رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

مشهد فى مسجد!

سليمان جودة
سليمان جودة

ما أكثر الصور الفريدة التى تأتى من أفغانستان هذه الأيام، وما أغرب الزوايا العجيبة التى يلتقط بها المصورون هذه الصور فى كل مرة!.

كانت الصورة الأولى هى المنشورة صباح الثلاثاء ١٧ أغسطس، وفيها كان مواطنون أفغان يتجمعون حول طائرة فى مطار العاصمة الأفغانية كابول.. ولم يكن وجه العجب فى الصورة أن المواطنين تجمعوا حول الطائرة فى مكانها، رغم أنهم ظهروا وكأنهم يتحلقون حول ميكروباص ينقل الأشخاص بالنفر.. فلقد رأيت مثل هذا المنظر بنفسى قبل سنوات فى مطار دولة عربية لا أريد أن أسميها.. كان وجه العجب الحقيقى أن بعضهم تسلق الطائرة ثم جلس فوق سقفها!.. وقد بدت الطائرة من بعيد وكأنها عربة قطار يتجمع الركاب «المزوغون» فوقها هرباً من الكمسارى!.

وكانت الصورة الثانية هى التى التقطها مصور الوكالة الفرنسية، ونشرتها صحيفة «الشرق الأوسط» فى صدر صفحتها الأولى أمس الأول السبت!.. والحقيقة أن صور وعناوين الصفحة الأولى فى هذه الصحيفة الكبيرة هى مدرسة صحفية فى حد ذاتها لمن يرى ويتابع!.. فعندما صدرت الصحيفة فى اليوم التالى لوصول طالبان إلى الحكم كان المانشيت هكذا: أفغانستان تحت عباءة طالبان!.. وهو مانشيت تستطيع أن ترى فيه لمسات رئيس التحرير الأستاذ غسان شربل!.

الصورة كانت من داخل مسجد عبد الرحمن فى كابول أثناء خطبة الجمعة، وفيها ظهر الخطيب يوجه حديثه إلى الجالسين أمامه، بينما ثلاثة من عناصر حركة طالبان يقفون إلى يمينه، وقد صوبوا أسلحتهم الآلية فى اتجاه المصلين!.. وحين وقعت عيناى على الصورة تذكرت مشهداً عُمره ١٤٠٠ سنة، عندما جلس معاوية بن أبى سفيان فى عاصمة الخلافة الأموية دمشق يطلب البيعة لابنه يزيد!.

جلس معاوية فى مشهد قريب جداً من مشهد صلاة الجمعة فى كابول بعد وصول الحركة إلى السلطة.. جلس وقد أمسك السيف فى يمينه، وأجلس يزيد على شماله، ثم راح يخاطب الحاضرين ويقول: أمير المؤمنين هذا، وأشار إلى نفسه.. فإن هلك فهذا، وأشار إلى يزيد.. فمَنْ أبى فهذا، وأشار إلى السيف!!.. ومن بعد ذلك جاء شاعر موهوب فأبدع بيتاً من الشعر يصور مشهد معاوية فى مجمله كما لم يصوره أحد.. قال:

جلوا صارماً وتلوا باطلاً

وقالوا صدقنا فقلنا نعم!

ما بين مشهد معاوية ومشهد مسجد عبد الرحمن تبدو ١٤٠٠ سنة، وكأنها بلا رصيد فى حياة خطيب المسجد والثلاثة الواقفين إلى يمينه.. وبالإجمال فى حياة حركة طالبان التى ارتضت لمشهد كهذا أن يظهر منها على العالم.

نقلا عن "المصري اليوم"