رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

المظلوم دعاؤه مقبول وإن كان "كافرا".. لماذا حذرنا الله من الظلم وماهي صوره؟

دعاء المظلوم - تعبيرية
دعاء المظلوم - تعبيرية


حذرنا الله - سبحانه وتعالى- من الظلم في مواضع كثيرة من القرآن منها قوله - جل وعلا: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ} (إبراهيم: 42)، كما نهانا النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الظلم، حيث ثبت في الحديث عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي -صلى الله عليه وسلم - بعث معاذاً إلى اليمن وقال له: ( اتق دعوة المظلوم ، فإنها ليس بينها وبين الله حجاب ) رواه البخاري ومسلم.


معنى الظلم


الظلم هو وضع الشيء في غير مكانه، والحياد عن الحق باتّجاه الباطل، والتعدّي على الحقوق والجور فيها والانحراف عن العدل.


أنواع الظلم

للظلم ثلاثة أنواع وهي:

الظلم فيما يخصّ الله تعالى: على رأسه الكفر والشرك، فهذا الظلم من أعظم الأنواع بسبب عواقبه الوخيمة على الظالم، قال تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} (لقمان:13)، ولا يغفر هذا الظلم سوى التوبة الخاصة قبل طلوع الشمس من مغربها، وقبل الموت.


ظلم الإنسان لنفسه: يكون ذلك بارتكابه المعاصي، واكتسابه للآثام التي تدخله نار جهنم يوم القيامة، قال تعالى: {فمنهم ظالم لنفسه} (فاطر:32).


الظلم الواقع من الإنسان على أخيه الإنسان: حرّم الإسلام الظلم الذي يقع بين الناس، فقال تعالى: {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} (الشورى:40)، فقد حرّم الله تعالى الظلم على نفسه، وهو القادر، والقويّ، والمُتصرّف في كلّ شيء.


صور الظلم

للظلم صور كثيرة منها على سبيل المثال:

أولًا: ظلم العبد نفسه

1- أعظمه الشرك بالله:

2- التعدِّي على حدود الله:

تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [البقرة:229].


3- الصدُّ عن مساجد الله أن يُذكر فيها اسمه:

وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَـئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [البقرة: 114].

قال ابن جرير: (وأي امرئ أشد تعديًا وجراءة على الله وخلافًا لأمره، من امرئ منع مساجد الله أن يعبد الله فيها)>


4- كتم الشهادة:

قال تعالى: أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَـقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطَ كَانُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [البقرة: 140].

قال السعدي: (فهي شهادة عندهم، مودعة من الله، لا من الخلق، فيقتضي الاهتمام بإقامتها، فكتموها، وأظهروا ضدها، جمعوا بين كتم الحق، وعدم النطق به، وإظهار الباطل، والدعوة إليه، أليس هذا أعظم الظلم؟ بلى والله، وسيعاقبهم عليه أشد العقوبة).


5- الإعراض عن آيات الله بتعطيل أحكامها:

وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا [الكهف: 57].

قال ابن كثير: (يقول تعالى: وأي عباد الله أظلم ممن ذكر بآيات الله فأعرض عنها، أي: تناساها وأعرض عنها، ولم يصغ لها، ولا ألقى إليها بالًا).


6- الكذب على الله:


قال تعالى: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [الأنعام: 144].

قال ابن جرير في تفسير هذه الآية: (يقول: فمن أشد ظلمًا لنفسه، وأبعد عن الحق ممن تخرص على الله قيل الكذب، وأضاف إليه تحريم ما لم يحرم، وتحليل ما لم يحلل).


ثانيًا: ظلم العباد بعضهم لبعض

وظلم العباد بعضهم لبعض أنواع، وهو أشهر أنواع الظلم وأكثرها.قال سفيان الثوري: (إن لقيت الله تعالى بسبعين ذنبًا فيما بينك وبين الله تعالى؛ أهون عليك من أن تلقاه بذنب واحد فيما بينك وبين العباد)،

ويمكن تقسيمه إلى ظلم قولي، وظلم فعلي:

من صور الظلم القولي:

التعرض إلى الناس بالغيبة، والنَّمِيمَة، والسباب والشتم، والاحتقار، والتنابز بالألقاب، والسخرية، والاستهزاء، والقذف،...ونحو ذلك.


من صور الظلم الفعلي:

1- القتل بغير حق:

قال تعالى: وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا [الإسراء: 33].


قال السعدي في تفسير قوله تعالىوَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ. (وهي: النفس المسلمة، من ذكر وأنثى، صغير وكبير، بر وفاجر، والكافرة التي قد عصمت بالعهد والميثاق. إِلاَّ بِالحَقِّ كالزاني المحصن، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة... وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا أي: بغير حق فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ وهو أقرب عصباته وورثته إليه سُلْطَانًا أي: حجة ظاهرة على القصاص من القاتل).

2- أخذ أرض الغير أو شيء منها:

قال صلى الله عليه وسلم: ((من أخذ شبرًا من الأرض ظلمًا؛ فإنه يطوقه يوم القيامة من سبع أرضين)).
وفي هذا الحديث (التحذير الشديد من السطو على أرض الغير وأخذ شيء منها ظلمًا، والوعيد الشديد لمن فعل ذلك بالخسف به يوم القيامة).


٣- الظلم الواقع في الأُسَر، ومنه:

- ظلم الأولاد لوالديهما بعقوقهما.

- ظلم الأزواج لزوجاتهم في حقهنَّ سواء كان صداقًا، أو نفقةً، أو كسوةً.

- ظلم الزوجات لأزواجهنَّ بـتقصيرهن في حقهم، وتنكُّر فضلهم.


- ظلم البنات بعضلهنَّ عن الزواج. قال تعالى: وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ [النساء: 19].
(العضل : التضييق، والمنع، والشدة ... والمعنى: لا يحل لكم إرث النساء، ولا عضلهن، أي ولا التضييق عليهن، لأجل أن تذهبوا ببعض ما آتيتموهن، أي أعطيتموهن من ميراث، أو صداق، أو غير ذلك. والخطاب لمجموع المؤمنين لتكافلهم فيصدق بما أعطوه للنساء من ميراث، ومهر زواج، وغير ذلك، وجعله بعضهم للأزواج، وبعضهم للورثة، وكل منهم كان يعضل النساء).

- الدعاء على الأولاد، والقسوة في التعامل معهم.

- تَفضيل بعض الأولاد على بعض.

5- ظلم أصحاب الولايات والمناصب، ومنه:

- نبذ كتاب الله وتحكيم القوانين الوضعية.

- عدم إعطاء الرعية حقوقهم.

- تقديم شخص في وظيفة ما وهناك من هو أكفأ منه وأقدر على العمل.


6- ظلم العمال، ومنه:

- أن يعمل له عمل ولا يعطيه أجره:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرًّا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه ولم يعطه أجره)) (13) .
- أن يبخسه حقوقَه أو أن يؤخرها عن وقتها.


- تكليفه بأمور غير ما اتفق عليها معه، أو بأمور لم تجرِ العادة تكليفه بها:

قال صلى الله عليه وسلم: ((إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده، فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم)).


7- أكل مال الغير بغير حق:
وهو أنواع ومنه:


أ- أكل أموال الناس بالباطل:
قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا [النساء: 29-30]

ب- أكل أموال الضعفاء كاليتامى:


قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا [النساء: 10].

يقول الفخر الرازي: (اعلم أنه تعالى أكد الوعيد في أكل مال اليتيم ظلمًا، وقد كثر الوعيد في هذه الآيات مرة بعد أخرى على من يفعل ذلك، كقوله: وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا [النساء: 2]. وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا [النساء: 9] ثم ذكر بعدها هذه الآية مفردة في وعيد من يأكل أموالهم، وذلك كله رحمة من الله تعالى باليتامى؛ لأنهم لكمال ضعفهم وعجزهم استحقوا من الله مزيد العناية والكرامة، وما أشد دلالة هذا الوعيد على سعة رحمته وكثرة عفوه وفضله؛ لأن اليتامى لما بلغوا في الضعف إلى الغاية القصوى بلغت عناية الله بهم إلى الغاية القصوى).


ج- الرِّبا:

قال تعالى: فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ كَثِيرًا وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا [النساء: 160-161].

د- الرشوة:
قال صلى الله عليه وسلم: ((لعن الله الرَّاشي والمرتشي)).

هـ- الغشُّ في المعاملات:

قال صلى الله عليه وسلم: ((من غشَّنا فليس منا)) (20) .

ويقول ابن حجر الهيتمي: (ليتأمل الغشاش بخصوصه قوله صلى الله عليه وسلم: ((من غشنا فليس منا)) يعلم أن أمر الغش عظيم، وأن عاقبته وخيمة جدًّا فإنه ربما أدت إلى الخروج عن الإسلام والعياذ بالله تعالى، فإن الغالب أنه صلى الله عليه وسلم لا يقول ليس منا إلا في شيء قبيح جدًّا يؤدي بصاحبه إلى أمر خطير ويخشى منه الكفر، فإن لمن يعرض دينه إلى زوال ويسمع قوله صلى الله عليه وسلم: ((من غش فليس منا))، ولا ينتهي عن الغش إيثارًا لمحبة الدنيا على الدين ورضا بسلوك سبيل الضالين).


و- الميسر:
قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ 90 إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ [المائدة:90-91].


ز- الغلول:
قال تعالى: وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ [آل عمران: 161].
(الغلول هو: الكتمان من الغنيمة، والخيانة في كل مال يتولاه الإنسان وهو محرم إجماعا، بل هو من الكبائر، كما تدل عليه هذه الآية الكريمة وغيرها من النصوص، فأخبر الله تعالى أنه ما ينبغي ولا يليق بنبي أن يغل، لأن الغلول -كما علمت- من أعظم الذنوب وأشر العيوب.... ثم ذكر الوعيد على من غل، فقال: وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أي: يأت به حامله على ظهره، حيوانا كان أو متاعا، أو غير ذلك، ليعذب به يوم القيامة.


ح- الهدايا التي تهدى للموظف بسبب وظيفته:
عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه قال: ((استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا على صدقات بني سليم يدعى ابن اللتبية، فلما جاء حاسبه، قال: هذا مالكم، وهذا هدية. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهلا جلست في بيت أبيك وأمك حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقًا. ثم خطبنا فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولَّاني الله، فيأتي فيقول: هذا مالكم وهذا هدية أهديت لي، أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته، والله لا يأخذ أحدًا منكم شيئًا بغير حقِّه، إلا لقي الله يحمله يوم القيامة، فلَأَعرفنَّ أحدًا منكم لقي الله يحمل بعيرًا له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاةً تيعر. ثم رفع يده حتى رئي بياض إبطه يقول: اللهم! هل بلغت، بصر عيني وسمع أذني)).


التحذير من دعوة المظلوم:

قال صلى الله عليه وسلم: ((واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)).

(أي: مانع بل هي معروضة عليه تعالى. قال السيوطي: أي ليس لها ما يصرفها ولو كان المظلوم فيه ما يقتضي أنه لا يستجاب لمثله من كون مطعمه حرامًا أو نحو ذلك، حتى ورد في بعض طرقه (وإن كان كافرًا) رواه أحمد من حديث أنس. قال ابن العربي: ليس بين الله وبين شيء حجاب عن قدرته، وعلمه، وإرادته، وسمعه، وبصره، ولا يخفى عليه شيء، وإذا أخبر عن شيء أنَّ بينه وبينه حجابًا، فإنما يريد منعه) (27).


ولربما تأخرت إجابة الدعوة، ولكن الله ليس بغافل عما يعمل الظالمون، قال سبحانه: وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء [إبراهيم:42-43].


وقال ميمون بن مهران: في قوله تبارك وتعالى: وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ. قال: (تعزية للمظلوم، ووعيد للظالم).


عاقبة الظالم في الدنيا والآخرة


١- الحرمان من الفلاح في الدنيا والآخرة. 

٢- سوء العاقبة، وفقدان محبة الله تعالى. 

٣- الطرد من رحمة الله تعالى. الذل في الدنيا، وانكسار النفس، فيُسبّب الله تعالى الأسباب التي تذل الظالم حتى يستوفي حق المظلومين. 

٤- نزع البركة من حياة الشخص الظالم، ومن ماله وأولاده، كما أنّ الله تعالى ينزع البركة من المُجتمع الذي ينتشر فيه الظلم والبغي، ويرسل عليه الأمراض وأشكال العذاب المختلفة. 


٥- الانحطاط في نظر الخلائق؛ لأن النفوس جُبِلت على الإحسان لمن أحسن إليها، ومحبة ذلك، ولكنّ الظلم يُهيّئ للظالم السقوط من نظر الآخرين، وفقدان احترامهم وتقديرهم. 


٦- دعاء المظلوم، فدعوة المظلوم تنتقل خلال السماوات لتصل إلى السماء السابعة، ويستجيب الله تعالى لها، فالظالم ينام ليله غير آبهٍ بظلمه، إلّا أنّ المظلوم يلجأ إلى الله تعالى ليأخذ له حقه، والله تعالى شديد الانتقام.