رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

مشكلات رئيس

عمرو الشوبكي
عمرو الشوبكي

مرَّ ما يقرب من عامين على انتخاب الرئيس التونسى قيس سعيد، خسر فيهما جانبًا من شعبيته التى أوصلته للسلطة فى عام 2019 بأغلبية كاسحة بلغت 76%، وبحملة كان وقودها الشباب وبإمكانات مادية معدومة، فكان مصدر إلهام للكثيرين فى مواجهة «المال السياسى» وتجار الانتخابات.

والرجل يتمتع بالنزاهة، ومحارب للفساد دون سلاح، وهو أيضًا من خارج المنظومة الحزبية، فهو لا ينتمى لحزب ولم يؤسس حزبًا فى بلد يمر بعملية انتقال ديمقراطى صعبة، وأعطى دستوره صلاحيات كبيرة لرئيس الحكومة على حساب رئيس الجمهورية جعلت المركب «بريسين».

فعلى سبيل المثال، قدم قيس سعيد فى برنامجه الانتخابى رؤية متكاملة (حالمة ولكنها قابلة للتطبيق) حول قضايا دعم اللامركزية والمجتمعات القروية وإعطاء المبادرة للمحليات ومحاربة البطالة والفقر، واكتشف بعد أن أصبح رئيسًا أنه لا يستطيع أن يطبق حرفًا واحدًا من هذا البرنامج لأنها أمور فى صلب صلاحيات رئيس الحكومة الذى لن يختاره، إنما سيختاره برلمان منقسم بين حركة النهضة (52 مقعدًا)، و«قلب تونس» (38 مقعدًا)، ثم التيار الديمقراطى الاجتماعى (22 مقعدًا)، وائتلاف الكرامة (21 مقعدًا)، ثم الحزب الدستورى الحر (17 مقعدًا)، وتحيا تونس (14 مقعدًا)، وحصلت باقى القوى على ما بين مقعد و4 مقاعد.

هذا التفتيت البرلمانى جعل الكتلتين الكبيرتين وقوى أخرى تدعم رئيس الحكومة هشام المشيشى رغم اعتراض رئيس الجمهورية عليه وعلى 4 من وزرائه، وأصبحنا أمام نظام سياسى وضع عراقيل أمام فاعليته بإضعاف صلاحيات رئيس الجمهورية لصالح رئيس الحكومة.

والحقيقة أن تيار رئيس جمهورية «منزوع الصلاحيات» ظل قويًا فى كل من تونس ومصر عقب ثورتيهما، فمازلت أذكر أثناء اجتماعات لجنة الخمسين لكتابة الدستور المصرى كان هناك تيار قوى يؤيد الانتقال للنظام البرلمانى ووقفت مع عدد من الزملاء من أجل التمسك بالنظام الرئاسى الديمقراطى أو ما استُقر على تسميته بالنظام شبه الرئاسى، كما هو مطبق فى فرنسا، ويوجد فيه رئيس وزراء وحكومة منتخبة من البرلمان، ولكن رأس السلطة التنفيذية هو رئيس الجمهورية المنتخب من الشعب وله حق الفيتو ووضع السياسات العامة واختيار وعزل وزراء السيادة الأربعة بجانب صلاحياته المطلقة فى السياسة الخارجية والدفاع والأمن القومى.

لا توجد دولة فى العالم يُنتخب فيها رئيس الجمهورية انتخابًا حرًا مباشرًا من الشعب ولا يكون نظامها رئاسيًا واضحًا، فحين تفقد الملايين الثقة فى قدرة رئيسها على تحقيق وعوده فهى تفقد الثقة فى العملية السياسية برمتها وليس فقط فى الرئيس، والمطلوب فى تونس إما تعزيز صلاحيات رئيس الجمهورية والانتقال نحو نظام رئاسى ديمقراطى، وهو توجه شروطه غير متوفرة حاليًا، أو الانتحار بالاتجاه نحو النظام البرلمانى (الحمد لله غير وارد)، أو بقاء الحال على ما هو عليه حتى فرج الله، وإن شاء الله يكون قريبًا.
نقلا عن "المصري اليوم"