رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

كواليس مأزق الحكومة المصرية بسبب الارتفاع العالمي في أسعار القمح

القمح
القمح


خلال الفترة الماضية، ارتفعت أسعار الدقيق في مصر، تزامنًا مع إلغاء مصر 4 مناقصات لاستيراد القمح من روسيا بسبب أزمة الجفاف التي ضربت روسيا العام الجاري، إضافة لزيادة الضرائب على صادراتها من القمح، ما حدا بمصر إلى إلغاء المناقصات الأربع.

ويترافق هذا مع أزمة الطاقة التي ألقت بظلالها على سلاسل الإمداد والتوزيع حول العالم، فضلًا عن تحذير عدد من التقارير الاقتصادية من حدوث أزمة عالمية في الغذاء كنتيجة لكل هذا.

بحسب الأرقام المُعلنة عن منظمة الأغذية والزراعة، "الفاو" ارتفعت أسعار الحبوب بنحو 4% بزيادة عن 2% عن سبتمبر الماضي وذلك بسبب زيادة الطلب عليها وقلة الإنتاج. وتستورد مصر قرابة 60% من احتياجاتها من القمح، ويأتي هذا وسط توقعات بارتفاع أسعار جميع السلع الغذائية المُرتبطة بالقمح مثل الخبز والمخبوزات بأنواعها، والمكرونة بأنواعها، والحلوى.

وكان معدل التضخم ارتفع خلال شهر سبتمبر الماضي إلى نسبة 8% مقابل 3.3% خلال عام 2020، وفقًا للتقرير الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، مضيفًا أن مُعدل التضخم السنوي لأسعار المُستهلكين في المدن المصرية قد ارتفع إلى 6.6% في سبتمبر الماضي من 5.7% في أغسطس الماضي.

وبسبب هذا الارتباك ارتفعت أسعار طن الدقيق وتراوحت ما بين 7 إلى 9 آلاف جنيه، وفقًا للنوع والجودة، وتبلغ فاتورة استيراد القمح نحو 3 مليارات دولار سنويًا، وتستورد مصر نحو 12 مليون طن سنويًا ما بين القطاع الحكومي والخاص، وتستهلك قرابة 20 مليون طن من القمح سنويًا من بينها نحو 9 ملايين طن لإنتاج الخبز المدعوم الذي يُصرف على البطاقات التموينية لإنتاج ما يقرب من 270 مليون رغيف يوميًا.

مصر تمتلك احتياطيا كبيرا
إلى ذلك يقول حسين أبو صدام، نقيب الفلاحين، إن مصر أكبر مستورد للقمح في العالم، وأي أزمة تُؤثر على مصر، موضحًا أن الأزمة حاليًا تتمثل في انخفاض الإنتاج العالمي وارتفاع أسعار القمح وارتفاع أسعار الطاقة، مما تسبب في ارتفاع أسعار الشحن أيضًا.

ويُضيف، أن هذه الأزمة لن تؤثر على مصر في الوقت الحالي، لأن مصر لديها مخزون استراتيجي يكفيها حتى موعد حصاد محصول القمح الجديد في شهر أبريل المقبل، مضيفًا أن أغلب الاستيراد الحالي يتم استخدامه لأجل التخزين.

ويُشير أبو صدام إلى أن مصر تستهلك سنويًا حوالي 20 مليون طن، تُنتج مصر منهم محليًا نحو 9 ملايين طن، فيما يتم استيراد الباقي، حيث تستورد الحكومة وحدها دون القطاع الخاص حوالي 7 ملايين طن من القمح، والباقي يستورده القطاع الخاص للدخول في صناعة الحلوى والمخبوزات.

وعن الدول التي يمكن أن تلجأ لها مصر للاستيراد، يقول أبو صدام، إن أوكرانيا وفرنسا تأتي على رأس الدول التي يمكن أن تسد حاجة مصر من الاستيراد، إضافة لرومانيا والولايات المتحدة واستراليا أيضًا، لكن هنا سوف ترتفع التكاليف بسبب زيادة المسافة مع هذه الدول مثل استراليا وبالتالي زيادة مصاريف الشحن.

وللتغلب على أزمة ارتفاع مصاريف الشحن، اتخذت الهيئة العامة للسلع التموينية قرارًا بتعليق ميزة سعرية كانت يتم منحها لشركة الملاحة الوطنية المصرية لنقل القمح الذي كان تشتريه في مناقصاتها، وأن التغيير سيجري بدءا من مناقصة الشراء القادمة للهيئة.

وعند طرحها مناقصات لشراء القمح، تجري الهيئة بالتوازي مناقصات شحن لشراء سعة شحن بحري، لكن العروض المقدمة من شركات الشحن الأخرى في مناقصات الشحن تكون ضعيفة بشكل عام بسبب الميزة السعرية الممنوحة للشركة.

وبحسب تقارير، فإن الشركات الأجنبية وافقت على هذه الخطوة واعتبروها مهمة لخفض تكاليف الشحن لواردات القمح عن طريق زيادة المنافسة، لأن تكاليف الشحن في هذا الوقت مرتفعة للغاية.

تطوير الزراعة المحلية
كما يقول الدكتور جمال صيام أستاذ الاقتصاد الزراعي بجامعة القاهرة، إن المساحة المزروعة بالقمح في مصر تبلغ نحو 3.2 مليون فدان تُنتج ما يقارب نحو9.8 مليون طن من القمح، فيما بلغ حجم استهلاكنا لقرابة 22 مليون طن سنويًا، ما يعنى أننا ننتج 40% ونستورد 60% من الخارج بإجمالي 12 مليون طن، كما يمتلك القمح الروسي نصيب الأسد بإجمالي يتراوح بين 7 إلى 8 ملايين طن، فيما لا تتجاوز نسبة القمح الفرنسي والأوكراني والكندي والاسترالي والأمريكي عن 20%، ومن المفترض يكون لدينا مخزون استراتيجي بالصوامع يكفى لمدة 6 شهور ما يعنى حوالي 10 ملايين طن وهو سعة الصوامع والمخازن بمصر وذلك لتأمين رغيف العيش لنحو 110 ملايين مواطن.

ويضيف صيام، أنه لابد أن تصب الجهود الحكومية خلال الفترة القادمة للوصول بنسبة تحقيق الاكتفاء الذاتي بنسب تتراوح بين 60 إلى 70% عن طريق زيادة المساحات المزروعة من القمح وزيادة دعم الفلاح الذي توقف مع توصيات صندوق النقد الدولي منذ 2016، حيث كان يتم دعم الأسعار للفلاحين بما بتراوح بين 20 إلى 30%.

ويُتابع، أنه يجب استنباط أصناف زراعية حديثة تكون لديها القدرة على مقاومة الأمراض والجفاف والموائمة للظروف والتغيرات المناخية القادمة، حيث تصل إنتاجية الفدان لدينا نحو 18 إردبا بوزن 150 كجم بما يصل 2.6 طن وهذه الأرقام ثابتة من سنوات طويلة، كما يجب التوجه لرفع الإنتاجية إلى 24 أردبًا للفدان بقرابة 3.2 طن وذلك يأتي عن طريق زيادة المخصصات المالية لمراكز البحوث الزراعية.

ويلفت أستاذ الاقتصاد الزراعي بجامعة القاهرة إلى أنه يجب عودة الإرشاد الزراعي إلى دوره الأساسي من أجل ممارسة دورها الإشرافي للمزارع لزيادة الإنتاجية والمساهمة في زيادة الرقعة الزراعية من محصول القمح على حساب المحاصيل الشتوية الأخرى مثل "البرسيم" وبذلك قد تستطيع مصر توفير من 2 إلى 3 ملايين طن من القمح، والمساهمة في زيادة الإنتاج المحلي إلى قرابة 12 مليون طن.

عقود تحوط
من جهته، يُوضح الدكتور على الإدريسي، الخبير الاقتصادي، أنه بعد جائحة كورونا عانى العالم ومايزال من حالة من زيادة الأسعار وغلاء وزيادة غير مسبوقة في التضخم، وهذا ما تُحاول روسيا تحقيق أكبر قد من المكاسب وتعظيم مكاسبها الاقتصادية على حساب المجتمع الدولي.

ويُضيف، أنه من المفترض أن تجرى الدولة عقود تحوط بمعنى تثبيت سعر متوسط للأسعار تجنبًا لارتفاع الأسعار ويتم تطبيقه بالتعاون بين "المصدر والمستورد" ويحقق الأمان للطرفين، وعادة تطبق في أسعار النفط والطاقة ويفضل في السلع الاستراتيجية، وقد تكون العقود التعاقدية بين مصر وروسيا قد انتهت وظهر الخلاف مع العقود الجديدة التي تحاول روسيا رفعها لتقوم مصر للبحث عن أسواق بديلة وأسعار أقل مثل بدائل الأقماح من الصين والهند وفرنسا وأوكرانيا.

ويلفت الخبير الاقتصادي إلى ضرورة الوضع في الاعتبار زيادة المساحات المنزرعة من القمح خلال الفترات القادمة عن طريق وضع استراتيجيات مفادها تشجيع الفلاح المصري وإعطاؤه قيمة عادلة للأسعار على النحو الذي يُساير الأسعار العالمية للقمح حتى لايهرب الفلاحين لزراعة المحاصيل ذات الجدوى الاقتصادية الأعلى مثل "الخضر والفواكه" ويذكر بحسب تقارير وكالة فيتش الدولية توقعت زيادة إنفاق المصريين على السلع الغذائية نحو 56% في 2025 عن 2020.