رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

اقتراحات لإصلاح القطاع الصحي

عمر حبيب
عمر حبيب


إن ملف القطاع الصحي في بلادنا لا يقل في أهميته عن ملف التعليم ، ولعل هاتين القضيتين هما أكثر القضايا التي تمس تنمية الدول وتقدمها حساسية و تأثيراً .

إن التعليم و الصحة هما عبارة عن قضيبي السكة الحديد اللذان يسير عليهما قطار التنمية و النهضة ، فإذا أصاب أحد هذين القضيبين أي تلف أو كسر إنحرف القطار عن مساره و تعرض كل من على متنه للخطر .

و كما تحدثنا في المقال السابق عن دور التعليم و أهميته ، و تناولنا سوياً نقاط الضعف و التي كان لها دور كبير في تأثر العملية التعليمية في مصر وتراجع مستواها عن المعايير العالمية ، و إستعرضنا أيضاً بعض الإقتراحات البسيطة و الفعالة التي سوف تساهم بدور هام في تحسين وضع التعليم و البحث العلمي .. وجب علينا هنا أن نتحدث عن القضيب الآخرالموازي لقضيب التعليم في طريق نهضتنا و تنميتنا ، ألا و هو قطاع الصحة .

و الصحة كما ذكرنا سابقاً هي ضلع من أضلاع الثلاثي الذهبي ( الوقت ، الصحة ، المال ) ، و التي تدفع الإنسان لتحقيق كل ما يطمح إليه و يحلم به ، وهو الشئ الوحيد الذي يملكه الإنسان و لا بشعر بقيمته إلا إذا مرض أو أصابته علة ما ، و كما قيل قديماً فإن الصحة تاج على رؤوس الأصحاء.

و دعونا هنا لا نطيل الحديث عن مستوى القطاع الصحي في مصر ، فما يحدث حولنا و نراه بشكل يومي كفيلاً أن يتحدث عن الواقع الأليم من سوء خدمات بالمستشفيات أو أخطاء الإهمال الطبي لبعض الأطباء و التي تؤدي إلى تشوهات و عاهات و أحياناً تودي بحياة المريض ، أو رصد ميزانيات بالملايين لتنمية القطاع الصحي دون تحقيق الأهداف المرجوة على أرض الواقع ، أو سوء حال المرتبات و أجور العاملين بالقطاع الصحي من أطباء و صيادلة و تمريض و غيرهم .. أو غياب خطط طوارئ لحل مشكلات صحية معينة و ضعف دور إدارة الأزمات الصحية .. أو إنتشار الأدوية المهربة و المصنعة في الخفاء دون ترخيص أو إختبارات كفاءة ..أو التقصير الواضح في دور السلامة المهنية و مكافحة العدوى و غيرهم من الأجهزة .. فضلاً عن تعددية القطاعات الصحية المختلفة دون منظومة موحدة تحكمها لائحة معينة أو قانون عام مثل المستشفيات الحكومية ،المستشفيات و المعاهد التعليمية ، التأمين الصحي ، المراكز الطبية المتخصصة ، مستشفيات القوات المسلحة ، مستشفيات الشرطة ، المستشفيات الخاصة ، المستشفيات الجامعية ، و كل نوع من تلك المؤسسات يتبع قطاع معين و إدارة معينة لها لوائحها و قوانينها و لا تخضع للإشراف المباشر من وزارة الصحة مما يفتت المنظومة الصحية ككل ويجعلها مشتتة ، فيختلف مستوى الخدمة الطبية و بالتالي يؤثر ذلك على الأداء العام للقطاع الصحي .

إن الأسباب عديدة و العوامل المؤثرة في تراجع مستوى الخدمة الطبية و تقصير القطاع الصحي كثيرة و لكننا جميعاً مشتركون في هذه العوامل ، و لنا دور في هذه الأزمة الراهنة ، فمثل قضية التعليم و كما كان لنا اليد في تدهور وضعه و تأخر بلادنا عن ركب الحضارة و التقدم ، كان لنا يد أخرى في تراجع مستوى القطاع الطبي و الخدمات الطبية في مؤسساتنا العلاجية .. فالتقصير يتشارك فيه الدولة .. و المواطنين أيضاً.

فأنت حينما تعامل الطبيب أو التمريض بطريقة غير مهذبة حتى و إن كنت لا تشعر بذلك فإن هذا سوف ينعكس على مستوى الخدمة التي ستحصل عليها ، و إذا قمت بعدم المحافظة على نظافة المستشفى التي تتلقى فيها العلاج فلا تشتكي من تدني مستوى العلاج أو إنتشار الأمراض فيها .. وكذلك إلقاءك للمخلفات و القمامة في الشوارع وفي مياه النيل و تلويثك للهواء و الطعام و تدخينك للسجائر و الشيشة و المخدرات و خلافه لا يجعلك أهلاً للشكوى من إنتشار الأوبئة و الأمراض.. كذلك رفضك المشاركة أو المساهمة في حملات التبرع بالدم لتعود و تشكو من عدم توافر أكياس دم كافية لأخيك المريض أمراً غير مقبول .. و كذلك عدم وعيك و غياب ثقافتك الصحية المتمثل في عادات الأكل و الشرب و النوم غير الصحية و عدم ممارستك الرياضة وإضاعة الوقت و المال والصحة في ما لا يفيد و أسلوب الحياة غير السليم يجعلك المسئول الأول عن تدهور صحتك و إصابتك بالأمراض و العلل .. فقبل أن تبحث عن الطبيب لا تنسى أنك أنت طبيب نفسك .

و أنا هنا لا أُحمل الدولة فقط تقصيرها في تنمية و تحسين القطاع الصحي ، و لكني أحملنا نحن أيضاً المواطنين المسئولية .. فقبل أن نحاسب الآخرين علينا محاسبة أنفسنا أولاً ، حتى تتضح لنا نقاط الضعف نُصب أعيننا ، و نعمل جاهدين على معالجتها بمنتهى السهولة و اليسر .

الأمر ليس بالهين .. أعلم ذلك .. و لن يتحسن و يتطور بين عشية و ضحاها ، و لكن بالعزم والجد و الإجتهاد و محاربة الفساد بكل أشكاله سوف يعود القطار إلى مساره الصحيح .

و إن كنا في حاجة إلى إقتراحات ، فالأمر لا يحتاج إلى إجتماعات أو مؤتمرات لمناقشة خطط التطور أو معالجة الوضع الحالي في القطاع الصحي ، بل إن الأمر أبسط من ذلك دون أن يكلف الدولة ملايين الجنيهات ، و دون الحاجة لفتح باب التبرعات أو الإقتراض من جهات أجنبية .. ومن وجهة نظري البسيطة و المتواضعة أرى أن سبل إصلاح و تحسين القطاع الصحي في مصر يتمثل في عدة حلول جذرية سوف تساهم بشكل أساسي في تنمية هذا القطاع و الإرتقاء بمستوى الخدمة فيه:-

مبدئياً فيما يخص الدراسة بكليات الطب .. يجب علينا التخلص من المناهج الدراسية التي تحتوي على نظريات قديمة بطُل العمل بها منذ عقود ، ووضع مناهج حديثة تحتوي على أحدث ما وصل إليه الطب في العلوم و التخصصات المختلفة ليرتقي مستوى الطالب المصري إلى مستوى الطالب الأوروبي و الأمريكي دون أن يحتاج إلى شهادات معادلة بعد التخرج تكلفه آلاف الدولارات ، أما فيما يخص سنوات الدراسة .. فأنا من وجهة نظري الخاصة كطبيب لا أرى أي مبرر في تلك السنوات السبع الطويلة ، بل يمكن إختزالها إلى خمس أو حتى أربع سنوات و يتم أيضاً فيها نفس معدل التحصيل الدراسي ، ما الذي سنستفيده من خريجين كبار السن ؟! ... لا أعلم .

و لا أعلم أيضاً ما سر العلاقة بين التقدير العام و التخصص ، لا بد أن يتم التخصص على أساس إختبارات خاصة و تدريب مهني في التخصص يتم على أساسه قبول الخريج في هذا التخصص ، و يتم عمل إختبارات دورية للطبيب كل عام للحفاظ على مستوى أدائه و تحسين الخدمة التي يقدمها من خلال تخصصه .

إلزام كل إستشاري أو أخصائي في كل تخصص بتدريب عدد لا يقل عن خمسة أطباء مقيمين كل عام تدريباً شاملاً في التخصص ليستفيدوا من علمه و خبرته ، ولا يقتصر دور الإستشاري أو الأخصائي على الحضور فقط خلال أوقات قليلة من اليوم و عدم التعامل بشكل مباشر مع المرضى أو النواب .

توزيع الأطباء على الأماكن النائية و الريفية التي تفتقر إلى القوى البشرية في مجال الصحة بشكل سنوي .. فيجب إلزام كل طبيب بالإنتداب لمدة شهر كامل كل عام في إحدى المناطق النائية أو الريفية حرصاً على تحسين مستوى الخدمة الصحية في تلك المناطق .

الإهتمام بزيادة أعداد القوافل الطبية و العيادات المتنقلة و سيارات الإسعاف بشكل أكبر و أكثر إنتشاراً لضمان سرعة الأداء و الإكتشاف المبكر للأمراض المختلفة .

العمل على تقنين ظاهرة تهجير الأطباء سواء إلى الدول العربية أو الغربية و تحفيزهم للبقاء في وطنهم للإستفادة من خبراتهم و طاقاتهم وذلك لن يتم إلا عن طريق تحسين أجور و رواتب العاملين بالقطاع الطبي لتتناسب مع ظروف حياتهم و متطلبات معيشتهم و مهنتهم السامية .

تجهيز المستشفيات بأحدث الأجهزة الطبية والمعدات الحديثة و الطاقة البشرية العاملة المدربة بدلاً من الإهتمام بإنفاق مبالغ طائلة على مستوى الفندقة دون الإكتراث بتقديم خدمة طبية رفيعة المستوى.

إختيار جمع العاملين في القطاع الطبي على أساس الكفاءة و الخبرة دون وساطة أو محسوبية .

حماية جميع العاملين في المستشفيات أمنياً ضد أي خطر يهدد عملهم من بلطجة أو تعدي من أي نوع من قِبَل المواطنين .

إتباع معايير السلامة و الصحة المهنية و كذلك معايير مكافحة العدوى في جميع المنشئات الطبية.

الرقابة المستمرة على منظومة إستيراد وتصنيع الدواء و الأمصال و لبن الأطفال و غيرها و تحسين أدائها و حماية إقتصادنا عن طريق تشجيع الصناعة المحلية و مراقبة الأصناف المتواجدة في الأسواق المصرية و مراقبة التراخيص و كفاءة العقاقير و توفير البدائل الأرخص سعراً بدلاً من إستيراد الأدوية باهظة الثمن .

إتباع بروتوكولات و خطط تنمية القطاع الصحي الخاصة بالدول الأوروبية بحذافيرها و التي ثبت نجاحها و فاعليتها في تحسين مستوى أداء الخدمة الطبية .

تفعيل برامج التوعية و التثقيف الصحي بشكل أكثر و أوسع إنتشاراً مثل برامج الإستخدام السليم للمياه ، و طرق النظافة السليمة ، و برامج التوعية بالتبرع بالدم و غيرها ، حرصاً على إشراك المواطنين في تحسين مستوى الصحة في مصر تحت شعار " أنت طبيب نفسك ".

الدور الفعال و الهام لوسائل الإعلام في التركيز أكثر على الإيجابيات بدلاً من محاولة إظهار السلبيات طوال الوقت و تحريض المواطنين على الأطباء و ضمر الكراهية لهم .

دور الدولة في الرقابة المستمرة على أداء المستشفيات و العاملين بها و الإهتمام برأي المواطنين و أخذ إقتراحاتهم لضمان مستوى خدمة أفضل .

عمل خط ساخن لتلقي شكاوى المواطنين و متلقي الخدمة الطبية و الإبلاغ عن أي واقعة إهمال أو فساد من أي نوع .

إن بلادنا في حاجة ماسة إلى عقول و سواعد أبنائها في جميع المجالات و على رأسها التعليم و الصحة ، لأنهما يحملان فوقهما قطارالتنمية ، والقرار بأيدينا .

فهل نحن أهل لحمل تلك الأمانة و الوصول بالقطار إلى محطة النجاح؟؟.