رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

حياة كريمة (٥).. التمويل

زياد بهاءالدين
زياد بهاءالدين

«حياة كريمة» هى البرنامج التنموى الأكبر الذى تسعى الدولة لتنفيذه من أجل الارتقاء بمستوى الخدمات والمرافق العامة فى الريف المصرى بعد عقود طويلة من الإهمال والنسيان.

٧٠٠ مليار جنيه- بحسب التصريحات الرسمية - سيجرى إنفاقها على مدى ثلاث سنوات، وقد بدأ صرفها بالفعل منذ مطلع هذا العام ويستمر طوال العامين المقبلين.

ولكن كيف يمكن تمويل هذا البرنامج العملاق؟ هل بمزيد من الاستدانة؟ أم بالمعونات الأجنبية؟ أم بتحميل الأهالى تكلفة المرافق والخدمات التى سوف يستفيدون منها؟ أم بتبرعات أهل الخير والشركات والبنوك؟

المسألة ليست سهلة وذلك للأسباب الآتية:

من جهة الاقتراض الداخلى أو الخارجى فإن الدين العام الداخلى بلغ بنهاية السنة المالية الماضية (٣٠ يونيو ٢٠٢٠) ما يقرب من ٤٧٤٢ مليار جنيه والدين الخارجى ١٢٥ مليار دولار، وهذان رقمان مرتفعان ولا يسمحان بالتساهل فى الاقتراض، خاصة بالنسبة للدين الداخلى الذى مثل أكثر من ٨٠٪ من الدخل القومى.

وبالنسبة للتبرعات الخارجية فإن الظروف العالمية لا تسمح بالاعتماد عليها فى ظل ما تمر به مختلف الدول المانحة من ظروف صعبة واحتياجات داخلية ملحة للتعامل مع وباء «كورونا» وتداعياته الاقتصادية بما لا يسمح لها بالبذخ أو الكرم أو حتى بالحفاظ على مستوى المعونات السابقة. وهذا ينطبق أيضا على الدول العربية الشقيقة المشغولة ببرامج التنمية الخاصة بها وبضبط إنفاقها العام.



وأما عن التفكير فى أن يتحمل أهالى القرى المستفيدة من برامج ومشروعات «حياة كريمة» التكلفة - أو جزءا منها - فإن هذا فى تقديرى يخالف الهدف الأساسى من هذه المبادرة التنموية الكبرى، وهو تخفيف الأعباء والمشقة عن كاهل أكثر المواطنين استحقاقا لذلك، والبدء فى غلق الفجوة بينهم وبين المناطق الحضرية. فلا يعقل أن نأخذ باليد اليمنى ما يتم منحه باليسرى وأن تتحول مشروعات المبادرة إلى مناسبة لتحميل أهل الريف المزيد من الأعباء والهم.

وأخيرا فإن التبرعات، سواء من أهل الخير أم من الشركات والمؤسسات والبنوك، ليست موردا كافيا ولا مناسبا لتنفيذ هذا البرنامج التنموى العملاق، أولًا لأنها لن تمثل نسبة مؤثرة فى الموارد المطلوب تدبيرها، وثانيا لأن الأصل فى التبرع أن يكون اختياريا ولا يبغى أن يتحول - رسميا أو فعليا - إلى إجبار.

كيف تنوى الحكومة إذن تمويل «حياة كريمة»؟

الإجابة ليست واضحة، ولكن الواضح فى ذهنى أن الأولوية فى الإنفاق العام يجب أن تتجه لنجاح هذه المبادرة لأنها ليست مجرد برنامج لإنشاء مدارس ومستشفيات وشبكات صرف صحى، بل الأهم هو ما يمكن أن تحققه من تصحيح فى ميزان العدالة الاجتماعية المختل خللًا شديدًا نتيجة عقود طويلة من غياب الاستثمار فى الخدمات والمرافق الريفية. هناك «أثر توزيعى» كبير وهام يفترض أن ينتج عن تنفيذ المبادرة، وهو لن يحدث تلقائيًا بل يجب أن يستند لاختيارات واعية تتعمد إعادة توجيه موارد الدولة ولو بالخصم من مجالات أخرى أقل أهمية أو لا تساهم فى غلق الفجوة الاجتماعية.

بمعنى آخر فإن الأثر الاجتماعى الإيجابى الذى يمكن أن تحدثه «حياة كريمة»، لو جرى تنفيذ مشروعاتها بالشكل الكامل والسليم، يستحق التضحية بغيره من المشروعات غير الملحة.

وفى كل الأحوال أقترح على الحكومة أن تقدم تصورًا واضحًا وشفافًا عما تنوى القيام به لتمويل «حياة كريمة»، وأن تشرك فى النقاش حوله أصحاب الخبرة فى هذا المجال وتتيح الفرصة لمن لديهم تصورات وأفكار جديدة، لأن هذا التمويل فى نهاية الأمر سوف يكون على حساب الشعب وعلى حساب دافعى الضرائب أيا كانت موارده، ولأن الشفافية والإفصاح من جانب الدولة يزيدان من مصداقية هذه المبادرة الكبرى ويجعلان كل واحد منا يشعر بأنه يساهم بشكل أو بآخر فى الارتفاع بمستوى المعيشة فى الريف المصرى، وهذه بالتأكيد الأولوية الكبرى لتنمية مصر.

نقلا عن "المصري اليوم"