رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

محمد مازن يكتب من بكين: أسطوانة المؤامرة المشروخة حول الوباء

النبأ

على نهار هادئة اشتد لهيبها في الأيام الأخيرة، بدأت بدعاية وانتهت برغبة في إطلاق تحقيق، يحاول صقور الإدارة الأمريكية، بما في ذلك الرئيس دونالد ترامب، طبخ نظرية المؤامرة بأن الفيروس جاء من مختبر كيميائي صيني، بهدف على ما يبدو جعل الصين تدفع ثمن الخسائر الناجمة عن التفشي ومحاسبة الدولة.

 ويقول بعض المشرعين الجمهوريين إن الفيروس نشأ من مختبر كيميائي حيوي مؤمن جيدا في ووهان، على الرغم من نفي يوان تشى مينغ، نائب مدير معهد ووهان للفيروسات. وذكرت شبكة فوكس نيوز نقلا عن عدة مصادر لم تسمها أن بعض المسؤولين الأمريكيين أكدوا أيضا أنه يتم إجراء تحقيق شامل لمعرفة ما إذا كان الفيروس قد هرب من معمل في ووهان. وجاءت فكرة ترامب إرسال محققين إلى الصين في أعقاب تحذيره من أن بكين يجب أن تواجه عواقب عن تفشي الفيروس التاجي. 

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل ستفتح الصين أبوابها للخبراء الأمريكيين؟

 من الوهلة الأولى من غير الواضح أن تسمح الصين بذلك لعدة أسباب: أولا، إن الصين تعتقد أنها تعرضت للفيروس مثل أي دول أخرى وأن أصل كوفيد-19 هو أمر علمي يجب أن يعتمد على العلماء والخبراء الطبيين في اكتشافه.

ثانيا، علماء وخبراء الصحة العامة من منظمة الصحة العالمية ومعظم الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة، يعتقدون بشكل عام أنه لا يوجد دليل يشير إلى أن فيروس كورونا الجديد محضر معمليا. وبالتالي لا ينبغي تسيسس المسألة.

ثالثا، نفت الصين مرارا تلك الإدعاءات غير المبررة. وقد نفى معهد ووهان للفيروسات التابع للأكاديمية الصينية للعلوم المزاعم غير المنطقية للجانب الأمريكي، مؤكدا أن المعهد لديه قواعد تنظيمية صارمة ولم يصب أي من العاملين في المعهد بالمرض، ويكرس جميع الأعضاء أنفسهم للعمل البحثي.

رابعا، الولايات المتحدة لا تملك أي سلطة لإخضاع الصين لمثل هذا التحقيق مع الأخذ في الاعتبار أن غالبية حالات الإصابة بفيروس كورونا في الولايات المتحدة جاءت من أوروبا وليست الصين. فالولايات المتحدة من أوائل الدول التي اجلت موظفي قنلصيتها ومواطنيها من ووهان وعلقت الرحلات مع الصين.

ومن ضمن الأسباب التي يمكن أن تدرج في هذا السياق أيضا إن شيئا من قبيل المساءلة عن وباء لم يحدث من قبل. وقد أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية قنغ ​​شوانغ فى مؤتمر صحفى يوم الاثنين على هذه النقطة، قائلا إن الصين، مثل العديد من الدول والمناطق الأخرى فى العالم، تعرضت لهجوم من الفيروس وليست متواطئة. 

وقال قنغ "لا أتذكر هل كان هناك شيء من هذا القبيل بشأن محاسبة الآخرين أو السعي للحصول على تعويض". لم يحدث أن طلب أحد من الولايات المتحدة تعويضا عن فيروس أنفلونزا الخنازير أتش1 أن1 الذي بدأ من أراضيها في عام 2009 وانتشر إلى 214 دولة ومنطقة، مما تسبب في وفاة ما يقرب من 200 ألف شخص. 

 ونفس الحال في الثمانينيات، عندما تم اكتشاف الإيدز لأول مرة في الولايات المتحدة وانتشر في وقت لاحق إلى العالم. لم يحمل أحد الولايات المتحدة المسؤولية، كما لم يفعل أحد حيال عواقب الاضطراب المالي في الولايات المتحدة في عام 2008 وانهيار ليمان براذرز فيما عرف بالأزمة المالية العالمية.

الاتهام الأمريكي ضد الصين في حد ذاته ليس جديدا. فقد بدأ بعد وقت قليل من الكشف عن اندلاع الفيروس في ووهان، صحيح أن الأمر اقتصر في البداية إلى حد كبير على صفحات الصحف والمواقع الالكترونية على الأنترنت، وبعض التلميحات غير المتماسكة والاتهامات المبطنة من جانب بعض السياسيين الغربيين، لكن يعتقد الخبراء سواء في الصين وأمريكا أن موقف ترامب الجديد إزاء تشديد لهجته إزاء الصين وإرسال فريق للتحقيق في الفيروس لا يستند في جله إلى تطورات أو أدلة جديدة قد يكون حصل عليها. 

وبنظرهم، يأتي التكتيك الأمريكي بتحويل اللوم إلى الصين كمحاولة من جانب ترامب لإنقاذ إدارته من الانتقادات المحلية المتزايدة لها في إدارة الأزمة وتفشي الفيروس بشكل كبير في الولايات المتحدة. ويرى هؤلاء الخبراء أن السلوك الامريكي مدفوع بدوافع سياسية، في ظل تراجع شعبية ترامب إلى 43 في المائة في أبريل من 49 في المائة في مارس. ويعتقد ترامب أن إلقاء اللوم على الصين يمكن أن ينقذه من الفوضى.

إضافة الى ذلك، لا يمكن استبعاد العامل الاقتصادي في سلوك ترامب إزاء الصين. ويبقى تحقيق مكاسب اقتصادية يمثل أولوية لإدارته بينما يتجه البلدان الى المرحلة الثانية من مفاوضات الاتفاق التجاري.

كما يمكن تتبع موقف ترامب في دول أخرى تواجه ظروفا مماثلة في احتواء انتشار الفيروس بشكل فعال وضغوطا داخلية هائلة وتشعر بالحاجة إلى مهاجمة الصين.

 وبالإضافة الى الإدارة الفرنسية التي انتقدت طريقة تعامل الصين مع الفيروس، طالبت صحيفة بيلد، أكبر صحيفة في ألمانيا، مؤخرا الصين بدفع "فاتورة" للبلاد بسبب تفشي فيروس كورونا في ألمانيا. كما قام رئيس تحريرها بعمل فيديو يهاجم الصين، على نفس خط ترامب ضد الصين.

الثابت على الأرض أن الصين حققت نجاحا كبيرا في مواجهة الفيروس على اراضيها وتجاهد الان بكل جدية لمساعدة الدول المتضررة على احتواء الوباء بما في ذلك الولايات المتحدة. ومنذ بداية التفشي في ووهان، انتهجت الصين موقفا منفتحا وتقاسمت المعلومات بشأن الوباء في الوقت المناسب مع منظمة الصحة العالمية والدول الاخرى. 

وبينما بدأت تشغيل الاقتصاد والحياة الطبيعية تعود تدريجيا، تصحح الصين الأخطاء وتراجع الأرقام في موقف يعكس مسؤوليتها أمام الشعب والعالم والتاريخ. وقد زادت حالات الوفاة بسبب المرض بنسبة ٥٠ بالمئة تقريبا في ووهان.

وازاء ما يبدو كحملة مدروسة ضد الصين، لا يتوقع أن تقدم الصين تنازلات مع استمرار الضغط الغربي، بل يجادل الخبراء بأن إصرار الولايات المتحدة على موقفها قد يفتح الباب أمام الصين للمطالبة بالتحقيق في المرضى الأمريكيين الذين تم تشخيصهم بشكل خاطئ وقتلوا بسبب كوفيد-19، أو حتى التفكير في التحقيق في معهد البحوث الطبية للجيش الأمريكي للأمراض المعدية. وقد أثار متحدث باسم وزارة الخارجية الصينية في وقت سابق احتمالية تورط الجيش الأمريكي في نشر الفيروس في ووهان. 

 إن اسطوانة المؤامرة المشروخة وغير المسؤولة التي يرددها البعض الآن لا طائل من ورائها وسط فيروس يواصل انتشاره بقوة ويهدد العالم أكمل. فالعدو الحقيقي هو الفيروس وليس بلد بعينه. ويجب أن تتركز كل الجهود على الوقاية من المرض والسيطرة عليه وتعزيز التعاون الدولي بدلا من توجيه اللوم والاتهامات المتبادلة. فما أحوج العالم لعلاج الآن!