رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

على الهواري يكتب: فراش المرأة والفتاوي منتهية الصلاحية

على الهواري يكتب:
على الهواري يكتب: فراش المرأة والفتاوي منتهية الصلاحية

الفترة الأخيرة استدعى عددا من العلماء والمفكرين المصريين بعض الفتاوي القديمة التي تم الرجوع عنها أو تغييرها مثل، تحريم الطباعة والقهوة والوضوء من ماء الحنفية أو الصنبور، وتحريم صوت المرأة باعتباره عورة، وتحريم عمل المرأة وخروجها من المنزل، وكذلك تحريم الطماطم وأنها مؤخرة للشيطان، وتكفير قراءة الصحف والمجلات وركوب الدراجة الهوائية، وكذلك تحريم الراديو والتليفزيون والدش باعتبارهم وسائل شيطانة، وتحريم تطعيم شلل الأطفال لأنه يقطع النسل، وغيرها من الفتاوي التي تم الرجوع عنها أو تغييرها.

 فهل هي محاولة لتشويه صورة العلماء والفقهاء والطعن في الفقه والتراث، تمهيدا لتغيير بعض الفتاوي والأحكام الفقهية التي يرفض الأزهر الشريف تغييرها أو الاقتراب منها مثل، الحجاب والمواريث والزواج الشفوي وتعدد الزوجات والقوامة وغيرها من الأحكام والفتاوي المثيرة للجدل في الفترة الأخيرة، كما يزعم البعض؟.

وهل التراجع عن بعض الفتاوى وتغييرها يقلل من قيمة العلماء والشيوخ الذين أفتوى بها عبر التاريخ الإسلامي؟.

الفتاوي منتهية الصلاحية 

قال الدكتور سعد الدين الهلالي، عدد من الفتاوى الخاصة بالمرأة، مؤكدا أن هناك إجماعات فقهية وفتاوى شائعة أنتهت صلاحيتها بالنسبة للمرأة ومنها: صوت المرأة عورة، وعمل المرأة وتعليمها وقرارها في البيت، وولاية المرأة.. الإدارة والقضاء، وخروج المرأة دون إذن الزوج، خضوع المرأة للفراش بأمر الزوج، النقاب.

وأكد أستاذ الفقه المقارن بالأزهر الشريف، أن عمل المرأة كان مُحرمًا في الماضي لكنه أصبح الآن شرف، مشيرا إلى أن الشيخ محمد الغزالي أعد كتابًا بعنوان «من هنا نعلم»، يرد فيه على خالد محمد خالد عام 1951 الذي كتب كتابًا بعنوان «من هُنا نبدأ».

وأردف الهلالي: «الشيخ الغزالي قال في كتابه كيف نصبح كالغرب والمرأة تخرج للعمل والدواوين الحكومية تصبح فاسدة وينتشر الانحراف، فعاش وكتب الكتاب وظلوا يرددوا لهذه المعلومة لمدة 36 سنة اللي أنا وجيلنا عشنا ضحية هذه الفتوى التي تقول إن عمل المرأة حرام».

وأضاف الدكتور الهلالي: أن الشيخ الغزالي عام 1986، قال إنه ندم وتاب إلى الله وكانت الفتوى خاطئة وكل الأحاديث التي وجهها بشأن عمل المرأة حرام، هي نفسها التي أوجهها إن عمل المرأة شرف». 

وبالحديث عن فتاوى المرأة منتهية الصلاحية، قال الدكتور سعد الدين الهلالي، إن ولاية المرأة للإدارة والأمور العامة والقضاء ممنوعة بما فيها مجلس الدولة من الإجماعات الفقهية والفتاوي الشائعة التي انتهت صلاحيتها، فالمرأة أثبتت الآن وجودها في كل فروع القضاء دون غضاضة.

وأضاف الهلالي، أنه من الإجماعات الفقهية والفتاوى الشائعة التي انتهت صلاحيتها هي خروج المرأة دون إذن الزوج، فكانت تعتبر في الماضي جريمة الجرائم، ولكن الآن ترك الأمر للعرف، متابعا: «المرأة تعرف تتعاشر وتعيش مع زوجها، لكن الخطاب الديني زمان كله إن خروج المرأة دون إذن تلعنها الملائكة إلى أن تعود».

وأوضح أستاذ الفقه المقارن، أن خضوع المرأة للفراش بأمر الزوج ترك للعرف أيضا، وكان الخطاب الديني في الماضي يشير إلى أن الملائكة تلعن المرأة التي لا تخضع للفراش بأمر زوجها حتى تستيقظ، متابعا: «الزوجين دلوقتي بيعرفوا يدبروا أمورهم، ويجب على الفتاوى أن ترفع أيديها عن حياة الزوجين».

ونوه الدكتور سعد الدين الهلالي، بأنه كانت هناك فتوى إن صوت المرأة عورة، مضيفًا: أمهاتنا وجدتاتنا عاشوا وماتوا في هذا الوهم، والنهاردة صوت المرأة وصوت الرجل واحد.

وأكد أستاذ الفقه المقارن، أن هناك فتاوى عشناها تابعة للعرف، ومع تحرك الإنسان والعرف فالفتاوى تتحرك والدنيا اتغيرت، مشيرًا إلى أنه قسم هذه الفتاوى لقسمين، قسم للمرأة وقسم للرجل.

هكذا كان الإسلام ببلادنا

لم يقف الأمر عند الدكتور سعد الدين الهلالي، بل أن المستشار والمفكر احمد عبده ماهر، الباحث الإسلامي والمحامي بالنقض،قال في منشور له على الفيس بوك « فأنتم تعلمون بأن الأزاهرة قاموا بتحريم التصوير والغناء وفن النحت والتأمين على الحياة واعمال البنوك بل وقام الأئمة الأربعة بتحريم خروج المرأة من بيتها إلا لضرورة وصار نتف شعرة من حاجبيها موجبا لإنزال اللعنة بها وكان من الزنا تعطرها ليجد الرجال رائحتها.

فهكذا كان الإسلام ببلادنا، وإليك بعض من قتاوى الازهر لتعلم كم يتغير الحلال والحرام بمعرفة ومزاج الشيوخ وذلك فيما يلي: عام 1515 صدرت فتوى الازهر بتحريم الطباعة، وعام 1572صدرت فتوى الازهر بمنع استعمال القهوة والجهر بشربها، وعام 1877 رفض الأزهر تجريم تجارة الرق في مصر، وعام 1884 صدرت فتوى الازهر بأن مياه الصنابير بدعة صريحة ولا تصلح للوضوء أو الطهارة، وعام 1930 رفض الأزهر حق المرأة في التعليم الجامعي«طبعا لمنع الإختلاط»، وعام 1952 رفض الأزهر حق المرأة في الترشح للانتخابات البرلمانية وتولي المناصب القضائية، وعام 1996 رفض الازهر تجريم ختان الاناث باعتباره سنة اسلامية وعفة وطهارة ومكرمة للمرأة، وعام 2000 رفض مفتي الديار المصرية التوقيع علي قانون الخلع.

لو كنا صدقناهم ما شربنا القهوة ولا فتحنا الحنفية

أما الدكتور خالد منتصرا فكتب مقالا في صحيفة الوطن بعنوان« لو كنا صدقناهم ما شربنا القهوة ولا فتحنا الحنفية ولا قرأنا الجريدة!»، قال فيه: حضرتك الآن تتابع وتقرأ فى جريدة «الوطن» معركة الطلاق الشفوى ومقتنع تمامًا بفرمان أو قرار هيئة كبار العلماء، لأننا يجب أن نمتثل لآراء علمائنا الأجلاء، ولك كل الحق والحرية، أثناء قراءة الجريدة ومن قبلها المصحف الشريف لأخذ البركة والعظة، ترتشف من فنجان القهوة وتتأمل كلام وكتابات المنتقدين، وتندهش كيف يفكر هؤلاء المرجفون العلمانيون «الوحشين» فى التشكيك أو مجرد التفكير فى مناقشة هيئة كبار العلماء، وتصرخ: خسئتم، أين أنتم يا أقزام من تلك الهيئة الموقرة؟!، وبالطبع غسلت وجهك قبلها من الحنفية أو الصنبور لكى تنتعش وتستطيع استيعاب جنون هؤلاء المنتقدين للهيئة الجليلة، لكن هناك معلومة بسيطة أريد توصيلها إلى سيادتك، وهى أنه لولا الاعتراض على هؤلاء الفقهاء، ومثل هذه الهيئات ما كنت معاليك قد قرأت الجريدة المطبوعة أصلًا، ومعها المصحف، ولا كنت قد شربت القهوة، ولا كنت أيضًا قد استخدمت الحنفية، فقد كان مصيرك وما ينتظرك هو قراءة الورق المنسوخ بالريشة، وانتظار عدد فبراير من «الوطن» فى ديسمبر، لقراءته بعد أن ينتهى منه النساخ!، وبالطبع لن تلمس القهوة شفتيك، لأن المطوعين لو ضبطوك متلبسًا بوضعها فى النملية سيجلدونك فى ميدان عام!، أما الحنفية فهى الكفر بعينه وعليك انتظار السقا بقربته الشهيرة المحمولة على ظهره وإلا تم تعليقك على باب زويلة بتهمة عدم احترام رأى كبار العلماء والفقهاء الشافعية والمالكية والحنابلة!!، والسؤال: لماذا لو كنا مشينا «ورا كلامهم» لكان هذا مصيرنا؟!، هذه هى حكايات تحريم القهوة وتحريم الطباعة وتحريم الحنفية، وأنتم تعرفون مدى النشوة التى تحملها كلمة حرام عندما يتلفظ بها دليلك ومرشدك ونموذجك الأثير ونجمك المفضل.

 وختم مقاله بالقول:« المعركة قديمة يا سادة، والدولة المدنية كانت ولادتها متعثّرة وعسيرة فى مصر التى عانت من حمى النفاس التزمتى!، لكن السؤال لماذا صارت المعركة أشرس؟!، الإجابة لأن البيزنس أصبح أكبر وأضخم، لذلك لن يتم التنازل عنه بسهولة، لا تصدقوا أن المعركة أساسها الدفاع عن الدين، أساسها وعمود خيمتها هو الدفاع عن المصلحة، فمثلما كان النساخون والسقاءون يعضون بالنواجذ على المكاسب، الآن أحفادهم يعضون على الكراسى والمناصب والقصور والفوز بأى فوز ورحلات الحج والإعارات والمنح والعطايا والأبهة والحصانة بالنواجذ والأظافر، بل المصارين!!».

كاوتش عربية

وقال الشاعر جمال بخيت، ردًا على ما قاله فضيلة شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب للدكتور محمد عثمان الخشت رئيس جامعة القاهرة عن تأخر الجامعات المصرية عن مثيلتها بالعالم، وأنها مازالت لا تستطيع صنع "كاوتش" سيارة، "عارف فضيلتك إحنا ليه ما بنصنعش "كاوتش عربية"، لأن الأجداد في المؤسسة الدينية كانوا في خدمة الاحتلال العثماني الذي فرض علينا التخلف.. ومن كانوا في دولة الخلافة العثمانية.

وأضاف: مر ما يقارب من أربعة قرون.. قفز فيها العالم في العلم والفكر والصناعة والزراعة والتكنولوجية والسلاح قفزات ثورية بلا سقف، بينما أجداد فضيلتك كانوا بيحرموا الوضوء من مياه الصنبور وبيحرموا مشروب القهوة".

وأردف: " كانت النتيجة أن من اخترعوا المطبعة هم الذين امتلكوا ناصية العلم والقوة والسلاح فاحتلوا جميع الدول الإسلامية ونهبوا خيراتها.. وحافظوا على تخلفها وضعفها حتى اليوم".

وأنهى حديثة قائلًا: "استقيموا وانتصروا للعلم وللعقل يرحمكم الله".

تغير الفتوى..هل يقدح في الفقه ويقلل من قيمة العلماء؟

بالبحث وجدنا أن هناك إجماع من العلماء على أن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والعرف والحال والنيات والعوائد، ولكن بضوابط منها: إن الأحكام الأساسية الثابتة في القرآن والسنة والتي جاءت الشريعة لتأسيسها بنصوصها الأصلية: الآمرة والناهية، كحرمة الظلم، وحرمة الزنى والربا، وشرب الخمر والسرقة، وكوجوب التراضي في العقد، ووجوب قمع الجرائم وحماية الحقوق، فهذه لا تتبدل بتبدل الزمان، بل هي أصول جاءت بها الشريعة لإصلاح الزمان والأجيال، وتتغير وسائلها فقط، وإن أركان الإسلام وما علم من الدين بالضرورة لا يتغير ولا يتبدل، ويبقى ثابتا كما ورد، وكما كان في العصر الأول لأنها لا تقبل التبديل والتغيير، وإن جميع الأحكام التعبدية التي لا مجال للرأي فيها، ولا للاجتهاد، لا تقبل التغيير ولا التبديل بتبدل الأزمان والأماكن والبلدان والأشخاص، وإن أمور العقيدة أيضا ثابتة لا تتغير ولا تتبدل ولا تقبل الاجتهاد، وهي ثابتة منذ نزولها ومن عهد الأنبياء والرسل السابقين، حتى تقوم الساعة، ولا تتغير بتغير الأزمان.

ووجدنا أن قاعدة تغير الفتاوى والأحكام بتغير الزمان والمكان من القواعد الفقهية المهمة التي تناولها علماء الشريعة والفقه على مختلف مذاهبهم وتنوع مشاربهم في كتبهم ومؤلفاتهم بالتأسيس والتفريع والتطبيق، وهي من أهم القواعد التي يرتكز عليها النظر الفقهي المعاصر في الاستدلال والاستنباط للقضايا المستجدة في شتى الفروع والمجالات إلا أن هذه القاعدة جرى حولها جدل وأثيرت في حقها شبهات ممن يعمل في حقل الفتوى والعلم بين طائفة ترفض هذه القاعدة وتعتبرها تحريفا للدين وتغييرا لأحكامه الثابتة وبين طائفة أخرى تحملها على ظاهر معناها فتنطلق إلى جميع مجالات الشريعة وأحكامها بالتغيير والتبديل لمجرد تغير الزمان وتبدل الأحوال والظروف. فالبحث يسلط الضوء على مفهوم هذه القاعدة بتحرير محل النزاع من خلال نصوص القرآن والسنة وأقوال الفقهاء ويصل إلى نتيجة هامة وهي أن هذه القاعدة مرتبطة بشكل كلي بالاجتهاد في تحقيق المناط يتمثل في أربع حالات أساسية تنصب اليها جميع الأحكام المنبثقة من هذه القاعدة، متبوعا بنماذج من القضايا المعاصرة التي تغيرت فيها أنظار الفقهاء والمجتهدين لتغير مناط الحكم عما كان عليه الحال في العصور الغابرة.

ومن الأمثلة على ذلك ما فعله الإمام الشافعي، فحسب كتاب "تغير الفتوى بتغير الاجتهاد «دعوة للتفكير والتيسير ونبذ للتعصب والهوى والتعسير»، للدكتور عبد الحكيم الرميلى، أن الإمام الشافعى كانت لها رؤى فقهية وفتاوى فترة إقامته فى بغداد جمعها فى مجلده الضخم "الحجة" سنة 195، لكن ما أن جاء إلى مصر فعاد النظر فى تلك الفتاوى لتغير الظروف، فألف كتابه "المبسوط" والذى اشتهر فيما بعد بكتابه الأم، وقال الإمام الجليل فى كتابه كلمته المشهورة: "لا أجعل فى حل من روى عنى كتابى البغدادى" حيث رجع عن كثير من فتاويه التى كانت له فى القديم، وغيرها بتغير اجتهاده وتجديده، ولم يتعصب لفتاويه القديمة الاجتهادية، ويصف المؤلف تجديد فتاوى "الشافعى"، لم تكن ناسخا لمذهبه القديم، إنما كان الوصف الأدق هو امتداد وتطور له وفقا لسنة التطور والنمو.

ومن الفتاوي التي غير فيها الإمام الشافعي رأيه الفقهي، عندما جاء من العراق إلى مصر، مسألة الترتيب والموالاة فى الوضوء، مسألة المسح على الخفين، مسألة نوم المصلى هل ينتقض وضوؤه، مسألة أكل لحم الإبل، مسألة المسح على الكفين فى التيمم للصلاة، مسألة التيمم بالماء، مسألة من جامع امرأته وهى حائض.

ويقول الدكتور على جمعة، مفتي الديار المصرية الأسبق، أن المقصود بتغير الزمان تغير العادات والأحوال للناس في زمن عنه في زمن آخر، أو في مكان عنه في مكان آخر مهما اختلفت المؤثرات التي أدت إلى تغير الأعراف والعادات، وقد أُسند التغيير إلى الزمان مجازًا، فالزمن لا يتغير، وإنما الناس هم الذين يطرأ عليهم التغيير، والتغيير لا يشمل جوهر الإنسان في أصل جبلته وتكوينه، فالإنسان إنسان منذ خلق، ولكن التغيير يتناول أفكاره وصفاته وعاداته وسلوكه مما يؤدي إلى وجود عرف عام أو خاص، يترتب عليه تبديل الأحكام المبنية على الأعراف والعادات، والأحكام الاجتهادية التي استنبطت بدليل القياس أو المصالح المرسلة أو الاستحسان أو غيرها من الأدلة الفرعية.

وإنما نُسب التغيير لتغير الزمان في كلام بعض أهل العلم، لأن الزمان هو الوعاء الذي تجرى فيه الأحداث والأفعال والأحوال، وهو الذي تتغير فيه العوائد والأعراف، فنسبة تغير الفتوى لتغير الزمان من هذا الباب، ويعبر عنه أيضًا بفساد الزمان، ويُقصد بفساد الزمان فساد الناس وانحطاط أخلاقهم وفقدان الورع وضعف التقوى، مما يؤدي إلى تغير الأحكام تبعًا لهذا الفساد ومنعًا له، وقد أصبح في انتشاره عرفًا يقتضي تغير الحكم لأجله، وقد حدث مثل هذا في عصر الصحابة، رضي الله تعالى عنهم، وفي كل العصور الإسلامية، والأمثلة على ذلك كثيرة:

منها: ما رواه البخاري عن زيد بن خالد الجهني، قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عما يلتقطه فقال: «عرفها سنة ثم احفظ عفاصها ووكاءها، فإن جاء أحد يخيرك بها وإلا فاستنفقها»، قال: يا رسول الله فضالة الغنم؟ قال: «لك أو لأخيك أو للذئب»، قال: ضالة الإبل، فتمعر وجه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «مالك وما لها، معها حذاؤها وسقاؤها ترد الماء وتأكل الشجر»،  وفي رواية أخرى عنه: «دعها فإن معها غذاءها وسقاءها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربها» (البخاري ومسلم).

فكانت ضوال الإبل في زمن عمر رضي الله عنه إبلًا مرسلة تتناتج ولا يمسها أحد، حتى إذا كان زمن عثمان بن عفان رضي الله عنه أمر بمعرفتها وتعريفها ثم تباع (أخرجه البيهقي في السنن الكبرى)، فإذا جاء صاحبها أعطي ثمنها، وهذا على خلاف ما بيِّنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك لفساد الزمان وجرأة الناس على تناول ضوال الإبل وأخذها، ففهم عثمان رضي الله عنه الغاية من أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بترك ضوال الإبل وهو حفظها لصاحبها، فلما فسد الزمان، حافظ على المقصود من حديث النبي صلى الله عليه وسلم، وإن خالفه ظاهرًا، ولكنه موافق له حقيقة.

أما عن تغير المكان، فيعود إلى اختلاف البيئة، حيث إن له أثرًا مهمًا في تغير الأحكام الشرعية لأن الناس يأخذون بعض الخصائص من البيئة، وهذه الخصائص تؤثر في العادات والعرف والتعامل، لذلك تظهر عيوب القوانين بوضوح بانتقالها من أمة إلى أخرى.

فقد طلب أبو جعفر المنصور من الإمام مالك، أن يكتب للناس كتابًا يتجنب فيه رخص ابن عباس وشدائد ابن عمر، فكتب الموطأ، وأراد المنصور أن يحمل الناس في الأقطار المختلفة على العمل بما فيه، فأبى الإمام مالك وقال: لا تفعل يا أمير المؤمنين، فقد سبقت إلى الناس أقاويل، وسمعوا أحاديث، وأخذ كل قوم بما سبق إليهم، فدع الناس وما اختار أهل كل بلد لأنفسهم، فعدل المنصور عن عزمه.

وهكذا يقرر الإمام مالك ترك الناس في الأقطار المختلفة أحرارًا في الأخذ بما سبق إليهم، أو اختيار ما يطمئنون إليه من أحكام ما دام هدف الجميع إقامة الحق والعدل في ضوء كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

وهناك تأثر ليس من خصائص الناس بل من خصائص البيئة، مثل الأحكام التي خرجت للاستفادة من ماء دجلة والفرات في العراق في المذهب الحنفي، وقد تتأثر البيئة بالعوامل الجوية كالمطر والقحط والحرارة والبرودة وغيرها، وهذا يؤثر في حياة الناس وأعرافهم وعاداتهم وتعاملهم، ونتيجة لهذا التغير تختلف الأحكام مثل اختلاف أوقات العمل على حسب درجة البرودة والحرارة أو الاختلافات الأخرى مثل الحال في القطبين الشمالي والجنوبي حيث تختلف أوقات الصلاة والصوم هناك، وأيضًا يختلف البلوغ عادة في الأقطار الحارة عن الأقطار الباردة، فالصبي في سن الرابعة عشرة في بلد ما يبلغ الحلم فيصير مكلفًا، ونظيره في بلد آخر لا يبلغ فلا يكون مكلفًا، فسقوط التكليف عن أحدهما وقيامه بالآخر ليس لاختلاف الموجه إليهما، بل الخطاب واحد، ولكن الاختلاف في متعلقه وهو وقوع التكليف على من عاش في بلد حار فظهرت عليه أمارات البلوغ، وعدم التكليف على من عاش في بلد آخر ولم تظهر عليه الأمارات نفسها.

ويقول الشيخ على عبد الباقي شحاتة، الأمين العام السابق لمجمع البحوث الإسلامية، أن هناك قاعدة شرعية تقول، أن الشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان، وأن الفتوى تكون حسب الظروف الاقتصادية والاجتماعية والانسانية، وبالتالى الكثير من الفتاوى وأراء العلماء تتغير من وقت لأخر، وأكبر دليل على تغير الفتوى حسب الزمان والمكان والأحوال والثقافة هو الإمام الشافعي، ومعروف أن الإمام الشافعي له مذهبين، واحد في العراق والأخر في مصر، وبالتالي هناك تغير في تطبيق الأحكام على الظروف والأوضاع الاجتماعية والانسانية، مشيرا إلى أن البعض يعتبرون أن ذلك ينتقص من قدر العلماء عند العامة ويفقد ثقة الناس في العلماء ومؤسسة الأزهر، وهذا غير حقيقي بالمرة، مشيرا إلى أن الكثير من الفتاوي تتغير مراعاة لحال المستفتي، وقد رُوي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل: هل للقاتل من توبة؟ فقال: «لا توبة له»، وسأله آخر فقال: «له توبة» ثم قال: «أما الأول فرأيت في عينه إرادة القتل فمنعته، وأما الثاني فجاء وكله ندم وانكسار واستكانة قد قتل فلم أقنطه»، مؤكدا على أنه من جمال الشريعة الإسلامية أنها تناسب كل زمان ومكان، منوها أن هناك قاعدة فقهية عند جميع العلماء تقول أن اختلاف العلماء رحمة للأمة، وأن الاختلاف في تغيير الأحكام رحمة بالأمة الإسلامية، لافتا على أن الاختلاف يكون في الفروع وتفسير الأحكام وليس في الفرائض أو من المعلوم من الدين بالضرورة، مؤكدا على أن ميزة وحلاوة الشريعة الإسلامية في تعدد الأراء وعدم التجميد، لافتا إلى أنه لا يجوز التقليل من شأن العلماء من أشخاص ينتمون للمؤسسة الدينية.