رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

السفير رخا أحمد حسن: مصر ستواجه أزمة اقتصادية بعد كورونا.. والخروج منها يحتاج إلى هذه المدة الزمنية (حوار)

النبأ

قال السفير رخا أحمد حسن، مساعد وزير الخارجية الأسبق وعضو المجلس المصري للشئون الخارجية، إن جائحة كورونا سوف تطيح بالكثير من الأنظمة في العالم لفشلها في معالجة الأزمة، محذرا من أن مصر سوف تواجه أزمة اقتصادية كبيرة وأن الخروج منها يتطلب الكثير من الشروط.

وأضاف «حسن» في حواره مع «النبأ»، أن الحروب والصراعات في العالم العربي لن تتوقف بسبب جائحة كورونا، كما أن جامعة الدول العربية ستظل كما هي دون تغيير، مؤكدا أن مستقبل الديمقراطية في العالم العربي لن يتغير.. وإلى تفاصيل الحوار.

في البداية هل جائحة كورونا سوف تؤدي إلى تغيير النظام العالمي وتغيير موازين القوى في العالم؟

على المستوى العالمي، العالم سيبقى كما هو متعدد الأقطاب كما بدأ في بداية هذا القرن، وسوف يبقى الصراع السياسي والاقتصادي والعسكري بين أمريكا والصين وروسيا كما هو، أما على المستوى الداخلي، فمن المتوقع أن يحدث تغيير كبير في الأنظمة الغربية بعد هذه الأزمة من خلال النظام الديمقراطي، وعبر الانتخابات والتداول السلمي للسلطة، لأنه بعد انتهاء الأزمة ستبدأ الشعوب في محاسبة الأنظمة الغربية وخاصة في أمريكا وأوربا بسبب فشلهم في مواجهة الأزمة من البداية، والمحاسبة على ما يسمى بعدوى القطيع، التي كان الهدف منها هو التخلص من كبار السن الذين ينظرون إليهم في الغرب على أنهم عناصر غير منتجة ويحتاجون إلى رعاية اجتماعية وصحية كبيرة، ورئيس الوزراء البريطاني قال ذلك بصراحة عندما قال للشعب البريطاني "ودعوا أحبابكم"، وبالتالي هذه الأزمة ستطيح بالكثير من الأنظمة في العالم، وخاصة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والكثير من الأنظمة الغربية.


وماذا عن مصير ومستقبل الاتحاد الأوروبي؟

الاتحاد الأوروبي سيبقى قائما كما هو، لأنه قائم على التكامل الاقتصادي من أجل منع الحروب والصراعات وحقق نجاحات كثيرة على المستوى الاقتصادي، وبالتالي الاتحاد الأوروبي لن يتأثر كثيرا وسوف تتمسك به الدول الأوروبية لمواجهة تداعيات أزمة كورونا، وكل التكتلات الاقتصادية في العالم سوف تستمر لأنها قائمة على المصالح.


وكيف ترى النظام الصحي في العالم الذي بدا عاجزا في مواجهة المشكلة؟

ستتم إعادة النظر في النظام الصحي على مستوى العالم وخاصة في أمريكا والدول الغربية، وذلك من خلال تخصيص نسب عالية للأبحاث المتعلقة بالأمراض وسوف يزيد الإنفاق عليها والاهتمام بها وسوف يحدث تطوير كبير وهائل في أجهزة التنفس وكل ما يتصل بالأدوية والعلاج والأجهزة الطبية، وأتوقع حدوث ثورة في هذا المجال الفترة القادمة، قطاع صناعة الأدوية والعلاج وكل ما يتعلق بصحة الإنسان سيلقى اهتماما أكثر المرحلة المقبلة ولكن ليس على حساب الملفات الأخرى مثل ملف التسليح، كما أن هذه الجائحة كشفت أن التعاون الدولي بين الدول أصبح ضرورة حتمية، لأنه ثبت أن هذه الجائحة لم تستثن أحدا غنيا أو فقيرا، ومن المتوقع أن يحدث الفترة القادمة التركيز وإعادة النظر في تمويل وتخصيص نسب عالية للأبحاث الخاصة بالأمراض والفيروسات والميكروبات والبكتيريا والحروب البيولوجية سوف يزيد الإنفاق عليها والاهتمام بها.


هل هذه الأزمة سوف تغير أولويات العالم في القضايا المختلفة؟

لن يحدث تغيير في الأولويات، ولكن سيكون هناك اهتمام أكثر لم يكن موجودا للقطاع البحثي في المجال الطبي، والتعاون بين الدول سيصبح ضرورة حتمية.


هل سيكون هناك تأثير لهذه الأزمة على الأنظمة الديمقراطية في الغرب بعد اتهامها بالتقصير في معالجة الأزمة؟

سوف تتم محاسبة الأنظمة الغربية سياسيا على تقصيرها في معالجة الأزمة، وذلك من خلال تغيير الأنظمة من خلال الانتخابات وفي إطار النظام الديمقراطي القائم حاليا ومن خلال التداول السلمي للسلطة، فلا يمكن تحويل النظام الديمقراطي إلى نظام ديكتاتوري أو شمولي في المجتمع الفرنسي أو البريطاني أو السويسري، التغيير سيكون من خلال الانتخابات والتداول السلمي للسلطة.


وماذا عن التكتلات الاقتصادية العالمية؟

التكتلات الاقتصادية سوف تستمر لأنها قائمة على المصالح المشتركة.


هل سينتهي الصراع بين الولايات المتحدة والصين في المجال الاقتصادي والتجاري والتكنولوجي والسيطرة على أسواق العالم؟

بالطبع هذا الصراع لن ينتهي، لأن الصراع الاقتصادي يحتاج إلى قوة عسكرية تحميه وتدعمه.


وماذا عن الصراع على التسليح في العالم؟

سوف يستمر، لأن كل دولة تحتاج إلى قوة عسكرية تحمي قوتها الاقتصادية، وهذا ينطبق على الولايات المتحدة وروسيا والصين والاتحاد الأوربي.


البعض تحدث عن فشل الأنظمة الديمقراطية في مواجهة الأزمة ونجاح الأنظمة الشمولية، مثل الصين وهذا سيكون له تأثير على البنية السياسية للأنظمة الديمقراطية في المستقبل.. تعليقكم؟

هذه مقولة منقوصة، تايوان التي يعتبرها الغرب دولة ديمقراطية نجحت أكثر من الصين في مواجهة الأزمة، أيضا كوريا الجنوبية وهي دولة شبه ديمقراطية نجحت في مواجهة الأزمة، نجاح الصين لم يكن بسبب النظام الشمولي أو الشيوعي لكنه كان بسبب الموروث الثقافي، فتركيبة المجتمع الصيني ومجتمعات الشرق الأقصى قائمة على السمع والطاعة والعمل الجماعي، ولهذا السبب حققت هذه الدول تقدما سريعا في المجال الاقتصادي ومواجهة جائحة كورونا.


ما مصير المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة ومجلس الأمن؟

لن يحدث تغيير جوهري في هذه الكيانات العالمية، فمثلا لن يحدث أي تغيير في وضع الدول الخمسة كاملة العضوية في مجلس الأمن، التغيير سيكون فقط في التكتيكات والأشكال، لكن القوى الأساسية مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين ستبقى كما هي، مع إعطاء دور أكبر للمنظمات الدولية المتخصصة مثل منظمة الصحة العالمية التي كان لها دور كبير في جائحة كورونا.


وكيف ترى التداعيات الاقتصادية لهذه الأزمة وعلاقتها بالتداعيات السياسية؟

سيضرب العالم موجة من الكساد والبطالة وتوقف الاستثمارات، وهذا سيكون له تأثير سلبي جدا على الأمن والاستقرار في الكثير من الدول، لاسيما دول العالم الثالث التي تعتمد بدرجة كبيرة على الاقتصاد العالمي، فمثلا مصر ستتعرض لأزمة اقتصادية كبيرة بسبب توقف السياحة والاستثمارات وتحويلات المصريين في الخارج، وهذه القطاعات لن تعود للتعافي إلا بعد سنة أو سنتين على الأقل، لكن سيكون للصين وكوريا الجنوبية وتايوان السبق في الخروج السريع من هذه الأزمة لأنها استطاعت مواجهتها مبكرا، والأسواق الأمريكية والأوربية ربما تعتمد بعض الوقت على المنتجات الصينية لحين عودة عجلة الإنتاج للدوران في هذه الدول التي تأخرت في مواجهة الأزمة، وبعد انتهاء الأزمة سوف تتغير الموازين الاقتصادية للدول وسوف يكون هناك تفاوت في سرعة الخروج من الأزمة، فالدول التي لم يكن لديها مشاكل اقتصادية كبيرة ستخرج من الأزمة أسرع من الدول التي كانت تعاني من مشاكل اقتصادية كبيرة قبل الأزمة.


وماذا عن مستقبل الدول العشرين الكبرى؟

التكتلات الاقتصادية مثل الاتحاد الأوروبي والأسيان والبريكست ومجموعة العشرين ستبقى كما هي، لكن الأوزان الاقتصادية لكل دولة داخل هذه الكيانات ستختلف حسب قدرتها على الخروج من الأزمة الاقتصادية.


وماذا عن مصر وكيفية خروجها من الأزمة؟

مصر تحتاج إلى إعادة ترتيب أولويات التنمية الشاملة، بحيث يتم التركيز على القطاعات الإنتاجية وعلى رأسها الزراعية والصناعية والخدمية وتشغيل المصانع المعطلة، مع تأجيل مشروعات الطرق والكباري والمعمار لبعض الوقت، لاسيما في ظل انشغال الإمارات والسعودية في مشاكلهما الداخلية، التركيز على قطاع الإنتاج ثم الإنتاج ثم الإنتاج.


هل سيكون لهذه الأزمة تأثير على الاستقرار والأمن بالنسبة لدول العالم الثالث مثل مصر؟

إذا طالت هذه الأزمة فبالتأكيد سيكون لها تأثير على الأمن والاستقرار في الكثير من الدول، وخاصة الدول التي تعتمد اعتمادا كبيرا على الاقتصاد العالمي مثل مصر التي تعتمد على السياحة وقناة السويس وتحويلات المصريين للخارج، كما أن هذه الأزمة كما ذكر الاتحاد الإفريقي سوف تؤدي إلى فقدان القارة السمراء لحوالي 20 مليون فرصة عمل وإلى زيادة معدل الجريمة بسبب البطالة، أما الدول التي لا تعتمد اعتمادا كبيرا على الاقتصاد العالمي فسوف يكون تأثير الأزمة عليها وقتي، لذلك مهم جدا بالنسبة لمصر أن تعيد ترتيب أولويات التنمية وأن تركز على الإنتاج الصناعي والزراعي والخدمي، وبدون ذلك سوف ندور في حلقة مفرغة.


وماذا عن الحروب والصراعات التي تشهدها الكثير من الدول العربية؟

أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، طالب بأن تنتهز الدول العربية جائحة كورونا وتقوم بوقف جميع الحروب والصراعات سواء في اليمن أو سوريا أو ليبيا، وحتى الآن لا يوجد أي استجابة أو حتى ردة فعل من جانب هذه الدول، بل على العكس هناك تصعيد في العمليات العسكرية في اليمن وليبيا، وهذه ظاهرة غير إيجابية تؤكد أن هذه الدول غير مستعدة لوقف الحروب والصراعات والخلافات البينية من أجل التفرغ لمواجهة تداعيات جائحة كورونا، رغم أن هناك توقعات بأن هذه الدول سوف تواجه أزمات اقتصادية ومالية كبيرة، والدول العربية دائما لا تدرك المشكلة إلا بعد فوات الأوان كما أنها تعودت على ركوب القطار بعد أن يفوت موعده، وكنت أتمنى أن تسجيب الدول العربية لنداء أبو الغيط وتقوم بوقف كل الصراعات والعمليات الحربية، لكن لا يوجد أي بوادر حتى الآن، ولا توجد أية بوادر للاستجابة لنداء الأمين العام للأمم المتحدة بوقف القتال والتفرغ لمواجهة جائحة كورونا وخاصة في بؤر الصراع العربية، في المنطقة العربية ما زلنا نصر على تدمير أنفسنا بأنفسنا.


وماذا عن الحرب على الإرهاب؟

الإرهاب مرتبط بالحروب والصراعات، أينما وجدت الصراعات والحروب وجد الإرهاب، طالما لا يوجد حوار فسوف يستمر الإرهاب، طالما هناك صراع سياسي سيستمر الإرهاب، الإرهاب سوف ينشط مرة أخرى بعد جائحة كورونا لأن الصراع ما زال مستمرا.


وماذا عن مستقبل جامعة الدول العربية؟

جامعة الدول العربية ستبقى كما هي، سيبقى تركيزها منصبا على الموضوعات الثقافية والفنية والعمالية والقضائية وغيرها، أما القضايا السياسية فستظل خارج اهتمامات جامعة الدول العربية وخارج اختصاصاتها، فقط تكون من خلال البيانات الرسمية والقرارات التي لا يتم تنفيذها.


وماذا عن الأحلاف العسكرية مثل الناتو؟

مستقبل حلف الناتو يتوقف على بقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أو رحيله، ففي حال نجاحة في الانتخابات القادمة فسوف تبقى المواجهة بين الولايات المتحدة والدول الأوربية داخل الناتو قائمة، أما سقوط ترامب في الانتخابات فسوف يخفف حدة المواجهة بين أعضاء الحلف والولايات المتحدة لأن الديمقراطيين غير موافقين على سياسة ترامب تجاه الحلف، وبالتالي الانتخابات الأمريكية القادمة هي التي سوف تحدد مستقبل حلف الناتو.


حدثنا عن الصراع مع إيران

الصراع مع إيران متوقف على بقاء ترامب من عدمه، فسوف تستمر المواجهة بين إيران والولايات المتحدة حتى الانتخابات الأمريكية القادمة، فإذا جاء ترامب للمرة الثانية فسوف تستمر المواجهة، وإذا سقط ترامب ووصل رئيس ديمقراطي فسوف يتغير الموقف خاصة وأن الديمقارطيين لم يكونوا موافقين على انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي مع إيران، كما أن هذه العلاقة تتوقف على موقف المملكة العربية السعودية من إيران.


كيف ترى مستقبل الديمقراطية في الدول العربية بعد هذه الأزمة؟

لن يحدث أي تغيير، سيبقى الوضع كما هو عليه، لأن النظم المتحكمة يكون التغيير فيها محكوما بمعايير مختلفة بخلاف النظم الديمقراطية، لكن في الدول الغربية سوف يحدث تغيير وتأتي حكومات جديدة بأفكار جديدة وآراء جديدة نتيجة الانتخابات.


هل تتوقع حدوث ثورات وقلاقل شعبية في مصر نتيجة لتداعيات هذه الأزمة؟

لا أعتقد ذلك.