رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

مناهج رابعة ابتدائي الجديدة تشعل غضب المعلمين وأولياء الأمور

طلاب رابعة ابتدائي
طلاب رابعة ابتدائي


لم تحظ التعديلات التي نفذتها وزارة التربية والتعليم، على المناهج، وبخاصة التي سيدرسها طلاب الصف الرابع الابتدائي، حالة من الجدل الشديد، ولا سيما في ظل إصرار الوزارة على أسلوب المباغتة، الذي يثير غضب أولياء الأمور.

مش عارفة أذاكر لبنتي
"حسبي الله ونعم الوكيل، أنا معايا ماجستير ومش عارفة أذاكر لبنتي، والله حرام عليه العيال مش مستوعبين المنهج"، بهذه الكلمات بدأت إيمان سلامة (ولية أمر) حديثها مع "النبأ"، معبرة عن مدى تعقيد المناهج التي أعلن عنها وزير التعليم، الدكتور طارق شوقي، متمنية العودة إلى المناهج القديمة، أو حتى كان من الأفضل تطويرها بصورة تتناسب مع تفكير واستيعاب تلميذ الصف الرابع الابتدائي.

حُلم العودة إلى المناهج القديمة لم يكن يراود (إيمان) وحدها، بينما تمنت رحاب طنطاوي (ولية أمر) أيضًا أن يلتفت الوزير إلى ذلك المطلب الذي اجتمع الكثير من أولياء الأمور عليه، واتخذوا من المجموعات التعليمية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" وسيلة للمطالبة بذلك، إلا أن الوزير لم يعرهم اهتمامه، ولم يلتفت إلى صرخاتهم -بحسب وصف عفاف- "احنا بنصرخ وهو ولا على باله".

أرقام عربية وهندية
صعوبة المناهج -بحسب وصف أولياء الأمور والمُعلمين- لم تكن وحدها ما أشعلت نيران الغضب لديهم، حيث استنكروا فكرة استبدال التعامل بالأرقام الهندية، والتي كان يتم التعامل معها على أنها أرقام عربية، بالأرقام (123) أو الأرقام الخوارزمية، والتي كان يتم التعامل معها باعتبارها أرقام إنجليزية.

وتساءل أولياء الأمور عن الفائدة التي تعود على تلميذ الصف الرابع الابتدائي من استخدام الأرقام الخوارزمية (123) في الرياضيات، برغم أنهم تعلموا وعرفوا مُنذ مرحلة الروضة أنها أرقام إنجليزية!.

وترى أماني محمد (ولية أمر) "أن توقيت تطوير المناهج خطأ، وكان يجب أن تبدأ الوزارة من البداية مع التلاميذ أي من مرحلة الروضة، لاسيما وأن خلال العامين الماضيين لم يدرس التلاميذ بصورة طبيعية ولم يحصلوا على القدر الكافي من التعليم، بسبب ظروف وباء كورونا، "الوقت غلط، المفروض كان يبتدي من الأول، إنما دول لهم سنتين من غير شغل، وفي الآخر أديهم المناهج دي مرة واحدة والله حرام!".

الخوف من الفشل
وتضع ناهد فوزي (ولية أمر) يدها على قلبها خوفًا من فشل التلاميذ في استيعاب هذا الكم الهائل من المناهج التي وصفتها بـ "الثقيلة"، لاسيما وأن تجارب التطوير السابقة التي تبنتها الوزارة باءت بالفشل، "العيال هتضيع، ربنا يسترها، العيال هتقدر على إيه، واحنا في وقت ما ينفعش فيه المناهج دي؛ لأن التعليم ما بقاش زي الأول، وأدينا شوفنا حاجات كتير الوزارة أصرت عليها وفشلت والطالب اللي شال الليلة في الآخر".

إبراء ذمة
لم تجد إحدى معلمات الرياضيات وسيلة لمواجهة ما أقرته الوزارة من تطوير للمناهج بعدما رأت أنه سينتج عنه تأثير سلبي على التلاميذ لا محالة، إلا أن تنشر إبراء ذمة عبر المجموعات التعليمية الخاصة بالصف الرابع الابتدائي على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، مؤكدة خلاله أن ما يحدث بمناهج الصف الرابع الابتدائي لا يقبله عقل واعٍ ولا ضمير حي، وتمنت أن يخرج باقي الزملاء ومُختصو التربية لتأكيد وجهة نظرها أو تأكيد عكسها بشأن أن ما أطلقت عليه الوزارة تطوير للمناهج في مصلحة الطلاب أم لا.

وترى معلمة الرياضيات الغاضبة، أنه من غير المنطقي أن الطفل الذي تأسس على مدار خمسة أعوام اعتاد فيها كتابة الأرقام التي كانت يتم التعامل معها عربية ولكنها هندية ثم أطلب منه بعد ذلك التأسيس وبعد معاناة حفظ جدول الضرب وغيرها، ينسى ذلك كله، "ما ينفعش أجي أقول له لا يا حبيبي انسى كل دا وتعالى اتأسس من أول وجديد واكتب الأرقام بالعربية الجديدة اللي كنا بنسميها إنجلش، واللي سبحان الله هتتعامل معاها في الحساب إنها عربي وفي الإنجلش بالإنجلش الأرقام أم وشين".

وتابعت: "محدش يقولي عادي في دول عربية مطبقة النظام دا، والله أنا عارفة دا كويس لكن طبقوه من أول ما مسكوا القلم وكتبوا 123 ونطقوا أنها اسمها واحد اثنان ثلاثة لكن اللي بيحصل عندنا دا تشوه وآخر لغبطة، هل يعقل أروح لطلاب اللغات والدارسين ماث وتقولهم أنتم بتستخدموا أرقام عربية ولازم تكتبوا بالأرقام الهندية ونسمي ده تطوير ليه بتعقدوا الدنيا!".

منهج الإنجليزي الدسم
لم تكن معلمة الرياضيات تلك الوحيدة المعترضة على تطوير المناهج، ولكن تجد نادية كمال (معلمة لغة إنجليزية) تعبر عن قلقها من فشل الطلاب بقولها "ربنا يستر"، لاسيما بعد حشو كم كبير من المعلومات في المنهج -بحسب وصفها- رغم أنها كانت متحمسة للتغيير، "لغاية السنة اللي فاتت، كنت مبسوطة بالتغيير، لكن بعد اللي شوفته في منهج الإنجليزي، قلت حسبي الله ونعم الوكيل، كمية المعلومات فوق الوصف، ربنا يسترها على العيال".

فئران تجارب
الصف الرابع لا يعدو كونه فأر تجارب لدى الوزارة -من وجهة نظر بعض أولياء الأمور- والتي اعتادت أن تأخير إتاحة الكتب الخاصة بالصف الرابع الابتدائي.

"كدا حرام والله، هي دفعة رابعة دي اتكتب عليها تبقى كبش فدا وفئران التجارب اللي بنجرب عليهم وكتبهم تنزل كل سنة متاخرة بسبب إن المنهج جديد ذنبهم إيه عايزة أعرف!"، يعرب محمود الجمَّال (ولي أمر) عن استيائه من تعامل الوزارة مع طلاب الصف الرابع الابتدائي بهذه الكلمات.

تخبط الوزارة وعنصر المفاجأة الذي تقوم عليه الوزارة في اتخاذ قراراتها رغم أنه يكون هناك براح من الوقت لأخذ القرارات ومناقشتها، يشير إلى مصير غامض ينتظر التلاميذ، ويقول الجمَّال: "ليه التخبط دا كله كان فيه إجازة طويلة عريضة لوضع المنهج ومراجعته بما فيه الكافية عشان ينزلهم كتبهم زي باقي الصفوف وخصوصًا إن منهجهم جديد ومحتاج مجهود كبير ووقت عشان يلحق يخلص أنا مش عارفة ليه كدا هي العيال دي هيبقي مصيرهم كدا كل سنة يرضي مين دا والله ما يرضي حد حسبنا الله ونعم الوكيل في كل مقصر في حق الأطفال اللي ما لهمش أي ذنب في كل الضغط النفسي دا عليهم دول كرهوا التعليم هو احنا كده بنطور التعليم فين التطوير لما المدارس فاضل عليها ثلاثة أسابيع والمنهج لسه بيتغير والكتب لسه ما اطبعتش حد يفهمنا!".

التطوير فكرة جيدة
ورغم كل تلك الاعتراضات وحالة الغضب لدى الكثير من أولياء الأمور والمُعلمين، إلا أن هناك من يؤيد تطوير المناهج ويرى أن الوزارة تعدو خطوات جيدة في سبيل التقدم بالمنظومة التعليمية.

في المقابل ترى أميرة مصطفى (ولية أمر)، أن المناهج الجديدة جيدة، ركزت على تحصيل الطلاب للمعلومات بصورة يصعب نسيانها كما كان في السابق، "المنهج حلو والفكرة أنه بقى تعليم مش دروس ناخدها وننساها بعد كدا، لا دا معلومات وطرق جديدة أنا من وجهة نظري المتواضعة شايفة أنه حلو".

ورغم ثناء "أميرة" على المناهج الجديدة، إلا أنها استثنت اللغة الإنجليزية من هذا الإطراء، قائلة: "يمكن يكون منهج الإنجليزي تقيل شوية، والسبب مش المنهج لا السبب إن العيال مش متأسسين بطريقة تساعدهم يحفظوا بسهولة، أنا بس لي وجهة نظر إن المدرسين محتاجين يتدربوا على طرق شرح جديد تتماشى مع المنهج".

مناهج بمعايير عالمية
ويرى محمد عيسى (مُعلم بوزارة التربية والتعليم)، أن منهج الصف الرابع الابتدائي مثل مناهج باقي منظومة التعليم الجديد للصفوف الأولى جميعهم متوافق مع معايير الجودة العالمية، بل إنها المرة الأولى التي تمتلك الدولة منهجا خاصا بها.

وبحسب "عيسى"، ركز المنهج في الصفوف الأولى على الاهتمام بالمهارات قبل المعارف ولذلك لم تكن هناك امتحانات حتى الصف الثالث الابتدائي، والآن ونحن على أعتاب تدريس منهج الصف الرابع واستكمال المنظمومة التي تشهد لأول مرة امتحانات للصف الرابع، فكيف سيكون شكل الامتحان؟ .

وتابع: "نعم المنهج كله غموض والمستقبل قد يبدو مُخيفا، ولكن بالتمعن والنظر الصحيح سنجد أن كل تغيير كان في البداية صعبا ولكن الإرادة والتحدي تُحقق المستحيل".

التطبيق أفسد الفكرة
"التغيير والتطوير مطلوبان، ولكن طريقة اتخاذ القرارات وتطبيقها ربما تدمر الفكرة الجيدة وتأثيرها"، بهذه الكلمات بدأ ممثل المعلمين المستقلين والتربوي، مُحب عبود حديثه مع "النبأ الوطني".

وتابع "عبود" أن فكرة التعامل بالأرقام الخوارزمية في مادة الرياضيات فكرة جيدة جدًا، ولكن اختيار تطبيقها بدءًا من الصف الرابع الابتدائي، تطبيقها على تلاميذ الصف الرابع دون بقية الصفوف أمر سيئ للغاية، وأفقد الفكرة تأثيرها الإيجابي، مُشيرًا إلى أن دول المنطقة العربية كلها تستخدم الأرقام الخوارزمية (123) ولا تعرف الأرقام الهندية (123).

واستنكر محب عبود، إصرار الوزارة على منهجية التفرد بالرأي والمباغتة التي لطالما اعتمدت عليها في اتخاذ القرار، ورأى أنه كان من المفترض أن تعمل الوزارة على طرح أمر تطوير المناهج الدراسية للصف الرابع الابتدائي على المُختصين قبل البدء في التغيير ومناقشة التغييرات، وما إذا كانت تتناسب مع فهم وإدراك التلاميذ في هذا الصف من عدمها، مع مراعاة الفروق الفردية في الإدراك لدى الطلاب، قائلًا: "اعتماد الوزارة على الاستبداية في اتخاذ القرارات مصيبة كُبرى".

فكرة الاعتماد على الأرقام الخوارزمية دون الهندية التي اعتادها الطلاب باعتبارها أرقام عربية، كانت تحتاج إلى سنوات من الدراسة، لاسيما وأنه كان من الأولى اختيار الصفوف الأولى لتطبيق الفكرة عليها حتى لا يحدث تشتيت للتلاميذ الذين تأسسوا على الأرقام الهندية باعتبارها عربية.

واختتم "عبود" حديثه مع "النبأ"، بأنه كان يجب على الوزارة تعريف طلاب الصف الرابع الابتدائي بعض المعلومات عن الأرقام الخوارزمية ولماذا تُرسم بهذا الشكل قبل اعتمادها بالمناهج وتدريسها للتلاميذ.