رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

هل نحتاج سياسة أوضح وأكثر تحفظًا مع «كورونا»؟

زياد بهاء الدين
زياد بهاء الدين


تعاملت الحكومة المصرية مع فيروس «كورونا» منذ البداية تعاملا متزنا جلب لها تقديرا وثقة مستحقين، فبعد الإعلان، في الأسبوع الثانى من مارس الماضى، عن خطوات مبدئية لتقييد النشاط، أعلن رئيس مجلس الوزراء، يوم 24 مارس الماضى، مجموعة قرارات أشد حسما وجدية، تضمنت حظر التجول من السابعة مساء، واستمرار إغلاق المدارس والجامعات والمطاعم والمقاهى والمطارات، والمجمعات التجارية (المولات) والمحال التجارية العادية، من الخامسة مساء، وطوال يومى الجمعة والسبت، مع إغلاق الشواطئ والنوادى والحدائق العامة والجوامع والكنائس. وأظن أن الناس كانت بدأت تستجيب لهذه الإجراءات، التي عبرت عن سياسة واضحة، مفادها أن مصر لن تقدر على وقف النشاط الاقتصادى والإنتاجى، ولكن هناك اتجاه للحد من كل نشاط آخر اختيارى، ودفع الناس إلى المكوث في منازلهم مادامت لم تكن هناك حاجة صحية أو اقتصادية للخروج. ولأن هذه السياسة كانت واضحة، فقد حظيت بالكثير من الاحترام، وكنت شخصيا ممن عبروا عن تقديرهم لها.

ثم في 9 إبريل الجارى، أعلن رئيس مجلس الوزراء تجديد العمل بالقرارات السابقة، ولكن مع بعض التعديلات والاستثناءات المهمة، على رأسها استمرار العمل بالمصانع ونشاط المقاولات، دون قيد، وتقصير موعد حظر التجول ساعة في المساء، ورفع الحظر عن المحال التي تبيع المواد الغذائية بكل أنواعها، وإطالة مدة نشاط المحال التجارية العادية ساعتين يوميا. ولكن في تقديرى أن هذه الموجة الثانية من القرارات، حتى لو كان لها مبررها الاقتصادى والعملى، بعثت رسالة طمأنة ضمنية، وغير مقصودة، وبالتأكيد ليست مبررة، بأن الوضع أفضل مما كنا نتصور، وأن الخطر ليس بالجدية التي كان يخشى منها. قد يكون ذلك بسبب أسلوب الإعلان عن تلك القرارات، أو عدم شرحها للناس بشكل كاف، أو بسبب تصريحات مواكبة لها عن عدم انتشار المرض مثلما جرى في دول أخرى. المهم أن هناك ما أوحى بأن المقصود هو تخفيف القيود والضوابط الوقائية، في وقت كان يفترض فيه أن تزيد، ويتصاعد الوعى بها. وانطباعى شخصيا أن تصرفات الناس اختلفت بعد هذه الموجة الثانية من القرارات، وأن الجدية التي كانت بادئة في الانتشار حل محلها تسيب واضح، خاصة في الساعات السابقة على حظر التجول، وبين من لا تدفعهم ظروف العمل إلى الخروج.

ولكى يكون تعليقى محددا، وربما مفيدا، فإننى أقترح على الحكومة أن تعيد النظر في الأنشطة والخدمات المسموح بمزاولتها، بحيث يجرى قصرها على ما هو ضرورى، سواء للاقتصاد القومى أو للناس المعتمدين عليه، والتضييق مرة أخرى على تلك الأنشطة غير الضرورية.

كذلك، فإن هناك تفرقة يجب على المجتمع أن يعيها ويحترمها بين خروج الناس من بيوتهم والتحامهم بالآخرين بحثا عن رزق لا يمكن الاستغناء عنه أو تأدية لواجب في القطاع الصحى أو الغذائى أو العسكرى والأمنى، وبين الخروج للتسلية والترفيه عن النفس، فالأول يدخل في باب الضرورات، التي يلزم علينا تحملها واحترام من يقومون بها، بينما الثانى من المكروهات، بل المحرمات، التي لا يصح التسيب حيالها. وهذه رسالة على الدولة أن تعبر عنها بوضوح أكبر، سواء بالتشريع أو بالإعلام أو بجدية زائدة عما نلمسه، إذا أرادت أن تبدد حالة الارتياح والطمأنينة السائدة دون سبب أو مبرر علمى.

الإجراءات الحكومية، مهما كانت سليمة ومناسبة لظروف مجتمعنا واقتصادنا، لابد أن يواكبها خطاب حكومى لا يقتصر على الأرقام اليومية للإصابات والوفيات، ولا يبالغ في الطمأنة والتفاؤل، بل يعبر عن سياسة واضحة وتوقعات علمية، بحيث يكون الناس والمجتمع متابعين للمنطق الذي تدار به الأزمة، وليس فقط لمفردات هذه الإدارة والقرارات المعبرة عنها، ولا بأس إن تبين فيما بعد أن الاحتياط كان زائدا.

نقلا عن "المصري اليوم"