رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

رسالة الإمام الأكبر

حمدي رزق
حمدي رزق


الديانات السماوية تسمى الديانات الإبراهيمية، نسبة إلى سيدنا إبراهيم أبى البشر، والذى تعترف به الأديان الثلاثة، والديانة المستحدثة أُطلق عليها «الديانة الإبراهيمية الجديدة» تخفيًّا ويُقال تيمُّنًا. خلاصته أنهم يدعوننا إلى دين جديد.. فماذا نحن فاعلون؟!

لفت الإمام الأكبر، الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، أنظار العالم كله فى احتفالية «بيت العائلة المصرية» بعشريته الأولى.

لفتنا فضيلته، فى كلمته، برفضه الواضح ما يسمى «الديانة الإبراهيمية»، التى تروج لها مراكز بحثية ضخمة وغامضة، انتشرت مؤخرًا فى ربوع العالم، وأطلقت على نفسها اسم «مراكز الدبلوماسية الروحية»، وتعمل على تمويل تلك المراكز كبرى وأهم الجهات العالمية.



فى حضرة البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية، بطريرك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وجمع غفير من القادة الدينيين، نأى الإمام بنفسه شيخًا، وبالأزهر مشيخة، وبالكنائس الوطنية عن الدين العولمى الجديد، المجهول نسبًا، الغامض ملامح، وابتعد ببيت العائلة بمسافة كافية عن اللغط الدائر محليًّا انعكاسًا للغط المُثار عالميًّا عما يسمى ذوبان الأديان جميعًا فى دين جديد، كما ذوبان جبال الجليد فى المحيطات.

رفْض الإمام الأكبر جاء صريحًا، وبلا مواربة، رفضًا للخلط والتخليط، ومخطط وضع الأديان فى خلاط عالمى مع بعض الإضافات الشاذة، وإنتاج «دين جديد» يُعبَّأ فى زجاجات ملونة، يرتشفها شباب المنطقة الإبراهيمية (نسبة إلى الديانات السماوية الثلاث)، كما يرتشفون الكوكا كولا ساعات البهجة والانطلاق.

لعلها المرة الأولى التى يصدر عن مرجع مصرى بهذا القدر المعتبر، (إمام السُّنة وشيخ الأزهر والعمامة الكبرى)، مثل هذا الرفض المعتبر، الذى يضع الأديان فى موقعها الصحيح من المعادلات السياسية التى تموج بها المنطقة، وتتدثر برداء دينى ذى قشرة تسامحية وأخوية، ووراء الأكمة، كما يقولون، ما وراءها من تطبيع عابر للحدود والديانات سماوية وأرضية، ما يسمى التطبيع الدينى مع الدولة العبرية!



رسالة الإمام السياسية مهمة لوضع النقاط فوق الحروف، فالإخاء والأخوة والتسامح والمواطنة لا تعنى ذوبان الأديان فى بعضها البعض، فلكل دين خصوصيته، «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَايَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ» (١١٨/ هود).

إشارة فضيلته البليغة كاشفة للرسالة الظاهرية لتلك المراكز البحثية، التى تعتمد على فكرة شيطانية خبيثة بأن «الأديان» هى السبب الرئيسى والجوهرى لإشعال أشد الصراعات عنفًا على مر العصور؛ والسبب عدم تقبُّل الآخر بسبب عدم فهم نصوص ديانته.

وتذهب هذه المراكز، التى تنفق على دينها الجديد إنفاق مَن لا يخشى الفقر، إلى أنه فى إطار نشر المحبة والتسامح تأخذ على عاتقها مهمة دعوة كبار رجال الدين فى الأديان الإبراهيمية الثلاثة من أجل إيجاد قيم عامة مشتركة بين الأديان، مثل: المحبة والتسامح والمساواة والتعايش وتقبُّل الآخر، إلى غيرها من القيم الحميدة. ثم تشرع فى بثها، خاصة بين الأجيال الجديدة، من أجل غرس كره خفى للأديان التى يتبعونها، وخلق ميل إزاء اعتناق الدين الإبراهيمى الجديد.



رسالة الإمام الأكبر بعلم الوصول، ولعل اللبيب بالإشارة يفهم.. لَيْتَ قَوْمِى يَعْلَمُونَ.

نقلا عن "المصري اليوم"