رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

ما بعد الردع

عمرو الشوبكي
عمرو الشوبكي


تعد هذه هى المرة الأولى منذ عقود التى توظف فيها مصر قوتها العسكرية من أجل أن تصبح رقمًا مهمًا فى معادلة الحل فى ليبيا بالشراكة مع قوى إقليمية ودولية، حين اعتبرت بشكل صارم أن أى تقدم نحو سرت والجفرة سيعنى مواجهة مصرية تركية لا يريدها البلدان ولا العالم.

وقد شكل بيان حكومة الوفاق نقطة تحول بدت للبعض مفاجئة، وهو فى الحقيقة نتاج مفاوضات وضغوط دولية غير علنية على جميع الأطراف لتجنب المواجهة العسكرية، وقد تضمن البيان الذى أصدره فايز السراج رئيس المجلس الرئاسى: «انطلاقًا من مسؤوليته السياسية والوطنية، وما يفرضه الوضع الحالى الذى تمر به البلاد والمنطقة وظروف الجائحة، يصدر رئيس المجلس الرئاسى لحكومة الوفاق الوطنى تعليماته لجميع القوات العسكرية بالوقف الفورى لإطلاق النار وكافة العمليات القتالية فى كل الأراضى الليبية».

كما أكد عقيله صالح، رئيس البرلمان، أن الاتفاق على الوقف الفورى لإطلاق النار فى جميع أنحاء ليبيا «يقطع الطريق على أى تدخلات عسكرية أجنبية وصولا إلى إخراج المرتزقة، وسيتم استئناف إنتاج النفط وتجميد إيراداته فى حساب خارجى للمصرف الليبى».

أما ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة فى ليبيا استيفانى وليامز فاعتبرت أن الطرفين عبرا عن قرارات شجاعة، على أمل أن يُفضى هذا الأمر إلى الإسراع فى تطبيق توافقات اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) والبدء بترحيل جميع القوات الأجنبية والمرتزقة الموجودة على الأراضى الليبية.

والواضح من مواقف وتصريحات الأطراف الليبية ومسؤولين عرب وأجانب أن ليبيا ستدخل مرحلة جديدة قد تكون أخطر من المرحلة السابقة لأنها ستحتاج إلى مهارات وأوراق ضغط سياسية، تدفع فى اتجاه بناء دولة مدنية بعيدة عن هيمنة جماعات الإسلام السياسى وتضمن خروج كل المرتزقة من الأراضى الليبية.

والحقيقة أن مصر نجحت فى أن تصبح رقمًا فى قوة الردع ولكنها تحتاج أكثر أن تكون رقمًا فى معادلات السياسة التى تتشكل فى ظل حضور أمريكى وروسى وتركى قوى.

ترحيب الرئيس السيسى ببيان فايز السراج بوقف إطلاق النار ربما يجعلنا نتأمل ما سبق وكررناه طوال الفترة الماضية من ضرورة إحداث اختراق سياسى مصرى فى الغرب الليبى واستعادة قنوات الاتصال مع حكومة الوفاق ودعم القوى المدنية والقومية من خارج جماعات التطرف، وعدم اعتبار عاصمة البلاد المالية والسياسية: طرابلس ومعها الغرب الليبى الذى يعيش فيه حوالى ثلثى عدد السكان إخوان ومتطرفين، كما روج بعض «المجودين» بطريقة فجة متصورين أن الهتافات والشتائم يمكن أن تكون بديلة للردع العسكرى والحضور السياسى.

القادم فى ليبيا أصعب، لأنه سيعنى مفاضلة بين وجود دولة أصولية مناوئة لمصر أو دولة مدنية شقيقة وحليفة، وهذا لكى يحدث يحتاج حضور السياسة والاقتصاد والثقافة.

نقلا عن "المصري اليوم"