رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

محمد مازن يكتب من بكين: انطلاقة جديدة للتعاون الصيني-العربي مدفوعة بمجالات الوباء

محمد مازن
محمد مازن


وسط أزمة صحية وتغيرات معقدة في المشهد الدولي، يستعد الجانبان العربي والصين لعقد الاجتماع الوزاري التاسع لمنتدى التعاون الصيني-العربي يوم الإثنين المقبل عبر رابط فيديو.


سيرأس وزير الخارجية الصيني وانغ يي الاجتماع مع وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي بحضور وزراء خارجية الدول الأعضاء بجامعة الدول العربية مع الأمين العام للجامعة أحمد أبو الغيط.


وتولي الصين أهمية كبيرة لدفع الشراكة الاستراتيجية الصينية-العربية. ويرسل انعقاد هذا الاجتماع رسالة للصين والدول العربية بشأن تعزيز التضامن والتعاون والتمسك بالتعددية ودعم بعضهما البعض في القضايا المتعلقة بالمصالح والشواغل الرئيسية، والتعاون الخاص ببناء مجتمع مصير مشترك صيني-عربي في العصر الجديد، وفقا لما ذكر المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية تشاو لي جيان.


وتأسس المنتدى العربي-الصيني بعد زيارة رئيس جمهورية الصين إلى مقر الجامعة العربية عام 2004، ويعقد اجتماعات دورية مرة كل سنتين في الصين أو مقر جامعة الدول العربية، لتعزيز الحوار والتعاون ودفع السلام والتقدم، فيما يعقد الاجتماع الوزاري سنويا.


ويأتي الاجتماع الوزاري في توقيت مهم وصعب بينما يكافح الجانبان العربي والصيني ضد جائحة فيروس كورونا الجديد (كوفيد-19) وجهودهما لدفع الانتعاش الاقتصادي. وفي الواقع، أثبت الطارئ الصحي العالمي الراهن قوة ومتانة علاقات الصداقة والأخوة التي تجمع الجانبين، وسط انتقادات غربية للصين واتهامات لا أساس لها بالتباطؤ في الاستجابة لاندلاع لفيروس ومحاولات لاخراجها من السلاسل الصناعية وسلاسل التوريد العالمية. 


وواصلت العلاقات بين الصين والدول العربية تطورها وتجددها وسط الجائحة وبرزت أيضا آفاق تطورها في المستقبل.


روح التضامن والتساند بين الجانبين تجلت بقوة في مكافحة الفيروس، حيث خاض الجانبان أشبه بمعركة مشتركة، وتجلى التعاون الدولي في أبرز صورة في هذا الجزء من الكرة الأرضية بقوة مقارنة مع أجزاء أخرى في العالم اختارت الانعزال والتقوقع واتخاذ جانب الانتقادات وإلقاء اللوم ومحاولة إيجاد كبش فداء للتغطية على الفشل الداخلي لإداراتها في مواجهة الوباء.


كانت روح التضامن عظيمة، وأكدت المساعدات المتبادلة أن الصديق الحقيقي وقت الضيق، فمنذ الوهلة الأولى، عبرت حكومات الدول العربية عن دعمها للصين حكومة وشعبا وسط الوباء. وقدمت الدول العربية للصين مستلزمات طبية لمساعدتها على مكافحته. وعندما اجتاح الوباء الدول العربية، أرسلت الصين فرقا من الخبراء الطبيين إلى فلسطين والعراق والجزائر والسودان وغيرها، وقدمت إلى الدول العربية مختلف المستلزمات الطبية والوقائية إضافة إلى تجربتها في الوقاية والسيطرة على الوباء، واستئناف العمل والإنتاج، الأمر الذي قدم دعما كاملا للجانب العربي لمكافحة الوباء.


وعلى الأرض، لم تتأثر المشاريع الاقتصادية التي تبنى في إطار مبادرة الحزام والطريق كثيرا في الدول العربية، فمثلا، تواصلت مشاريع الإنشاء التي تنفذها الشركات الصينية في العاصمة الإدارية بمصر. وعبر الزعيمان المصري عبد الفتاح السيسي والصيني شي جين بينغ في اتصال هاتفي عن الاستعداد لتعزيز التعاون في مختلف المجالات. 


ونفس الأمر حدث في اتصالات العاهل السعودي وبقية الزعماء العرب مع قادة الصين.


بشكل عام، ارتقت العلاقات الصينية-العربية إلى مستوى جديد من خلال التشارك في مكافحة الوباء والجهود المشتركة لبناء مجتمع المستقبل المشترك بين الصين والدول العربية في العصر الجديد، الذي ينادي به الرئيس الصيني، مما فتح صفحة جديدة للعلاقات بين الجانبين.


في السنوات الأخيرة، ازداد التعاون الصيني-العربي تنوعا وعمقا في المجالات السياسية والاقتصادية والاستثمارية والتجارية والثقافية والشعبية وحتى المجالات الجديدة مثل الطاقة والفضاء والتكنولوجيا والابتكار.


ولم يكن لهذا التطور أن يتحقق دون أساس متين يستند إلى مبادئ متفق عليها تتسم بالاحترام والدعم المتبادلين وتحقيق المنفعة المتبادلة لخدمة تطلعات الشعبين الصيني والعربي.


وأكد منتدى التعاون الصيني-العربي على هذه المبادئ ورسخها منذ تأسيسه في 2004.


وشهدت العلاقات بين الجانبين تطورا وتجددا متواصلا في إطار المنتدى وآليات الحوار السياسي والحزبي والاقتصادي والاستثماري التي تعقد بشكل منتظم تحت مظلته، مما لعب دورا في توطيد الأساس السياسي والاستراتيجي للعلاقات وطبعا الثقة السياسية المتبادلة. 


وقد أخذت العلاقات في مجالات التجارة والاستثمار والبنية التحتية دفعة قوية بفضل مبادرة الحزام والطريق، التي طرحتها الصين في 2013 لربط قارات العالم القديم آسيا وافريقيا وأوربا وما وراءها بمشاريع تجارية وبنية تحتية، وقد وقعت ما يقرب من 20 دولة عربية على اتفاقيات مع الصين بخصوص المبادرة، وتساعد المشاريع المتنوعة التي تنفذ في إطارها على تعزيز التنمية وخلق فرص العمل وزيادة القدرة الانتاجية للدول العربية، ولا أبلغ من منطقة شمال غرب السويس للتعاون التجاري والاقتصادي في مصر والدقم الصناعية في عمان ومشاريع أخرى كبرى في مجال صناعة النفط والطاقة والطرق والتكنولوجيا في دول الخليج وشمال افريقيا. وقد جسدت هذه المشاريع نموذجا يحتذى به في علاقات المنفعة المشتركة ومجتمع المستقبل المشترك والعلاقات الدولية عامة. 


وتشهد أرقام العام الماضي على عمق التطور التجاري والاستثماري بين الصين والدول العربية. 


فقد قامت الصين في 2019 باستثمار 1.42 مليار دولار أمريكي في مختلف الصناعات بالدول العربية، بزيادة 18.8 بالمائة على أساس سنوي. ووقعت شركات صينية عقودا لمقاولة المشاريع بقيمة 32.5 مليار دولار أمريكي، بانخفاض 8.7 بالمائة، وأنجزت أعمالا قيمتها 30.5 مليار دولار أمريكي، بزيادة 9.8 بالمائة على أساس سنوي.


وتظهر البيانات الرسمية الصينية، أن قيمة التجارة بين الصين والدول العربية وصلت إلى 266.4 مليار دولار أمريكي في عام 2019، بزيادة 9 بالمائة على أساس سنوي. وبلغت قيمة واردات الصين من الدول العربية 146 مليار دولار أمريكي، بزيادة 4.8 بالمائة، فيما وصلت صادرات الصين إلى الدول العربية 120.4 مليار دولار أمريكي، بزيادة 14.7 بالمائة على أساس سنوي.


ووسط جائحة كورونا والتحديات التي تفرضها، يأتي الاجتماع الوزاري التاسع لمنتدى التعاون الصيني-العربي كفرصة للجانبين الصيني والعربي للنظر والاتفاق على خطط وبرامج لتسهيل التجارة وسط الوباء ودفع النشاط الاقتصادي الذي تأثر في جميع انحاء العالم تحت ضغط تداعيات الفيروس الشرس. ويعد الجانبان دائما هدفا استثماريا مهما لبعضهما البعض، لذلك من الضروري مناقشة الإجراءات المضادة بشكل مشترك وتخفيف الخسائر وإعادة تشغيل الاقتصادات بطريقة سريعة.


ومن رحم مبادرة الحزام والطريق في إفساح مجالات جديدة للتعاون تُرسم آفاق المستقبل، هناك رغبة متبادلة بالفعل في تنمية الاقتصاد وحاجة زائدة إلى التعاون في مجال الصحة العامة.


ويمكن للجانب الصيني مع الدول العربية العمل على دفع بناء "طريق الحرير الصحي" و"طريق الحرير الرقمي"، بما يخلق مزيدا من نقاط جديدة للنمو الاقتصادي بين الجانبين، ويوفر قوة دافعة أكبر لانتعاش الاقتصادي. 


إن أزمة صحية عالمية هائلة كهذه تفرض ضرورة التحرك بسرعة للحفاظ على تشغيل المحركات التجارية والاستثمارية في العلاقات بين الجانبين، من أجل تأمين مصلحة الشعوب وتجنب هزات اقتصادية كبرى تكون تداعياتها عميقة على معيشة الناس.


وهناك فرص يمكن أن تستغل بشكل مشترك بين الجانبين العربي والصيني وتأخذ العلاقات الى آفاق أرحب من خلال تعزيز التعاون في المجالات الجديدة المدفوعة بالفيروس، مثل التجارة الالكترونية عبر الهاتف المحمول وتجارة التجزئة ذاتية التشغيل التي لا تحتاج إلى عمال، والتفاعلات الاجتماعية الافتراضية، والترفيه عبر الانترنت، والعلاج الطبي عبر الإنترنت، والتعليم عن بعد، والروبوتات الصناعية والمدن الذكية، فتسريع التحرك صوب هذه المجالات يساعد كثيرا في تنظيم حركة الناس وخصوصا في أوقات صعبة مثل انتشار الأوبئة، وإيجاد محركات جديدة للنمو الاقتصادي.