رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

أصول الدولة.. عم نتحدث بالضبط؟

بهاء زياد الدين
بهاء زياد الدين


تابعت فى الفترة الماضية الاهتمام المتزايد للدولة بموضوع الأصول العامة وكيفية إدارتها بما يحقق التنمية الاقتصادية المنشودة.

والواقع أن الرأى العام المصرى قد شهد وسمع - بصبره المعهود - خطابًا رسميًا داعمًا للتمصير والتأميم خلال عقدين من الزمان، ثم للخصخصة وبيع أصول الدولة لأربعة عقود تالية، ثم لخطاب وسياسات «مختلطة» خلال السنوات العشر الماضية، وإن غلبت عليها استعادة دور الدولة فى الاقتصاد.

ومع كل مرة، تغير فيها اتجاه الريح الاقتصادى كان ذلك مصحوبا بذات اليقين والحسم والتأكيد على التعلم من التجارب الدولية والاستفادة من الخبرات العالمية.

ونتيجة لهذه المراوحة اليقينية، بات موضوع أصول الدولة يتلخص فى الاختيار بين نقيضين ليس بينهما أى مساحات للتفاهم: التأميم والخصخصة، القطاع العام والقطاع الخاص، دخول الدولة فى كل الأنشطة الاقتصادية وانسحابها التام، الحق والباطل، بل الحلال والحرام. والحقيقة أن الموضوع لا يحتمل هذه الحديّة، بل الطبيعى أن يحكمه منطق عملى يستند إلى معلومات سليمة.

لذلك واستنادًا لاهتمام الدولة المتزايد بهذا الموضوع، فأقترح المساهمة عن طريق بيان أن المقصود بمفهوم «القطاع العام» أو «أصول الدولة» ليس بالضرورة بديهيًا كما يبدو للوهلة الأولى، بل يحتاج قدرا من التبويب والتوضيح.

الحديث الدارج عن «أصول الدولة» يتجه إلى نوعين: شركات القطاع العام والأراضى المملوكة للدولة. وهذان نوعان مهمان من الأصول العامة وإن كانا لا يعبران عن كل المقصود بالملكية العامة.

الشركات «العامة» أولًا ليست من طائفة واحدة، بل هناك مجموعة محددة منها واقعة تحت مظلة قانون قطاع الأعمال العام الصادر عام ١٩٩١ وإشراف الوزارة التى تحمل ذات الاسم، وهى الشركات التى كان يفترض أن يجرى الإعداد لتطويرها ثم خصخصتها. وقد بيع عدد منها بالفعل خلال العقدين السابقين على ثورة يناير.. ولكن خارج هذه المجموعة المحددة يوجد عالم كبير من شركات «القطاع العام» التى لم تدخل تحت مظلة «قطاع الأعمال العام» وبقيت تابعة لوزارات وهيئات مختلفة وللخزانة العامة مباشرة وفيها الجانب الأكبر من العمالة والإنتاج والموارد الوطنية. ولضرب أمثلة تساعد على إدراك حجم ما نتحدث عنه، فإن فيها شركة مصر للطيران وشركات قطاع البترول والاتصالات والبنوك المملوكة للدولة، ومئات غيرها.

التفرقة الثانية المفيدة أن هناك عالما كبيرا من الشركات التى لا تملكها الدولة مباشرة، ولكن تساهم فيها بحصة الأغلبية أو بالملكية كلها، وهذه لا تظهر فى الحديث عن أصول الدولة بشكل رسمى لأنها من الناحية القانونية شركات قطاع خاص، وإن كانت ملكيتها ومنفعتها الاقتصادية راجعة للدولة. من ذلك مثلًا الشركات المملوكة لبنوك القطاع العام أو لهيئات البترول.

التفرقة الثالثة أن الدولة كانت فى تجربة الخمسينيات والستينيات ساعية لإنشاء قطاع عام مدنى، بينما الآن يوجد قطاع اقتصادى لا يستهان بحجمه وأهميته تابع للجهات السيادية، وبالتالى فهو بالتأكيد يمثل جزءا من أصول الدولة، وإن كان يقع تحت مظلة قانونية وإدارية مختلفة.

وأخيرًا، فإن هناك محفظة متزايدة الحجم من الشركات والأسهم والأصول التى بدأ يتملكها مؤخرا الصندوق السيادى المصرى، حيث يساهم فى مشروعات وأصول ذات طبيعة اقتصادية خاصة أو أهمية قومية، وكل ما يتملكه يقع بدوره فى إطار ملكية الدولة.

أما عن الأراضى والعقارات، فتلك أيضا متعددة الطوائف. فيوجد منها المبنى والفضاء، وما يعتبر مملوكا للدولة ملكية خاصة وما يعتبر ملكا عاما، وفيها الأراضى التى تملكها جهات عامة معينة كهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة وهيئة التنمية السياحية وهيئة التنمية الصناعية والمحافظات، بينما توجد أيضا أراضٍ مملوكة للدولة بشكل عام ودون تخصيص للجهة المالكة.

لماذا أفردت هذا المقال للحديث عن أنواع «أصول الدولة»؟

لاعتقادى أن الحديث والنقاش المجتمعى المطلوب حول كيفية إدارة الدولة لأصولها يجب أن يستند إلى فهم مشترك لما نقصده بتلك الأصول، ولمعلومات سليمة حولها، ولإدراك أنها لا تقع جميعًا تحت إشراف أو ملكية جهة واحدة فى البلد، وأنها أكثر بكثير مما يعبر عنه تعبير «القطاع العام»، والتعامل معها لا يمكن أن يكون بأسلوب واحد.

المجتمع صار واعيًا بالشأن الاقتصادى أكثر مما كان فى الماضى، ومن حقه المعرفة والمتابعة والمشاركة، وعلينا أن نخرج جميعا من القوالب الجامدة التى حكمت هذا الموضوع سابقا حتى لا نظل دائرين فى إشكالية التأميم والخصخصة، ونتقدم نحو إدارة رشيدة باتت مطلوبة فى التعامل مع هذا الملف المهم.
نقلا عن "المصري اليوم"