رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

«الفشخرة الكدابة» وراء الهوس بـ«like» و«comment» و«share» على «السوشيال ميديا»

النبأ

سامية خضر: النقص هو السبب الحقيقى وراء «فشخرة» المصريين على مواقع التواصل الاجتماعى

أستاذ علم اجتماع: نحن على أعتاب مزيد من تشتيت وتفكيك المجتمع بسبب تلك الظاهرة

فرويز: الفراغ الوقتى والعاطفى وراء هوس النفس والفبركة على «السوشيال ميديا» 

استشارى نفسى: المجتمع عنده فراغ ثقافى مشجع الناس على نشر التفاهات 


«الإنسان المتكيف تمامًا مع مجتمع مريض، هو إنسان مريض»، كلمات قالها عالم النفس والفيلسوف الألماني قبل أكثر من قرن، إريك فروم، ربما لم يكن يعلم أنه سيأتي الزمن الذي يسعى فيه السواد الأعظم من الناس إلى هذا التكيف، لاسيما في زمن «السوشيال ميديا» ومواقع التواصل الاجتماعي، التي تغلغلت في حيوات الطبقات الاجتماعية كافة في مصر، لتكشف اللثام عن هوس النفس لدى المصريين على السوشيال ميديا، والذي جعلهم يتسابقون في ماراثون منشورات يومي، بل بات الكثير منهم يتفاخرون بالتردد على براندات المطاعم والملابس، لتتحول حسابات الفيسبوك عند المصريين أداة لـ«الفشخرة الكدابة»، من وجهة نظر المختصين، لاسيما أولئك الذين يدعون التردد على أشهر المطاعم والأماكن العامة.


كل تلك الأفعال الغريبة أثارت في الأذهان مجموعة تساؤلات على رأسها، عن ماهية تكوين الشخصيات هذا من الناحية النفسية؟ وكيف تؤثر على العلاقات الاجتماعية في الواقع؟

هوس وفبركة

«صباح الخير.. ستار بكس ناو»، منشور يطل عليك عبر حسابات الكثير من المصريين عبر "فيسبوك" مع اختلاف المكان أو البراند، بمجرد أن يضع أحدهم مثل هذا المنشور تنهال عليه "اللايكات" و"الكومنتات" أغلبها ترضي هوس صاحب الحساب بنفسه، على اعتبار أنه يعيش حياة مرفهة ويقترب من الطبقات الاجتماعية العليا، التي تتردد على تلك الأماكن.


لم يكتفِ أصحاب مثل هذه المنشورات بهذا وحسب، إلا أنه على مدار اليوم تجد سيلًا من المنشورات، التي تتلاءم مع منشوره الصباحي بدرجة كبيرة؛ ليكمل الصورة التي يريد تصديرها للناس، باعثًا رسالة للمجتمع أنه يعيش حياة وجيهة، عله يرضيه.


"الهوس بالنفس" التوصيف الحقيقي لما يفعله المصريون عبر السوشيال ميديا، وفقًا للمختصين، وبحسب دراسة حديثة عن مواقع التواصل الاجتماعي، منشورة عبر موقع "ديلي ميل" البريطاني، للباحث بجامعة ديربي، ويليام فان جوردون، فإن مواقع التواصل الاجتماعي تخلق نوعًا جديدًا من الهوس بالنفس، يشابه جميع أشكال الإدمان بدايةً من إدمان الكحول ومرورًا بإدمان المخدرات، وليس انتهاءً بإدمان القمار.


وبحسب ويليام فان جوردون، تحفز مواقع التواصل الاجتماعي الأشخاص على الهوس بالطريقة التي ينظر بها الآخرون إلينا.


«فشخرة كدابة»

العلاقة بين تلك المنشورات والجانب النفسي لأصحابها لم تكن مفاجئة بالنسبة للمختصين، إلا أن تأثيراتها السلبية على المجتمع بات يشكل خطرًا يهدد الجميع؛ لاسيما وأن التقليد الأعمى لكل ما يتم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي هو شعار المرحلة، حتى وإن اُضطر الكثير من المستخدمين الفبركة من أجل "الفشخرة".


وبحسب تقرير الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، عن مؤشرات استخدام خدمات وتطبيقات الإنترنت خلال 60 دقيقة في موسم صيف 2020، بلغ عدد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في مصر 2 مليون مستخدم في الساعة، بواقع 52 مليون زيارة.


ويتربع موقع التواصل الاجتماعي على عرش وسائل التواصل الأكثر استخدامًا في مصر، بنسبة 83.86%، بحسب موقعstatcounter- GlobalStats"".


توصل علماء النفس إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي سبب رئيسي في تعلق الأشخاص بحب الظهور، ونشر كل صغيرة وكبيرة عن حياتهم، حتى ولو كان كذبًا لـ"الفشخرة" والحصول على حفنة من اللايكات عوضًا عن الاهتمام المفقود.


وبحسب دراسة معنونة بـ «سوشيال ميديا، الشباب والصحة العقلية»، نشرها مركز الصحة العقلية في بريطانيا، فإن نسبة إدمان الإنترنت بدأت بحوالي 5% من أعداد المستخدمين الحاليين ومن المتوقع زيادتها، بزيادة استخدام مواقع التواصل الاجتماعى؛ لاسيما وأن مستخدميها يقل لديهم الشعور بالرضا الذاتي، ومنها زيادة التعلق بها.


الطريقة التي يستخدم بها المصريون وسائل التواصل الاجتماعي، وفقًا لدراسة "فان جوردون"، بمعنى استخدامها لجذب الناس للحالة، يعمل على خلق طبقة ذاتية أخرى غذاؤها الوحيد المعجبين والمشاركين والمتابعين لهم.


فراغ عاطفي ووقتي

حالة الهوس التي يعيشها المصريون على مواقع التواصل الاجتماعي، جعلت استشاري الطب النفسي وأمراض المخ والأعصاب، الدكتور جمال فرويز، يقسم الفئة المقصودة إلى ثلاثة أنواع، الأولى مرتبطة بفئة العمرية ما بعد الـ 60، ويعانون من فراغ وقتي وفراغ عاطفي، ولذلك يلجأون إلى السوشيال ميديا لملء الفراغين "دا أمر طبيعي؛ لأنه واحد قاعد فاضي هيعمل إيه!".


أما عن الأشخاص الذين يتعمدون بكتابة منشورات أثناء قيامهم بأعمال مهمة، كأن ينشرون منشورات أثناء القيادة أو أنه يعطل عمله من أجل نشر صورة أو "بوست"، فهؤلاء لديهم خلل نفسي –من وجهة نظر فرويز- بل تميل إلى الافتراضية بجانب الضعف النفسي، والحرمان العاطفي وفقد الاهتمام، ويعتبر اللايكات والكومنتات التي يحصل عليها من موقع التواصل الاجتماعي خير عوض له، لتصبح تلك العملية التعويضية محور حياته؛ لأنه افتقد الاهتمام العاطفي في العالم الواقعي.


يتطور الأمر لدى بعض الأشخاص لتجدهم يبحثون عن الشهرة، وهذا هو النوع الثالث –برأي فرويز- الأمر الذي يدفعهم إلى نشر كل ما هو كوميدي من "كوميكس" و"إفيهات"، عله يجذب أكبر قدر من المتابعين.


ابعدوا عن التفاهات

واختتم "فرويز" حديثه مع "النبأ الوطني" بنُصح مهاويس الذات على السوشيال ميديا، بالبحث عن بدائل لملء الفراغ الوقتي والعاطفي، كلٍ حسب احتياجه، بعيدًا عن العالم الافتراضي، شريطة أن تفيدهم ماديًا ووظيفيًا، لاسيما وأنهم إن غابوا عن العالم الافتراضي لن يسأل عنهم أحد، لافتًا إلى أن الفراغ الثقافي في المجتمع هو الذي شجع هؤلاء الأشخاص، "مفروض يشغل يومه بشيء مفيد، ما هو لو غاب عن مواقع التواصل الاجتماعي محدش هيسأل فيه، وبعدين المجتمع عنده فراغ ثقافي مشجع الناس على نشر التفاهات والفشخرة".


نقص فكر

"نقص فكر وانعدام مسؤولية" عبارة مقتضبة شخصت من خلالها أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، سامية خضر، معاناة أولئك الأشخاص الذين لم يفوتهم مناسبة للتصوير مع ممتلكاتهم الجديدة سواء أكانت سيارة أو منزل جديد، أو حتى الذي ينشرون صورهم داخل برندات المطاعم والكافيهات ومحلات الملابس.


انغماس فئة كبيرة من المصريين في السوشيال ميديا، وتعمد "الفشخرة" –من وجهة نظر خضر- ينم عن فراغ فكري وحياتي، وانعدام المسؤولية، بل وعدم القدرة على التوازن، وبالتالي عدم القدرة على استثمار الوقت".


تفكيك وانهيار الاهتمام

تأثير خطير تحدثه تلك "الفشخرة" والهوس بالذات وادعاء أشياء غير موجودة على السوشيال ميديا، على نفسية أولئك الأشخاص الذين يكتشفون مؤخرًا وبعد فوات الأوان انفصالهم عن العالم الواقعي والعلاقات الاجتماعية الحقيقية، مقابل عالم افتراضي وعلاقات افتراضية، ستنهار في لحظة ما لا محالة، وينهار معها، الاهتمام المزيف الذي حصل عليهم من خلال حفنة من اللايكات والكومنتات –برأي أستاذ علم الاجتماع.


تلك الظاهرة من شأنها أن تؤدي إلى مزيد من الانفرادية ومزيد من الوحدة، بل مزيد من انعدام القدرة على الانغماس مجتمعيًا، -بحسب خضر- ويتطور الأمر إلى أن يصل إلى استفحال التفكيك والتشتيت بالمجتمع، وعدم القدرة على الوقوف على أرض صلبة.


وترى أن الابتعاد عن القيم والمُثل العليا، والتقليد الأعمى للغرب أحد أسباب تلك الظاهرة، وأن غياب القدوة والقيم المجتمعية المعتدلة دفع الكثيرون إلى الفبركة على السوشيال ميديا لجذب الانتباه "بقينا لا عارفين نمشي مشية الطاووس ولا مشية الحداية".


واختتمت أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، حديثها لـ "النبأ الوطني"، بأن الانتقاء والبحث على ما يتناسب مع نفسي ومع أسرتي ومجتمعي هو الحل الأمثل للأزمة؛ بمعنى البعد عن التفاهة.