رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

سامح مبروك يكتب " زوج زوزو " من سلسلة ترندات وتوباكو

سامح مبروك
سامح مبروك


ترندات وتوباكو | زوج زوزو.

سامح مبروك يكتب " زوج زوزو " من سلسلة ترندات وتوباكو*.

زينب؛ تلك الفتاة الجريئة التي تحدت الظروف والعادات والتقاليد والأعراف، قررت أن تخرج من تحت عباءة أمها، أو بالأحرى بدلتها، زوزو كما كانت تسميها أمها الراقصة الشهيرة بشارع محمد علي "نعيمة ألماظية"، على الرغم من جمالها الفتان وطلتها البهية وعودها الملفوف الذي تنحني لشموخه شوارب أعتى الرجال، قررت التخلي عن هذا العرش الذي ورثته عن أمها الأسطى نعيمة، وسلكت وحدها وضد التيار دربًا مختلفًا من دروب الحياة.

كنت هناك في المقاعد الخلفية بقاعة المحاضرات بكلية الآداب أتابع عن كثب الاهتمام البالغ من زملائي بتلك الفتاة الشقية الجميلة، شاهدت الولع واللهفة في عيونهم بها، شاهدت الحقد والحسد في عيون بعضهم أيضًا، كان الانقسام ما بين خاطب ود وكاره مستبد هو التوصيف الأمثل لحالة قاعة المحاضرات التي كان يسيطر حضورها الأخاذ عليها بالكامل.

كنت هناك في حفل عيد الميلاد الذي دعانا إليه زميلنا سعيد كامل؛ ذلك الطالب الثري الوسيم، الذي ينظم أهله حفلات صاخبة ماجنة، لمجرد الاحتفال بذكرى ميلاد أحدهم، ذكريات يتخلى عنها باقي الشعب عمدًا أو سهوًا، كنت هناك عندما أحضر أهله الراقصات لإحياء هذا الحفل وعلى رأسهم السيدة الطاعنة في السن نعيمة ألماظية، لنكتشف وسط الحفل أنها أم زينب أو زوزو، وبكل إباء وكبرياء تقوم زوزو بإراحة أمها حفظًا لكرامتها التي دهستها ضحكات الحضور المبتذلة، وراحت هي تؤدي دور الراقصة وتنكشف أصولها أمام حبيبها وزملائها، وتسقط عنها عباءة الكفاح والعلم والثقافة لتنكشف من تحتها بدلة الرقص.

شَهِدتُ حالة الاستقطاب التي تلت ذلك في المدرج، فكان الحاقدون يقودون المشهد شماتةً بها وكرهًا لها ورفضًا في وجودها في "حرم" الجامعة، وكأنه حرم محرم على الراقصات بنات الراقصات من أمثالها، ولا أخفيك سرًا انجرفت في هذا التيار لغرضًا في نفسي، وعلى القطب الآخر رأيت من يتعاطف معها ويؤيدها ربما لغرضًا ما في نفسه هو الآخر.

كانت موجة استقطاب حادة كادت تعصف بتلك الفتاة المكافحة التي كان ذنبها الوحيد أنها ولدت لأم تعمل راقصة في شارع محمد علي، وعلى الرغم من تمردها على هذا الواقع ورفضها له إلا أنه ظل يلاحقها ويعرقل خطواتها الدؤوبة في محاولة الابتعاد عنه.

مرت الموجة كما يمر كل شيء في الحياة، وانشغل كل فرد بحاله، وبالطبع تركها سعيد كامل بفرمان من والدته، وراحت الفتاة الجميلة تلاطم موجات الحياة الكاسرة، هنا أتت فرصتي الذهبية لانقض عليها واغتنمها، فكنت أحد الشباب المغتربين بالجامعة، حيث ولدت وترعرعت في إحدى قرى دلتا النيل، وما من أحد هناك في قريتي قد سمع من قبل بنعيمة ألماظية أو ابنتها.

تزوجتها، ولا أنسى إلى الآن أهل القرية وهم يصطفون على جانبي الطريق بينما أدخل القرية أنا وعروسي الجميلة، لا أنسى نظراتهم لها ما بين الإعجاب والدهشة والحقد، ذات الانقسام الذي كان يحدث في الكلية، وبالطبع لم يكن أحدًا من أهل القرية يعرف شيئًا عن أصولها، تزوجتها لأني كنت أؤمن بأنه لم يكن لها من الأمر شيء في اختيار أمها أو مهنتها، تزوجتها لأنها كانت تحارب ضد التيار، تزوجتها لتقديرها وحبها لأمها رغم رفضها لمهنتها، ولا أخفيكم سرًا تزوجتها لأنها جميلة، بديعة، شقية، تكاد تنقلب أجمل فتايات قريتي إلى جوارها إلى غفير نظامي.

تخلت زوزو عن ماضيها بالكامل وعاشت معي في القرية، وأصبحت مدرسة في المدرسة الثانوية، ولم يربطها بهذا الماضي إلا بضعة دقائق من الرقص في غرفة النوم أو حتى في بعض الأفراح والمناسبات مع الأهل، وكنت أتقبل هذا على استحياء كما هي عادات المناسبات في مجتمعنا.

كانت ومازالت أهم إنجازات حيايتي، بل حلمي الذي تحقق، وحب حياتي الأكبر.

أصبحت زوزو شمس حياتي ودفئها والتي كلما غابت حل الظلام والبرد، وها أنا ذا أعد الساعات في انتظار عودتها من تلك الرحلة المدرسية التي ذهبت بها كمشرفة، أحكي لكم تلك القصة لأني أؤمن دائمًا أن الحياة لا بد أن تعطي دومًا فرصًا ثانية.

نعم الفرصة الثانية؛ مقولة أشعلت في قلبي فتيل تلك الذكريات، قرأتها وأنا أتصفح إحدى منصات التواصل الاجتماعي على هاتفي لأقتل الوقت إلى أن تعود زوزو، ولكن فجأة لفتني منشور متكرر يتحدث عن فضيحة، يا الله كم أحب مشاهدة تلك الفضائح والمقاطع، قرأت العنوان: وصلة رقص لمُدرسة بين طلابها في رحلة نيلية.

أخذني الفضول، وأنا أُمني النفس بمشهد يروح عن نفسي ويسعدني، فتحت المقطع لأجدها زوزو.

ارتبكت، انفعلت، انفجرت شرايين الغضب في مخي، إنه العار، إنها الفضيحة، لعنك الله أيتها القبيحة، صحيح أن العرق دساس، ألا تخافين الله في سمعة زوجك، أغلقت المنصة وأنا استشيط غضبًا، ثم أمسكت بالهاتف واتصلت بزوزو، وأتاني بعد قليل صوتها يغمره البكاء والنحيب من الطرف الآخر.

> ألو..
>> زوزو؛ إنتِ طالق.


قصة مستوحاة من فيلم خلي بالك من زوزو ولا تمت للواقع بأي صلة.
* ترندات وتوباكو هي مقالات في هيئة قصص قصيرة مستوحاة من ترندات فضاء المنصات الاجتماعية ولا تمثل أي شخصيات أو أحداث حقيقية.