رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

لِمَ هذا العزوف عن التطعيم؟

زياد بهاءالدين
زياد بهاءالدين


تتسابق بلدان العالم على تنفيذ برامج عاجلة وطموحة لتطعيم مواطنيها ضد مرض «كورونا»، أملًا فى أن توقف أو تبطئ انتشاره، فتحمى مواطنيها وتعيد اقتصادها لنشاطه السابق.

ولكن ما يجرى فى مصر غريب وباعث على القلق. فمع انطلاق برنامج التطعيم القومى وانتظام أدائه خلال الأسبوعين الماضيين وسهولة التسجيل فيه والحصول على الخدمة مجانيا، إلا أن هناك حالة واسعة من التردد، بل حالة من العزوف عن الحصول على التطعيم سائدة فى المجتمع وبين مختلف فئاته وطبقاته. وهذا فيما أعلم وضع غير مريح لأنه يعرّض حياة الناس للخطر بسبب مرض فتاك لا يزال الأطباء عاجزين عن فهم طبيعته وتداعياته وتحولاته بالشكل الكامل، كما أنه يحد من فاعلية برنامج التطعيم القومى للبلد بشكلٍ عام، لأن من يجرى تطعيمه يحمى نفسه ومن حوله أيضا، ولو بدرجة ما. فالقضية ليست شخصية يختار كل واحد موقفه منها ويتحمل عواقبها، بل قضية اجتماعية يتأثر فيها الجميع بنسبة التطعيم فى المجتمع وسرعته وكفاءته.

وقَولى بأن هناك عزوفا واضحا من الناس لا يستند إلى مجرد المتابعة الشخصية للمحيطين بى فى القاهرة وخارجها، وإنما تدعمه البيانات الصادرة من وزارة الصحة نفسها، وكذلك الإحصاءات والمقارنات الدولية المتاحة، ومناشدات الأطباء والمتخصصين، التى تُبين كلها أن مصر لا تزال من الدول المنخفضة فيها نسبة التطعيم للغاية. والأكيد أيضا أن السبب المباشر هو عزوف الناس عن التسجيل بعدما صار متاحا للجميع وبالمجان، وأن هذا الوضع يهدد باستمرار نزيف الخسائر البشرية والاقتصادية.

لهذا يلزم التقدم خطوة أخرى وطرح التساؤل عما يجعل غالبية الناس عازفين عن التسجيل، وتقديرى أن هناك عوامل عديدة ومتداخلة وراء هذه الحالة:

من جهة أولى، فإن البرنامج القومى للتطعيم بدأ بداية مضطربة للغاية فى توقيته وإتاحته وتكلفته والمستفيدين منه قبل أن ينتظم فى الأسابيع الأخيرة، وعانى من بطء الاستجابة لمن سجلوا مبكرا وانتظارهم عدة أسابيع قبل أن يصيبهم الدور، وكل هذا أعطى انطباعا بأن النظام لا يعمل بكفاءة، وظل هذا الانطباع قائما حتى بعد انتظامه فى الأسبوعين الماضيين.

من جهةٍ ثانية، فإن النقص الشديد فى المعلومات الرسمية والدقيقة حول التطعيم وأنواعه وآثاره ومخاطره يفتح الباب لاختلاط الحقائق بالأساطير، والعلم بالخرافة. صحيح أن هناك جدلا علميا دوليا حول آثار بعض الأمصال، وأن بعض البلدان علقت استخدام أنواع معينة لحين استكمال بعض الدراسات والمراجعات، ولكن هذا يختلف عما يتردد بين الناس - حتى بين الفئات الأكثر تعليما واطلاعا - بأن برنامج التطعيم المصرى ليس حقيقيا بل مجرد توزيع «فيتامينات» لا أثر لها فى الحماية من المرض، أو أن النوعية المتاحة فى مصر أقل كفاءة من المطلوب لأنها «بقايا» دول أخرى، أو أن الآثار الجانبية قد تؤثر فى قدرات المواطنين مستقبلا.. إلى آخر مجموعة الأساطير الناجمة عن غياب الثقة حيال كل ما هو رسمى.

وأخيرًا، فان هناك بعض الصعوبات التى تواجه الناس فى التسجيل نفسه، فليس كل من لديه هاتف محمول بالضرورة قادرا على استخدامه بسهولة كما يقال كثيرا، بل المساعدة والتوضيح مطلوبان لكثير من الناس.

التوعية مطلوبة، ولكن هذا لا يكفى معه مجرد إعلانات فى الشوارع وبيانات رسمية من وزارة الصحة، بل هذه قضية مجتمع. والناس تحتاج لسماع أكثر من صوت وأكثر من رأى من جهات وأشخاص مختلفين يثق الناس فيهم. وقد لفت نظرى أن تسجيلا قصيرا جرى تداوله على مواقع التواصل الاجتماعى للدكتور محمد أبو الغار - الطبيب المعروف والسياسى والكاتب ذى المصداقية الكبيرة - يدعو فيه إلى التطعيم والمشاركة، وقد لقى اهتماما وانتشارا واسعين لأنه واضح ودقيق وبسيط (رغم أنه كان فى الأصل موجها للأطباء) ونابع من موقف وطنى وعلمى وإنسانى واضح وصادق.

وفى تقديرى، أن الاستعانة بأصحاب الخبرات والعلم من خارج الجهات الرسمية مطلوبة لنشر الوعى والتفاعل مع مخاوف الناس.

كذلك فإن هذه لحظة مهمة لتدخل الجمعيات الأهلية - لو سمح لها - لأنها قادرة على التواصل مع الناس ومساعدتهم على التسجيل والمتابعة والاستعداد، وهذه مهمة المجتمع المدنى التى صارت غائبة بسبب القيود والمخاوف.

لا أزعم علمًا بالجانب الطبى، وبعض المخاوف قد تكون فى محلها، ولكن المزيد من النقاش والتوعية والشراكة بين الدولة والمجتمع والوسط الطبى هو المسار السليم لتجاوز هذه المحنة.

نقلا عن "المصري اليوم"