رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

زيارة لقرية صعيدية

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

أسعدنى الحظ وقضيت ثلاثة أيام من إجازة العيد فى إحدى قرى محافظة أسيوط، وعدت للقاهرة ظهر الخميس.
أحد أسباب السعادة خلال الزيارة إننى قابلت كثيرا من الناس، والجميع يسأل عن موضوعات الساعة، وماذا سيحدث فى سد النهضة، وهل ستقبل إثيوبيا باتفاق قانونى وملزم، أم أنها ستواصل التحدى والتجبر إلا إذا تشعر وترى العين الحمرا المصرية؟.. والموضوع الثانى هو ما الذى سيحدث للقرى بعد تنفيذ مبادرة «حياة كريمة».
جميع من قابلتهم سألونى كثيرا، لكننى سألتهم بدورى عن أحوالهم وظروفهم. وكانت الحصيلة كالآتى:
معظم من قابلتهم سعداء بما حدث فى ملف البنية التحتية، خصوصا إنشاء الطرق والكبارى، وترميم وتطوير الطرق القديمة. وسعداء أكثر بالمحاور التى يتم تنفيذها على نهر النيل وتربط بين الطريقين الصحراوى الغربى والصحراوى الشرقى وجعلت تنقلاتهم سهلة وميسرة. هذا الرأى يقوله حتى بعض المعارضين للحكومة.
إحدى ملاحظاتى العابرة أن عدد السيارات الملاكى قد انتشر بصورة كبيرة فى القرية، إضافة بالطبع إلى التكاتك و«التريسكل» والأخير صار أساسيا للمزارعين، حيث يستخدمونه لنقل الأسمدة أو المحاصيل خصوصا البرسيم كبديل عصرى عن الدواب.
عدد المبانى الحديثة زاد بصورة كبيرة، لكن ذلك جاء على حساب الرقعة الزراعية الضيقة أصلا.
صحيح أن هناك نسبة استصلاح أراضٍ صحراوية كثيرة فى الظهير الصحراوى الغربى لغالبية قرى الصعيد، لكن المؤكد أن عددا قليلا جدا من الناس هم الذين انتقلوا للحياة فى بيوت على أراضٍ صحراوية، باستثناء المدن الجديدة التى بدأت الدولة تبنيها فى الظهيرين الصحراويين الغربى والشرقى.
أحد من قابلتهم قال لى إن إحدى المشاكل التى يفترض أن تجد لها الحكومة حلا حقيقيا خصوصا، وهى تنفذ مبادرة «حياة كريمة»، هى مقاومة انتشار المخدرات فى الصعيد والبحث عن حل حقيقى لمشكلة الدبلومات الفنية التى صار التعليم فيها غير موجود فعليا. عدد كبير من أولياء الأمور تغربوا فى الخليج لتوفير حياة كريمة لأولادهم، لكن المشكلة أن غيابهم وزيادة الأموال فى أيدى أبنائهم، أنتج جيلا من الشباب، الذى لا يقدر المسئولية مما أدى إلى انتشار المخدرات.
الوعى الصحى ما يزال ضعيفا جدا فى القرى المصرية، خصوصا الصعيد، وارتداء الكمامة، أمر نادر جدا، بل إن من يرتديها قد يتعرض للسخرية من محيطه العام. وعلى الرغم من كثرة الإصابات والوفيات فى ذروة انتشار كورونا قبل شهرين، فإن ذلك لم يردع غالبية الناس خصوصا أن تطبيق الإجراءات الاحترازية ما يزال ضعيفا أو شكليا.
لكن يحسب للقرية أن الروابط الاجتماعية فيها ما تزال قوية إلى حد ما، صحيح أنها تراجعت عما كان موجودا فى الماضى، إلا أنها تعتبر جيدة مقارنة بما هو موجود فى المدينة، وما تزال القيم الأساسية مقدرة فى القرى. لكنها تحتاج إلى تعزيز وترسيخ فى ظل الدور السلبى الذى يلعبه «الموبايل» فى نشر قيم وعادات وتقاليد دخيلة تماما على المجتمع المصرى عموما، والمجتمع الصعيدى خصوصا.
من مشاهدات ونقاشات عامة يمكن القول إن تأثير الجماعات المتطرفة والظلامية تراجع إلى حد كبير، لكن ما تزال هناك شكاوى كثيرة من قضايا ومشاكل وهموم تتعلق بالأوضاع الاقتصادية، وبالتالى ينبغى على الحكومة أن تستمع بهدوء إلى هموم الناس خصوصا الفلاحين الذين يعانى كثير منهم خصوصا الصغار من مشاكل صعبة كثيرة. مما يستلزم من الحكومة الإنصات لهذه المشاكل.
جيد جدا أن تنفذ الحكومة مبادرة «حياة كريمة»، لكن الأكثر جودة أن تضمن أيضا حل مشاكل الفلاحين، كى تعود القرية المصرية منتجة، وهذا موضوع فى غاية الأهمية يحتاج نقاشا مفصلا.

نقلا عن "الشروق"