رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

متحف محمد محمود خليل ثروة عالمية مذهلة

الدكتور محمد أبو
الدكتور محمد أبو الغار


أعيد افتتاح متحف محمد محمود خليل، الذى تقدر مقتنياته بمئات الملايين من الدولارات، وقيمتها الفنية لا تقدر بثمن، وتضاهى أعظم المجموعات فى أوروبا وأمريكا. محمد محمود خليل ولد عام 1877 من أسرة ثرية تملك أراضى شاسعة، وبعد دراسة الزراعة سافر إلى فرنسا ودرس الحقوق فى السوربون وتزوج من إميلين الفتاة الفرنسية عام 1901، ولم ينجب أطفالًا وتوفى فى ديسمبر 1953. اهتم من شبابه بالفن وأسس مع الأمير يوسف كمال جمعية الفنون الجميلة عام 1924، وأصبح رئيسها عام 1925 وحتى وفاته. عين وزيرًا للزراعة عام 1937 ورئيسًا لمجلس الشيوخ عام 1939 وكانت علاقته بالملك فؤاد غير جيدة لأنه لم يهتم بالتودد له، ولذا لم يحصل على الباشوية، ولم يحصل عليها فى عهد الملك فاروق عندما وصل إلى مسامعه أنه قال إن الباشوية ورقة لا تساوى الحبر الذى كتبت به.

كان مهتمًا بالفنون المصرية والعالمية فاشترك عام 1937 بمجموعته الخاصة فى معرض مصر فرنسا فى باريس، وأشرف على الجناح المصرى فى المعرض الدولى للفنون فى باريس، وحضره الملك فاروق، وكان يشترى الفنون العالمية لنفسه، واهتم بالفن المصرى الحديث واشترى لنفسه وأهدى وزارة المعارف ومتحف الاسكندرية عددًا كبيرًا من القطع الفنية المميزة، وكانت القصور الملكية وقصور الأمراء تعهد إليه بشراء لوحات وتماثيل عالمية لخبرته الواسعة وذوقه المتميز.

كان محمود خليل مثقفًا موسوعيًا فكان ميعاد الساعة السادسة مساء الأحد من كل أسبوع هو زيارة ثقافية لطه حسين.

بنى خليل قصره عام 1915 على مساحة 8 آلاف متر مربع على النيل فى شارع الجيزة، وهو تحفة معمارية وله حديقة رائعة وأصبح الآن مقر متحفه. بدأ اقتناء اللوحات منذ بداية القرن العشرين، ويحكى أن زوجته فى عام 1901 اشترت لوحة للفنان الفرنسى الشهير رينوار بمبلغ 400 جنيه، واعتبر مبلغًا ضخمًا آنذاك، وفى عام 1953 قدرت اللوحة بمبلغ 40 مليون دولار، والآن قيمتها أضعاف ذلك المبلغ.

استمر خليل فى اقتناء اللوحات لكبار الفنانين حتى أصبح المتحف يحوى 403 لوحات و42 تمثالًا من أعمال 143 فنانًا، وتحوى مجموعات من أعمال جوجان وفان جوخ ورينوار وجان باتيست ومونيه وألفريد سيسلى وبودان ولاتور فانتان وديجا وديلاكروا، ومن المثالين عدد كبير من تماثيل النحات الفرنسى الأشهر رودان منها تمثال «المفكر» الشهير، بالإضافة إلى ذلك هناك عدد كبير من الفازات القيمة الأثرية التى لا تقدر بثمن، وعدد كبير من اللوحات الصغيرة والمنمنمات والسجاد والنجف النادر الأثرى.

وقد انتخب خليل فى عام 1948 مراسلًا للأكاديمية الفرنسية للفنون الجميلة، وأصبح عضوًا بها عام 1949. وقد أوصى خليل بالقصر ومحتوياته لزوجته، واتفق معها أن تتبرع بالقصر للدولة المصرية بعد وفاتها.

وعاشت زوجته فى القصر حتى عام 1960 وكتبت وصيتها فى 11 مايو 1960 وهى تهدى القصر بمحتوياته إلى الدولة المصرية، على أن يستمر متحفًا متاحًا للدخول مجانًا أو بمبالغ زهيدة حتى يستطيع جميع المصريين زيارة المتحف. وقد تم افتتاح القصر بعد تجهيزه للعرض المتحفى فى 23 يوليو عام 1962.

وفى عام 1972 قرر الرئيس السادات الذى كان بيته مجاورًا للمتحف اتخاذ المتحف مكتبًا له، فأبقى على النجف والسجاد، ونقلت اللوحات والأثاث إلى قصر البرنس عمرو باشا إبراهيم فى الزمالك، حيث أصبح المقر المؤقت للمتحف لمدة عشر سنوات، وبعدها عادت الكنوز إلى قصر محمد محمود خليل، وعلق توفيق الحكيم قائلًا: العادة الجارية فى العالم أن تتحول القصور إلى متاحف لا أن تتحول المتاحف إلى ملحقات بالقصور. وأثناء زيارتى لم أشاهد أثاث المنزل التاريخى وكذلك مكتب خليل الشهير ولا مجموعة السجاد والجوبلان والكتب النادرة، وكتالوجات الفن المرسومة باليد التى كان يمتلكها. أرجو أن يكون قد تم تخزينها بأمان لأنها لا تقدر بثمن.

وتعرضت أغلى لوحة فى المتحف للسرقة ثلاث مرات، وهى لوحة زهرة الخشخاش الشهيرة للفنان الأشهر فان جوخ، والتى يقدر ثمنها بمئات الملايين من الدولارات. فى المرة الأولى أخذها طالب بكلية الفنون عام 1960 فى فترة تحويل القصر إلى متحف، ولكنه أعادها مرة أخرى، والمرة الثانية سرقت نفس اللوحة أثناء هجرتها إلى قصر عمرو باشا بالزمالك، ولكنها أعيدت مرة أخرى، والمرة الأخيرة كانت فى 21 أغسطس عام 2010 حين اختفت اللوحة من المتحف وأحدث ذلك دويًا عالميًا ولم يعثر على اللوحة مرة أخرى، وتمت تحقيقات موسعة ومحاكمات وأغلق المتحف لأكثر من 10 سنوات، حتى يتم إعادة تجهيزه بأجهزة أمان إلى أن افتتح الأسبوع الماضى. تم عمل دليل للمتحف فى الأربعينيات، ثم تم طبع دليل آخر فى الستينيات أشرف عليه المؤرخ الفنى صدقى الجباخنجى وريشار موصيرى اليهودى المصرى والخبير الفنى الذى كان يساعد محمد محمود خليل فى الاقتناء.

زار المركز مجموعة من الخبراء الفنيين الفرنسيين لمدة 10 أيام من 31 مارس 1989، لفحص المحتويات والتأكد من أنها أصلية، وتأكدوا من ذلك وسجلوا شهادات وصف دقيق للوحات، وسافرت المجموعة التى لم يرها الشعب الفرنسى من قبل فى عام 1994 للاشتراك فى معرض فى باريس، وعادت لمصر مرة أخرى بأمان.

لقد زرت المتحف عدة مرات عند افتتاحه الأول، وزرته فى قصر عمرو باشا فى الزمالك، وزرته هذا الأسبوع وتمتعت لعدة ساعات بالعرض الشيق الجميل، والذى ينتظر عمل كتالوج قيم يناسب قيمة المعروض.

شكرًا لوزيرة الثقافة والمسؤولين عن الفنون التشكيلية، وأمين المتحف محمود متولى أمين الذى عاش عمرًا مع هذه المجموعة. أدعو المصريين لمشاهدة المتحف الرائع الذى يندر وجود مثله إلا فى بعض دول أوروبا وأمريكا الشمالية.

قوم يا مصرى مصر دايمًا بتناديك.

نقلا عن "المصري اليوم"