رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

الشفافية في تصفية «الحديد والصلب»!!

محمد سعد عبد الحفيظ
محمد سعد عبد الحفيظ


فى يوم واحد قدم وزير قطاع الأعمال هشام توفيق اعتذارين عن تصريحات وقرارات صدرت منه بشأن عملية تصفية مصنع الحديد والصلب. الأول أمام مجلس النواب الخميس الماضى عندما اعتذر عن تأخره فى اتخاذ قرار تصفية الشركة لمدة عام، «لم نترك أى شىء يمكن من خلاله إصلاح الشركة إلا وقمنا به، ويعز علينا غلق هذا الرمز، لكن المصنع لا سبيل لتطويره.. ولو اعتذرت للشعب فسوف يكون اعتذارا عن التأخير لمدة عام فى اتخاذ القرار».
أما الاعتذار الثانى، فكان فى مساء ذات اليوم، عندما تراجع عن تصريحاته السابقة التى سَفه فيها ممتلكات وأصول شركة مملوكة للشعب. فعندما سُئل الوزير فى مداخلة تلفزيونية عن ممتلكات المصنع قال: «كلام فارغ والمصنع مايسواش 10 صاغ»، وعلى إثر ما سببه التعبير من غضب عام، راجع توفيق كلامه وقال عقب بعد مغادرته مجلس النواب أن «تعبير مايسواش 10 صاغ» كان اندفاعا منه، وأن مساحة أرض المصنع بالتبين والتى تصل إلى 1400 فدان «سيتم بيعها لتسوية ديون تزيد على 8 مليارات جنيه، فضلا عن تعويضات العاملين والتى تتجاوز المليارى جنيه».
ما بين الاعتذارين، تحدث توفيق عن خسائر وديون مليارية، بسبب تقادم تكنولوجيا المصنع وانخفاض تركيز الحديد فى الخام المستخرج من مناجم الواحات وزيادة استهلاك الوقود بسبب سوء حالة الأفران وغيرها من المبررات التى نسمعها مع قرار تصفية أو خصخصة أى شركة.
قد يختلف البعض مع مبدأ امتلاك الدولة لأدوات إنتاج، وقد يعارض البعض قرارات الخصخصة، إلا أن أحدا لا يختلف على مبادئ الشفافية والمحاسبة والرقابة سواء ظلت تلك الأدوات مملوكة للدولة، أو تم بيعها.
فى مصر ومنذ انطلاق قطار الخصخصة غابت تلك المبادئ، وتم التعامل مع الشعب المالك الأصلى باعتباره غير موجود وليس من حقه أن يعرف أو يبدى رأيه، فغُيبت عنه المعلومات والتقارير والأسباب التى دفعت الحكومات المتعاقبة لاتخاذ قرارات بيع مصانع وشركات كانت فى يوم من الأيام ركيزة للاقتصاد المصرى، وحائط صد للأمن القومى فى أوقات الحروب والأزمات.
فى عمليات الخصخصة والتصفية السابقة والحالية، لا تبادر الحكومة ممثلة فى وزارة قطاع الأعمال إلى مخاطبة الشعب عبر ممثليه فى البرلمان، أو وسائل الإعلام بما يجرى فى الشركات التى تنوى بيعها إلا بعد صدور القرار، ليخرج المسئولون يبررون البيع أو التصفية بإعادة تدوير تعبيرات الخسائر والماكينات المتهالكة والتكلفة التى لا تستطيع الدولة تحملها.
فى تصفية «الحديد والصلب»، كرر الوزير نفس العبارات التى مرت على مسامعنا فى كل عملية خصخصة، وقال أمام البرلمان، إن كل دراسات التطوير التى أجرتها شركات عالمية متخصصة أكدت عدم جدوى استمرار الشركة.
من ضمن ما ذكر الوزير تقرير لشركة «تاتا استيل» الهندية التى أعدت دراسة لتطوير الشركة قبل عامين بتكليف مع وزارة قطاع الأعمال. وتضمنت الدراسة نقاط القوة والضعف وتحليلا للمخاطر بالمصنع، كما أفردت مساحة للتحديات المتوقعة، ووضعت فى الختام خطة للتطوير تمتد 5 سنوات وتشمل تعديل التشريعات الخاصة بالبيئة، وضخ استثمارات إضافية تصل إلى 367 مليون دولار بالإضافة إلى 60 مليون دولار لإنشاء وحدة صب مربعات جديدة.
ووفقا للخطة المذكورة ستحقق «الحديد والصلب» بنهاية العام الخامس 75 مليون دولار عائدا من الفرق بين قيمة المبيعات وتكلفة الإنتاج.
إذن لم توص الدراسة بالتصفية أو البيع بل دعت إلى مساندة شركة الحديد والصلب لتنفيذ بعض الخطوات الإصلاحية والتى ستؤدى فى النهاية إلى تطوير شامل يوقف نزيف الخسائر.
وكما تم تجاهل توصيات «تاتا استيل»، وضعت فى الأدراج مقترحات للتطوير وتسوية المديونيات أعدها مجلس إدارة الشركة السابق فى أغسطس الماضى، ورفض المجلس السابق ما جرى تداوله عن تصفية الشركة، كما رفض مقترحا بفصل نشاط المناجم والمحاجر عن الشركة ،فتمت إقالته وتشكيل مجلس جديد أخفى مقترحات سلفه ومرر قرار فصل المحاجر والمناجم، واعتمد قرار تصفية الشركة. جرى كل هذا فى غيبة المالك الأصيل «الشعب المصرى».
أخيرا.. غياب المعلومات والحقائق، وتغييب المؤسسات النيابية والرقابية التى تمثل الشعب يضع قرار التصفية الأخير وقرارات الخصخصة السابقة فى دائرة الشك ويجعل من تعمد تغييب الناس عرضة للاتهام.

نقلا عن "الشروق"