وإبلاغ أجهزة الأمن، فإن العقوبة التى توجه للزوجة وعشيقها هى الزنا وعقوبتها الحبس 3 سنوات، ويحق للزوج التصالح والتنازل حتى لو صدر حكم نهائى فى القضية.

بالإضافة إلى أن الزوج لا يحق أن يقيم دعوى زنا ضد زوجته إذا سبق وأن ضبطته متلبسا يخونها، وأقامت ضده دعوى زنا، أو حررت محضرا بالواقعة ما دام أثبتت الأمر قانونا.

وقالت الدكتورة علياء شكري، أستاذة علم الاجتماع والعميد الأسبق لكلية البنات جامعة عين شمس بمصر، إن "مشكلة جرائم الشرف المتعلقة بالمرأة وبشكل خاص في المجتمعات الشرقية والعربية تكمن في عمليات التمييز بين الرجل والمرأة، واعتبار الرجل هو المسؤول الأول والأخير في القيام بتلك المهمة، وهذا أمر غير منطقي، فلا وصاية من إنسان على إنسان آخر، والمرأة هى المسؤول عن صيانة نفسها".

وأضافت إن "القوانين ليست هى الحل في مثل تلك القضايا المتوارثة، جرائم الشرف هي قضية اجتماعية في المقام الأول تتعلق بالثقافة المجتمعية، لذا علينا العمل على تغيير تلك الثقافة أولا، لأن من يطبق القوانين في الكثير من الأحيان تربوا في ظل تلك الثقافة المجتمعية التي تجاهلت المرأة وحقوقها لصالح الثقافة الذكورية".

من جانبها قالت عضو مؤسسة "المرأة الجديدة" والناشطة الحقوقية والنسوية في مصر، آمال عبد الهادي، إن "جرائم الشرف هي قضايا قتل تصدر فيها أحكام مخففة لصالح الرجل بدعوى أنه أرتكبها بدافع الشرف، في حين أن المرأة تأخذ عقوبات مغلظة إذا قامت بارتكاب جريمة مماثلة ضد الرجل وهذا تمييز، فإما أن يحاسب الطرفان الرجل والمرأة بالعذر المخفف نتيجة فقد الأعصاب، أو لا يطبق العذر المخفف في العقوبة على الطرفان، أما تطبيق العذر على طرف دون الآخر فهذا تمييز غير مقبول".

وأضافت: "جريمة الشرف ليست هي الجريمة الوحيدة في المجتمعات، وليست موجودة في المجتمع الشرقي فقط، هناك جرائم شرف في المجتمعات الغربية، لكنها تطرح بشكل مختلف، موضوع جرائم الشرف يؤلمني جدا لأن الأمر يطرح كما لو كانت جرائم الشرف التي تلصق بالمرأة هي خاصة أو المعني بتنفيذ العقوبة فيها "الرجال فقط"، وأن المرأة ليس لها أي دور في وجه من يريد الاعتداء على شرفها".

وتابعت: "في الحقيقة أن الأعذار المخففة في القانون ليست خاصة بجرائم الشرف فقط، بل تسرى على الكثير من الجرائم، فلو قام شخص باغتصاب إمرأة ثم قرر أن يتزوجها فمن الممكن أن يعفى من العقاب المقرر لتلك الجريمة والذي قد يصل إلى الإعدام، ولو قام خمسة أشخاص باغتصاب إمرأة يتم إعفائهم جميعا من العقوبة إذا تزوجها أحدهم، المسالة هنا تكمن في "من هو الشخص الذي يقرر العفو من عدمه"، وهذا قصور في التشريع، فمثلا البنت التي يتم اغتصابها وتضطر للزواج من هذا المغتصب وتعيش معه فترة طويلة لأن بعض الحالات يكون غير مسموح فيها بالطلاق قبل 3 سنوات، هل يمكن تصور هذا الشىء المهين لكرامة هذا الإنسان "المرأة"، فلا يقتصر الأمر على أن الفتاة تعرضت للإعتداء، لكنها تجبر على البقاء مع المعتدي، كما أن الأهل يمارسوا في أحيان كثيرة ضغوط على الضحية للبقاء في هذا الرباط المهين حفاظا على شرف العائلة، متغافلين عن معاناة تلك الفتاة التي تعرضت لجريمة الاغتصاب والتي تظل معها لسنوات طويلة".

وأشارت عضو مؤسسة المرأة الجديدة إلى أن "القوانين تحتاج إلى مراجعة شديدة جدا، فنحن الآن في القرن الواحد والعشرين فمتى تتعدل القوانين، وطالما هناك تمييز بحق النساء والتعامل معهم باعتبارهم كائن أدنى سوف يظل العنف بشتى أنواعه ضد المرأة، فلك أن تتخيل أن امرأة مطلقة ولها أولاد تقوم بتربيتهم وتحاول الحصول على نفقتهم من والدهم عن طريق المحاكم وقد لا تحصل عليها لسنوات ثم يكبر أحد الأبناء وتريد نقله من مرحلة تعليمية إلى أخرى يطلب منها أن تحضر ولي الأمر وكأنها غير موجودة، فأي نوع من الظلم هذا، ألا يصلح من قام بالتربية في ظل تهرب الرجل من مسؤولياته أن تكون ولي أمر لإبنها، وهناك مثال آخر امرأة تعمل لتعول أولادها بعد أن طلقت، ولديها ابن أكبر رسب ثلاث سنوات في المرحلة الثانوية فأرادت تحويله إلى التعليم الفني فرفض الأب الذي لا يقوم بدفع أي نفقات".

الشرع وحكم القتل من أجل الشرف

وعن الحكم الشرعي لجرائم الشرف، يقول الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، إن القتل في جرائم الشرف جريمة في الشرع والقانون ويتعين على المتضرر من هذا الفعل الشنيع اللجوء للقضاء لا القتل.

وأضاف «علام» في فتوى سابقة له، أن الشرع الحنيف وضع تعريفًا دقيقًا منضبطًا لجرائم الشرف جعل له صورة محددة لا تلتبس بغيرها من الصور نظرًا للخطر العظيم لهذه الجريمة وما يتبعها من آثار، لذا احتاط الشرع احتياطًا شديدًا في إثباتها، ووضع شروطًا دقيقة لترتيب العقوبة عليها، ولم يثبتها إلا بأحد أمرين، أولهما الاعتراف وهو الإقرار من الفاعل بأنه ارتكب الجريمة، والثاني هو البينة، أن يشهد 4 شهود بأنهم قد رأوا حدوث الفعل، وبدون هذين الطريقين لا يعول على إثبات جريمة الزنا، وهذا ما اتفق عليه جمهور العلماء.