رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

محمد مازن يكتب من بكين: طاقة الخير في تقرير عمل الحكومة الصينية وسط الجائحة

محمد مازن
محمد مازن


بعد تأخير دام شهرين بسبب كوفيد-19، عقدت الصين سلسلة اجتماعات هيئتيها التشريعية الاستشارية السياسية، والمعروفة باسم الدورتين. 

عقد الاجتماعات في حد ذاته يرمز لشيئين: السيطرة على الجائحة داخل الأراضي الصينية وإطلاق شرارة الاقتصاد ومحركاته، باتجاه مواصلة تحقيق الهدف الرئيسي المتمثل في إعادة الإحياء الوطني.

وفي الشهور السابقة للاجتماعات وتحديدا منذ بداية العام الجاري، تباطأ الاقتصاد الصيني حال تقريبا معظم الاقتصادات في العالم بسبب إجراءات الإغلاق. وتباطأ الاقتصاد العالمي أيضا بشكل واضح.

 ومع ذلك، يبدو أن الصين قد خرجت تدريجيا من كوفيد-19 بشكل أسرع من غيرها بفضل الإجراءات غير المسبوقة التي اتخذتها وأثبتت فعاليتها في نهاية المطاف.

وبينما يظل الاقتصاد العالمي غارقا في بحر الأزمة الصحية العالمية، تتجه الأنظار بشدة إلى ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وما يتخذه من إجراءات وسياسات. 

فقد أصبحت الصين في السنوات الأخيرة المحرك الفعلي للنمو الاقتصادي في معظم أنحاء العالم.


فنتيجة للصدمات الناجمة عن الوباء، شهد الاقتصاد العالمي تراجعا خطٌيرا، حيث تعرضت السلسلة الصناعية وسلسلة التوريد للعرقلة، وانكمشت التجارة والاستثمارات الدولية، وتقلبت أسواق السلع الرئيسية، والصين لم تكن أيضا بمنأى، فقد هبط حجم الاستهلاك والاستثمار والتصدير، وازدادت الضغوط على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر وتراكمت المخاطر نوعا ما في القطاع المالي ومجالات أخرى.

 
وأثناء الوقاٌية من الوباء والسيطرة علٌيه، تكشفت حلقات ضعيفة في مجالات تشمل إدارة طوارئ الصحة العامة.

وخلال اجتماعات الدورتين المستمرة لمدة أسبوع، تطرح الحكومة الصينية عادة أحدث سياساتها الاجتماعية والاقتصادية، والتي يكون للكثير منها آثار دولية عميقة.

وفي هذا السياق حمل تقرير عمل الحكومة الذي قدمه رئيس مجلس الدولة الصيني لي كه تشيانغ يوم الجمعة للدورة الثالثة للمجلس الوطني الثالث لنواب الشعب الصيني الخطوط العريضة لما يمكن أن يطلق عليه "خطة التعافي الشاملة"، التي ستؤثر على كل من الصين والعالم.

 وقد حمل لي في تقريره طاقة خير وبشائر عديدة محليا وعالميا، فبجانب تأكيده على استقرار الوظائف، وتحسين معيشة الناس، وتعزيز الاستهلاك، واستقرار الأسواق، والتصميم على كسب معركة التغلب على المشاكل المستعصية للقضاء على الفقر، وبذل جهود لتحقيق بناء مجتمع رغيد الحياة على نحو شامل، أكد لي التزام الحكومة بإبقاء نسبة البطالة في الريف عند 6 بالمئة والحضر عند 5.5 بالمئة، وإبقاء معدل ارتفاع مؤشر أسعار المستهلك عند حوالي 3.5 بالمئة، ورفع جودة الواردات والصادرات من خلال الحفاظ على استقرارهما، وتحقيق التوازن في ميزان المدفوعات، وزيادة دخل السكان والنمو الاقتصادي، وإزالة "وصمة الفقر" عن كل المحافظات الفقيرة وخفض استهلاك الطاقة في كل وحدة من إجمالي الناتج المحلي وانبعاثات المواد الُملوثة باستمرار، وتحقيق أهداف الخطة الخمسية الثالثة عشرة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.

وكل هذه الخطوات، بين أمور أخرى، يتوقع أن تدفع الانتعاش الاقتصادي في اقتصاد السوق،  وتؤكد لأصحاب المصلحة المحليين والأجانب على حد سواء أن الصين لا تزال ملتزمة بثبات بعملياتها الاقتصادية المدفوعة بالسوق. 
 
واللافت في تقرير  الحكومة هذا العام أن لي كه تشيانغ تحاشى تحديد رقم معين للنمو الاقتصادي، موضحا أنه من غير الواقعي تحديد هدف نمو شامل وسط عدم اليقين العالمي الناجم عن كوفيد-19 الذي لا يزال يدمر جزءا كبيرا من العالم. 


ورغم أن الأمر في مجمله أثار بعض القلق محليا ودوليا، إلا أنه يدخل في سياق تركيز الصين على الكيف وليس الكم في إطار دفع النمو "الطبيعي الجديد". وما تحرزه الصين في مجال تكنولوجيا المعلومات، والجيل الخامس، والتجارة الإلكترونية، والذكاء الاصطناعي خير دليل.


وعالميا، جاء التزام الحكومة الصينية بتحقيق انفتاح أوسع على الخارج والحفاظ على استقرار أساسات التجارة الخارجية والاستثمارات الأجنبية كخبر مفرح للمجتمع الدولي.


ففي ظل هذه الظروف الصعبة التي يعاني منها العالم، تعهد لي بتوسيع الانفتاح على العالم الخارجي بثبات لا يتزعزع، وإبقاء السلسلة الصناعية وسلسلة التوريد مستقرة، ودفع التنمية، وتعزيز استقرار أساس التجارة الخارجية. 


وفي سياق دعم الطلب على المنتجات المستوردة من الخارج، قالت الحكومة إنها ستقدم المزيد من القروض، وخفض الالتزام بالقواعد خلال عمليات التصدير والاستيراد ودعم المنتجات المصدرة داخل البلاد وتسريع تنمية التجارة إلالكترونٌية العابرة للحدود، وغيرها من أشكال الأعمال الجديدة، وكلها، بين أمور أخرى في هذا الصدد، تفتح فرصا للسلع والمنتجات من الدول الأخرى لدخول السوق الصنيية والاستفادة من امكاناتها الهائلة (1.4 مليار نسمة).


وإلى جانب الدفاع بحزم عن منظومة التجارة المتعددة الأطراف، وإصلاح منظمة التجارة العالمية، وحفز توقيع اتفاقيات للشراكة الاقتصادية وإنشاء المزيد من المناطق للتجارة الحرة، احتل التشارك في بناء "الحزام والطريق" مكانة بارزة في سياسات الحكومة الصينية في العام المقبل.


وتعتبر مصر نقطة محورية على طريق الحرير البحري للقرن الواحد والعشرين، الجزء البحري الرئيسي في المبادرة وتنفذ الحكومة الصينية العديد من المشاريع في إطارها في مصر ودول أهرى كثيرة.


 وأكدت الحكومة الصينية تمسكها بمبدأ التشاور والتشارك والتنافع، واتباعها مبدأ السوق وتوجيه الاستثمار الموجه للخارج لتحقيق تنمية سليمة، ودفع عملية تحرير وتسهيل التجارة والاستثمار، وهي إجراءات  من  شأنها أن تعزز مواصلة البناء المشترك للمشروع العالمي الطموح دون عراقيل وخدمة المصالح المشتركة واستمرار طاقة الخير التي تجلبها للشعوب المطلة على مسارات المبادرة.