رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

محمد مازن يكتب من بكين: إجراءات مساءلة الصين على الفيروس حقيقية أم خدعة دعائية؟

الصين والولايات المتحدة
الصين والولايات المتحدة الأمريكية- أرشيفية


أصبحت ميسوري أول ولاية أمريكية ترفع دعوى قضائية ضد الصين بسبب تعاملها مع تفشي كوفيد-19، مطالبة الصين بتعويض عن الخسائر الاقتصادية والبشرية الناجمة عن فيروس كورونا. 

ويبدو أن ميسوري فتحت الباب أمام ولايات أخرى لمقاضاة الصين حيث حذت ولاية ميسيسيبي حذوها.
 
وتأتي تلك التطورات القضائية ضد الصين بعد تزايد الاتهامات لها من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وصقور إدارته، بما في ذلك وزير الخارجية مايك بومبيو. 

وسار على النهج أيضا قادة دول وشخصيات سياسية ومخابراتية مؤثرة في العالم.

ويمثل موقف ترامب من الصين تحولا مقارنة بموقفه في بداية اندلاع الأزمة الصحية في مدينة ووهان الصينية، حيث أشاد الرئيس الجمهوري بجهود الصين في الاستجابة الرسمية للجائحة، لكنه ومسؤولين أمريكيين كبار آخرين أصروا لاحقا على تسميته بـ "الفيروس الصيني" و" فيروس ووهان".

وفي إحاطاتهم الإعلامية مؤخرا، لم تسلم الصين أيضا من اتهامات ابتداء بـ"عدم الشفافية" مرورا بـ"التأخر في تقاسم بيانات الفيروس" و"التكتم على خطورة الفيروس" وانتهاء بتقارير مخابراتية تحاول ربطه بمختبر في ووهان، ومحاولة إرسال فريق تحقيق إلى الصين.

وقد فتحت تلك الاتهامات شهية البعض خارج الولايات المتحدة لمطالبة الصين بتعويضات، مثل صحيف ((بيلد)) الألمانية التي تمادت بنشر "فاتورة" بحوالي 130 مليار دولار" طالبت الصين بتسديدها عن خسائر ألمانيا بسبب الفيروس. 

وتواجه الصين دعاوى قضائية مماثلة في محاكم بدول أخرى من بعض المحامين الغربيين والمؤسسات غير الحكومية مثل كوداكونز ، جمعية المستهلكين الرئيسية في إيطاليا.

أهداف بعيدة 

في الدعوى التي قدمت في المحكمة الفدرالية، قال المدعي العام في ميسوري الجمهوري إريك سميت في بيان إن " الحكومة الصينية كذبت على العالم بشأن الخطر والطبيعة المعدية لـ كوفيد-19، ولم تفعل الكثير لوقف انتشار المرض، ويجب أن يتم محاسبتها ".

وطالب سميث في الدعوى بتعويضات نقدية من الصين عما تكبدته ولاية ميسوري وسكانها من عشرات المليارات من الدولارات كخسائر اقتصادية إضافة إلى خسائر في الأرواح، وفقا لقوله.

وحول الهدف من تلك الدعاوي والمطالبات، قال البروفيسور في جامعة بكين تشانغ إيوو إن "إلقاء اللوم على الصين يعكس تنصل المجتمع الغربي من مسؤوليته في مكافحة كوفيد-19".

وبنظره، ارجع تشانغ تلك الإجراءات ضد الصين إلى 3 أهداف: "أولا، التنصل من مسؤوليتهم بمهاجمة الصين، بدلا من التفكير في عدم كفاءتهم في التعامل مع الفيروس. ثانيا، محاولة تشويه سمعة مساعدات الصين للعالم من خلال وصفها بما يسمى التكفير عن الذنب، ومنع الناس من فهم ما فعلته الحكومة الصينية بشكل موضوعي لمكافحة المرض. وأخيرا، وصم الصين وتشكيل هجوم مستمر على المجتمع الصيني، سعيا وراء ميزة طويلة المدى سياسيا واقتصاديا وثقافيا". 

وأضاف" ويبدو أنهم يستعدون للمساومة مع الصين بعد الوباء. إنهم يريدون تحويل إنجازات الصين الاقتصادية بعد الوباء إلى ثمار لهم من خلال المطالبة بتعويض من الصين".

ويتصور تشانغ أن تلك المطالبات الاقتصادية الضخمة قد تشكل تهديدات قانونية للأصول الصينية في الخارج، محذرا من دعم بعض الدول الغربية هذه الادعاءات، بذريعة عدم التدخل في الإجراءات القانونية.

الحقائق تتحدث
 
وفي مواجهة الاتهامات الغربية، وتعتقد الصين أن الحقائق تتحدث عن نفسها. وتصر بكين على أنها تعاملت بشفافية وشاركت المعلومات بشأن الفيروس في الوقت المناسب. وإن الدول الغربية التي تضررت بشدة من الفيروس لم تستغل الوقت في الاستعداد لمواجهة الوباء. ونفت الصين أيضا أي محاولات لإخفاء الحقائق بشهادة منظمة الصحة العالمية.

ودعما للصين، قالت منظمة الصحة العالمية يوم الخميس أن جميع الأدلة المتاحة حتى الآن تشير إلى أن فيروس كورونا الجديد، الذي تسبب في الجائحة الحالية، من أصل حيواني طبيعي وليس فيروسا تم التلاعب به أو تركيبه. وأوضحت أن التسلسل الجيني الكامل لفيروس كورونا الجديد أظهر أن "فيروس كورونا الجديد من أصل بيئي في مجموعات الخفافيش".

وكان ترامب ذكر مؤخرا أن حكومته "تجري تحقيقا شاملا بشأن الوضع المروع الذي حدث"، فيما قال بومبيو "نعلم أن هذا الفيروس قد نشأ في ووهان بالصين ومعهد علم الفيروسات على بعد بضعة أميال من السوق".

صندوق باندورا 

ولا تبدو أن محاولات تحميل الصين المسؤولية عن فيروس كورونا في المحاكم ستنجح لسبب أن الحكومة الصينية محمية بقانون الحصانة السيادية.

ويعتقد الخبراء أن إدارة ترامب تحاول فقط من خلال "هذه الحيلة الدعائية" وضع الصين في بؤرة الضوء من أجل تحويل غضب الأمريكيين بسبب عدم قدرة الحكومة على احتواء انتشار كوفيد-19.
وبحسب خبراء القانون الدولي، فإن دعم الحكومة الأمريكية هذه الدعاوي ضد الصين ليس بالأمر السهل كما أنه محفوف بالمخاطر.

ويتعين على الحكومة الفيدرالية الأمريكية كخطوة أولى أن تلغي حصانة الصين من السيادة على النحو المحدد في قانون الحصانات السيادية الأجنبية لعام 1976. ويجب أن يوافق الكونغرس الأمريكي على هذه الخطوة ويقوم ترامب بالتوقيع عليها.

ورغم أن ترامب دعم في النهاية قوانين مثيرة للجدل فيما يتعلق بشينجيانغ وهونغ كونغ وتايوان وسط رفض وإدانات بكين، إلا أن صحيفة "غلوبال تايمز" الصينية قالت في افتتاحية لها اليوم الجمعة، "إذا تصرفت الولايات المتحدة بهذه الطريقة، فسوف تفتح صندوق باندورا وتؤدي إلى انهيار نظام الحصانة السيادية العالمي". 

وحذرت "هذا يعني أن أي شخص مريض بالايدز مثلا يمكن أن يقاضي الحكومة الأمريكية في بلده للحصول على تعويض. ولن تنفذ أي حكومة مثل هذه الأحكام. ولا يمكن تنفيذ مثل هذا الحكم إلا من خلال حرمان الدول المدعى عليها قسرا من ممتلكاتها في الخارج، الأمر الذي سيؤدي إلى الانتقام المتبادل وجر العالم إلى الفوضى".