رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

سياسات جديدة لمخاطر جديدة

د. ياسر عبد العزيز
د. ياسر عبد العزيز

يقودنا استطلاع تجارب الدول العربية التى شهدت تغيرات سياسية حادة على مدى العقد الثانى من الألفية الجارية إلى عدد من النتائج التى تبدو مستقرة وغير قابلة للدحض، أولى هذه النتائج تتمثل فى أن قابلية الدولة الوطنية العربية للسقوط قائمة، أو على الأقل فإن سقوطها ليس أمرًا مستبعدًا، بصرف النظر عن ضخامة الأجهزة والمقدرات الأمنية الصلبة التى تمتلكها، والشاهد على ذلك نجده ماثلاً فى تجارب دول مثل العراق واليمن وليبيا وسوريا والسودان ولبنان.

أما ثانية تلك النتائج فتتمثل فى أن العامل الخارجى بدا حاسمًا وشديد التأثير فى تحديد مستقبل الدولة الوطنية العربية، مع الأخذ فى الاعتبار أن هذا العامل يستخدم أدوات للتدخل تعتمد فى الأساس على هشاشة الأوضاع الداخلية وعدم قدرة الحكومات الوطنية على تركيز الإصلاح ومقابلة توقعات الجمهور.

وتبرز النتيجة الثالثة فى أن عددًا من الدول العربية استطاعت أن تنجو من موجة التغيير التى اندلعت تحت ذرائع بعضها مُستحق، مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان والتنمية والحكم الرشيد، وقد حدث هذا إثر موازنة دقيقة بين ضغوط الخارج وبعض السياسات الداخلية ذات الطبيعة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، والتى أظهرت نجاعة فى بعض دول الخليج والمغرب والأردن وغيرها.

على مدى الأسبوعين الماضيين، نشرت مقالين فى هذه الزاوية، أولهما تحت عنوان «كيف صُممت مقدرات أمننا القومى؟»، وهو المقال الذى سعى إلى توضيح فكرتين أساسيتين، أولاهما أن مقدرات الأمن القومى يتم إرساؤها غالبًا انطلاقًا من تشخيص دقيق لطاقة التهديدات وأنواعها، وثانيتهما أن تغير طبيعة تلك التهديدات يُملى علينا ضرورة تطوير مقدرات أمننا القومى بما يتجاوب مع ما تفرضه من تحديات.

وفى المقال الثانى أشرت إلى أنه فى الوقت الذى تنهض فيه مقدرات الأمن القومى المصرية الراهنة بردع التهديدات الخارجية عبر جاهزيتها الاستراتيجية ومقوماتها الصلبة ودرجة توازنها مع مصادر التهديد المحتملة، فإن التهديدات التى تطال الداخل مازالت جدية وخطيرة، لكونها تستهدف الوعى الجمعى والتماسك الأهلى والثقة العمومية ومعدلات الرضا عن الأداء الوطنى، وتتجاوز نطاق الاستهداف المباشر الذى تقوم به قوة صلبة معادية، وأنها تستخدم خليطًا مدروسًا من السياسات والأفكار والتكنولوجيا التى لا تعوقها قيود عن تحقيق أهدافها.

واستنادًا إلى ذلك، فإن الدعوة إلى تطوير مقدرات أمن قومى خاصة للتصدى للتهديدات الجديدة يجب أن تحظى بالاهتمام، على أن يتم النظر إليها بوصفها مقاربة تستلزم جهودًا سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية بمثل ما ستحتاج تدابير أمنية.

فى بعض دول المنطقة والعالم ظهرت تجارب جديرة بالاهتمام، استطاعت فيها تلك الدول التى تحكم التطورات فيها سياقات شديدة التباين أن تتوازن مع المخاطر والتهديدات التقليدية والجديدة، وأن تطور مقدرات أمنها القومى بشكل أكثر ملاءمة للمستجدات.

فهل تنهض الصيغة الراهنة التى تؤطر تشخيصنا لمقدرات أمننا القومى بالدور اللازم للتصدى للتهديدات، أم أنها فى حاجة إلى إعادة نظر؟

مازلنا فى حاجة إلى صياغة جديدة لمقدرات أمننا القومى على الصعيد الداخلى، وهى صياغة يمكن أن تأخذ عنوانًا على هذا النحو: «الانفتاح المُدار والإصلاح التدريجى».

وفى التفاصيل، فنحن نحتاج إلى منح الداخل درجة أكبر من الانفتاح المستند إلى نوع من التعدد والتنوع وزيادة مساحة التنافس السياسى الداخلى والتغيير المحسوب فى الكوادر وأنماط الإدارة، مع درجة من القبول بمناقشة أكثر انفتاحًا لمجريات الأداء العام وإخضاعه للتقييم.

سنكون مطالبين أيضًا بالعمل على زيادة المناعة الوطنية ضد أنماط الاستهداف الخارجية القائمة والمتوقعة، عبر سياسات تسامح وانفتاح ذات طابع حقوقى وسياسى، يمكن من خلالها استيعاب التناقضات الثانوية فى مسار العمل الوطنى وتعزيز الجبهة الداخلية فى مواجهة مخاطر جديدة بدأت إرهاصاتها تلوح فى الأفق.

نقلا عن "المصري اليوم"