رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

أسرار العالم الخفى لمافيا التسول الإليكترونى

التسول الإلكتروني
التسول الإلكتروني


يلجأ المتسولون إلى مواقع التواصل الاجتماعى، كوسيلة لاستجداء روادها من الناس للحصول على أموال، وذلك بنفس الطريقة التقليدية المعتادة التي نشاهدها في الشوارع والطرقات والمواصلات، وأصبحت ظاهرة حقيقية موجودة في المجتمع المصري، ويطلق عليها التسول «أون لاين».

يرى الخبراء أن التسول «أون لاين» هو ظاهرة وليدة فيروس كورونا، وستظل مستمرة، ولن تنتهي بانحسار الفيروس، وأرجعوا أسباب ذلك إلى أساليب الإقناع التي يستخدمونها المتسولون والتي تكون ذات فاعلية أكبر، فضلًا عن أن المتسول يختبئ خلف شاشة لا يتمكن الفرد من كشف هويته أو مدى حاجته إلى المال من عدمه.

وعلى الرغم من الجهود المبذولة من جهاز مباحث الإنترنت التابع لوزارة الداخلية وإدارة التوثيق والمعلومات لمنع الجرائم الإلكترونية والحد من وقوعها، إلا أن هذه الظاهرة باتت تُشكل خطرًا على المجتمع وتستوجب تسليط الضوء عليها لما لها من سلبيات اجتماعية وخيمة.

أسماء وهمية
وتزخر منصة «فيسبوك»، بطلبات ومناشدات لمساعدة أسر وأشخاص مجهولين، يكتبون منشورات لطلب المساعدات المادية بدعوى الحاجة والعوز، تحت أسماء وصور وهمية، ففى أحد الجروبات الخاصة كتب حساب منشورًا يقول فيه: «أولًا بشكر جدًا حبيبتي اللي عرفتني على الجروب ده، وأنا شوفت قد إيه أنتم ناس أولاد حلال، ربنا يسعدكم ويجبر بخاطركم زى ما بتجبروا خواطر الناس وتفرحوهم وتكونوا سبب في تغير حياتهم وتدخلوا الفرحة على قلبهم».

ويكمل: «أتمنى من ربنا أنكم تساعدوا أختى وربنا يكتبه في ميزان حسناتكم.. يا رب أدخلوا الفرحة عليها ربنا ما يوجعكم على غالى عليكم يا رب، ويسعدكم ويحفظ لكم أولادكم يا رب، وما تشوفوا فيهم حاجة وحشة أبدا يا رب، أختى عندها نقص في أوتار يدها وده مؤثر على يدها كلها، وأهلي مش معهم يعملوا لها عملية، ربنا يخليكم يا رب ساعدوها تعملها؛ وتكونوا سبب في إسعادها.. والله تعايرت من أقرب الناس لينا، وهيا تعبانة نفسيا، كونوا سبب فرحتها، وربنا يجبر بخاطر كل واحد ووحدة يقف معها ويسعدها يا رب، ويحفظ لكم أولادكم».

أغرب واقعة بث مباشر
وفي واقعة تُعد الأولى والأغرب من نوعها، حينما لجأت سيدة مطلقة إلى حيلة «التسول أون لاين» مستخدمة طفلتيها للتسول عبر الفضاء الإلكتروني، بعدما أنشأت حسابًا لها على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، وظهرت في «بث مباشر» مع طفلتيها تطالب خلاله بقول كلمة «بابا» لبعض الأشخاص، مقابل الحصول على هدية ترسل لها عبر أحد التطبيقات الإلكترونية، والتي تتعامل بنظام «النقاط مقابل الأموال».

ولم تنجح السيدة المذكورة في عملية «التسول الإلكتروني»، بطفلتيها، خاصة بعدما شاهد طليقها بعض الفيديوهات، وبموجب ذلك حرر الأخير محضرًا ضد طليقته، يطالب فيه بإثبات هذه الوقائع، وأرفق بالمحضر مجموعة من الفيديوهات التي تظهر فيها طفلتيه أثناء استجداء الأم عطف رواد موقع التواصل الاجتماعي للحصول على المال، مطالبًا بالحصول على حضانة طفلتيه لإنقاذهما من تنشئة غير سليمة.

وبعد الاطلاع على المستندات المقدمة ومشاهدة الفيديوهات قررت النيابة العامة قيد الأوراق جنحة حسب المواد 95، و96، و116 مكرر من القانون 112 لسنة 1996 والمعدل بالقانون 126 لسنة 2008 وفندت النيابة أسباب ذلك في نقطتين وهما، أن الأم عرّضت طفلتيها للخطر، وذلك بأن وجدا في حالة تهدد سلامة تنشئتهما معرضة أخلاقهما وحياتهما للخطر وتعرضا للأعمال المنافية للآداب، وأنها استخدمت حسابًا خاصًا على الشبكة المعلوماتية بقصد تسهيل ارتكاب الجريمة محل الاتهام السابق.

الأمر لم يتوقف عند حد «تحرك النيابة» حيث تدخلت لجنة حماية الطفل بعد أن أرسلت إليها نسخة من الأوراق، وقررت اللجنة إرسال توصيتها للنيابة، وأوصت اللجنة باتخاذ اللازم قانونيًا حيال الأم المتسببة في تعريض حياة الأطفال وسلوكياتهما وأخلاقهما وسلامة تنشئتهما للخطر، وتسليم الطفلتين للجدة للأب كعائل مؤتمن مع أخذ التعهد عليها بحسن رعايتهما لحين الفصل في دعوى إسقاط الحضانة حفاظًا على الأطفال وتحقيقًا لمصلحتهما الفضلى.

متسولة نصابة
وفي البساتين، ظهرت سيدة على الجروبات بـ«فيسبوك» بحساب تحت اسم وهمي، تكتب خلاله منشورات تطلب المساعدة، وتستهدف أصحاب المحالات التي لديها صفحات على الفيس، لتدخل عليهم وتطلب منهم مساعدتهم لها لكونها مهددة بالطرد من مسكنها بسبب عدم قدرتها على دفع الإيجار، وكانت تذهب لهم بعد التواصل معهم ونجاحها في إقناعهم بحاجتها للمال، لتحصل منهم على الأموال.

ويقول أحد أصحاب المحالات بمنطقة البساتين «إن هذه السيدة تواصلت معي عن طريق حسابي على فيسبوك، وطلبت مني المساعدة، لكني لم أتأخر عنها، وقدمت لها اللي فيه النصيب، وعلمت أنها كانت تروح لكثير غيري، ولم يتأخروا في تقديم المساعدات لها، وأحد رجال الأعمال أعطى لها مبلغ بقيمة 4 أشهر إيجارا لسكنها مقدم، ولكن فوجئت بعد ذلك أنها راحت لأحد المطاعم القريبة مني، وطلبت منهم طلبات على حسابي، بعدها شكيت في أمرها، ووجدت أحد الأصدقاء يتحدث عنها بأنها سيدة نصابة، وتبين فيما بعد أن المنزل الذي تسكن به هذه السيدة ملكها وتأكدت أنها كذابة».

عالم الإنترنت في التسول
من ناحيته يقول، رشاد عبد اللطيف، أستاذ تنظيم المجتمع بكلية الخدمة الاجتماعية بجامعة حلوان، إن التسول الإلكترونى زادت حدته خلال شهر رمضان بسبب استعطاف الأفراد وحثهم على المسارعة لعمل الخير، لافتًا إلى أنّ تلك الفئة التى تستخدم عالم الإنترنت فى التسول تختلف تمامًا عن التي كنا نشاهدها فى الشوارع خلال السنوات الماضية.

ويتابع: «التسول على الإنترنت يحتاج ناس تكون متدربة على استخدام الداتا وطرق وأساليب الإقناع، وفى الغالب يكونون محترفين، فمن المستحيل يكون المتسولون بالشوارع هما نفسهم على الفيسبوك، لأنه ببساطة من هم فى الشارع يتبعون نفس الأسلوب لكن ليس لديهم القدرة الكافية على استخدام التكنولوجيا الحديثة».

وأوضح أستاذ تنظيم المجتمع بكلية الخدمة الاجتماعية بجامعة حلوان، أنّه من الممكن أن يكون هؤلاء المتسولون محتاجين بالفعل، واضطرارهم لاستخدام الإنترنت سببه الهروب من الخزى والعار الذى من المتوقع أن يلاحقهم أثناء ممارسة تلك الظاهرة فى الشوارع، لكنهم من الوارد أن يكونوا ضمن شبكة كبيرة تعمل على إقناع المتابعين أو من لديهم حسابات على موقع «فيسبوك» بأعمال ومشاريع خيرية وهمية من أجل الحصول على المال، مستخدمين أساليب الجمعيات الخيرية فى جمع التبرعات. متابعًا: «وممكن يكونوا أشخاص بيتسولوا بشكل فردى».

إن التسول ظاهرة قديمة جدا وتتطور بتطور التكنولوجيا، وهناك صفات ارتبطت بالمتسول الإلكترونى الذى يحصل على الأموال من أهل الخير بكل العملات والوسيلة مجرد رسائل فهو متسول من نوع خاص لا يرتدى ملابس قديمة أو يزاحمك في المواصلات أو يطاردك في الشوارع ولا يجلس في مكان بعينه بل يجلس في بيته وفى أماكن مختلفة أمام حاسوبه وهاتفه، ويصل إليك أينما كنت، ويتسلل المتسولون الجدد إلى المجموعات الإلكترونية من خلال طلبات التبرع للغارمات والمحتاجين؛ حيث يطلبون تحويل أموال على أرقام خاصة دون تحديد هوية الغارمات.

جرائم الإنترنت
تُستخدم كافة مواقع التواصل الاجتماعي استخدامات غير عادية في كافة أنواع الجرائم، ويحضرنا الواقعة التي ضبطتها إدارة تكنولوجيا المعلومات الخاصة بقيام أحد الأشخاص بالإعلان عن تصنيع وبيع الأسلحة البيضاء بدون ترخيص من خلال صفحة يديرها عبر «فيسبوك».. بهذه الكلمات بدأ اللواء رأفت الشرقاوي، مساعد وزير الداخلية لقطاع الأمن العام السابق، مؤكدًا أن كل جرائم التهديد والابتزاز التي تتعرض لها الفتيات والسيدات أساسها الإنترنت.

وأضاف مساعد وزير الداخلية لقطاع الأمن العام السابق لـ«النبأ» أن التسول الإلكتروني هو من ضمن الجرائم المستحدثة؛ من ناحية، ويدخل ضمنه عمليات النصب من ناحية أخرى، وهذه الأمور تُشكل خطرًا على المجتمع، مؤكدًا على عدم الانخراط أو عدم السير وراء كافة هذه الأشياء التي يستخدمها المتسولون على «السوشيال ميديا»، خاصة من هم ليس لهم أساس أو يظهرون لأول مرة، ولا يستعطفكم شخص أو سيدة بأحد الأطفال أو أن أحد لديه مريض ويحتاجون الأموال من أجل الإنفاق على علاجه، ولأن في النهاية ستكتشف أن كل ذلك نصب في نصب.

وأشار «الشرقاوي» إلى أن كل الأموال التي جُمعت في فترتي «الثمانينيات والسبعينيات» إلى أن تم ضبط الجماعة المحظورة، كانت عن طريق «التسول» التبرع بالمال بدعوى: «الحقوا إخوانكم في الصومال، الحقوا إخوانكم في أفغانستان، الحقوا إخوانكم في الشيشان»، مؤكدًا أن هذه الأموال التي كانت تُجمع خلال تلك الفترة ليجلبوا أسلحة يحاربون بها المجتمع، ويقضوا على الكيان الموجود بها، مناشدًا الإعلام بالقيام بدوره في توعية الناس بعدم الانخراط أو السير وراء هذه الدعوات إلا من خلال الجمعيات التابعة للدولة، والتي تكون عليها رقابة؛ لأن كافة تصاريح جمع الأموال أو الإعانات التي تحصل عليها تلك الجمعيات خاضعة لمراقبة شاملة من الشئون الاجتماعية.