رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

«أتون القدر 44»

أحمد عز العرب
أحمد عز العرب



كما سبق لدعوة مماثلة على نطاق أصغر كثيرًا هي دعوة القومية والوحدة العربية التي أطلقها جمال عبد الناصر وسرت في الشارع العربي كالنار في الهشيم، فكانت النتيجة تربص الغرب بزعامة أمريكا حتى استدرجوه إلى الهزيمة المنكرة سنة 1967 قبل أن يستفحل خطره ويقيم في غفلة من الغرب دولة عظمى بين المحيط الأطلسي والخليج الفارسي، فالاستعمار الغربي يخطط تخطيطًا بعيد المدى لتدارك الخطأ قبل وقوعه بأجيال وأسوق مثلًا ما ذكرته في الفصل السابق عن الصراع العربي الإسرائيلي وتقرير اللجنة التي أمرت بها الملكة فيكتوريا سنة 1890 بدراسة أسباب انهيار الإمبراطوريات القديمة.



وتقرير اللجنة المقدم للملكة سنة 1895 والذي جاء به أن من أكبر مصادر الخطر على الإمبراطورية البريطانية هو الشعوب العربية الممتدة بين المحيط الأطلسي والخليج الفارسي، والتي تملك كل مقومات دولة عظمى في مستقبل قريب، على الفور احتضنت الإمبراطورية البريطانية الحركة الصهيونية وعقد مؤتمر بازل سنة 1897 المطالب بإنشاء دولة يهودية في فلسطين.



ثم صدور وعد بلفور سنة 1917 وها هي الدولة اليهودية اليوم تهدد العرب مجتمعين، إن التخطيط الاستعماري طويل المدى جدًا، ويتمتع بصبر أيوب في تنفيذ مخططاته.



ولذلك أعتقد مخلصًا - وقد يرى البعض في ذلك شططًا فكريًا شديدًا مني - أن الإخوان المسلمين قد ارتكبوا أبشع وأغبى أخطائهم السياسية عندما أعلنوا عن هدفهم النهائي هو إعادة الخلافة الإسلامية في دولة موحدة عاصمتها القدس الشريف، مستحيل تمامًا أن يترك الغرب هؤلاء الغارقين في أحلام يقظتهم حتى يتحقق الحلم ويجد الغرب في مواجهته شارعًا ملتهبًا بالهوس السياسي في 57 دولة إسلامية ينادي بوحدة هذه الدول لمواجهة أعدائهم الذين هم بالضرورة باقي الدول غير الإسلامية.



أي يرى العالم حربًا صليبية جديدة تحقق معها معركة هرمجدون الكبرى الواردة في سفر الرؤيا في الإنجيل.



لم يكن في اعتقادي هناك أي مبرر لأن يسقط أحد أقطاب الإخوان هذه السقطة السياسية الكبرى دون مبرر مفهوم، والأدهى من ذلك ألا يصدر مكتب الإرشاد تكذيبًا لذلك فيقول مثلًا أن الرجل يعبر عن أحلامه وليس عن سياسة الإخوان المسلمين.



لعلي بذلك قد ألقيت بعض الضوء عن احتمال تفسير تأييد أمريكا للإخوان في المدى الطويل، ومن جانبي أقول دون تردد أنني أؤمن إيمانًا لا يتزحزح أن الإسلام ديننا الحنيف هو رباط بين العبد وربه ولا يتضمن أي نظام محدد للحكم إطلاقًا، ولو أراد الرسول (ص) وضع نظام حكم لوضعه قبل وفاته وأخرجه المسلمون إلى النور عند وفاته.



ولكن الرسول (ص) كان يقول للناس دائمًا «أنتم أعلم بشئون دنياكم» وما نظام الخلافة إلا صيغة حكم ابتكرها العرب عند وفاة الرسول (ص) وكانت تتفق مع مجتمعهم عندئذ، ثم تحولت بعد أقل من ثلاثين عامًا إلى ملكية مطلقة على يد الأمويين، ثم إلى ملكية مطلقة ترتدي هالة مقدسة على يد العباسيين.



رابعًا: بعد تغطية الملامح الرئيسية الدولة للمرحلة الحالية العاصفة التي تمر بها مصر نأتي الآن إلى الملمح الداخلي والأخير فنقول دون أدنى تردد ودون أي تحامل على أحد أن الشهور التسعة التي حكمها الإخوان المسلمون قد تميزت بسوء إدارة غير عادي.



وجهل فاضح بقواعد الحكم وتردد مذهل في صدور القرارات ثم إلغاءها ثم إعادة صدورها دون أن تدري اليد اليمنى في مبنى رئاسة الجمهورية على ما يبدو وما تفعله اليد اليسرى، وقد أثر ذلك مع الأسف الشديد على مهابة منصب الرئاسة تأثيرًا مدمرًا.



ونزل بسمعة كرسي الحكم إلى هاوية محزنة، ولا نرى داعيًا لشرح المزيد من التخبط الإداري والانهيار الأمني واقتراب الوضع الاقتصادي من الإفلاس فالصورة الحزينة أوضح من ضوء الشمس فإلى أين تتجه مصر من هنا؟



الله وحده يعلم الرد، ولكننا نقول بألم شديد أننا نرى على الأفق دماءًا كثيرة ستهدر دون نتيجة وستكون في عنق القائمين على الحكم.



ولا نملك في نهاية هذا الفصل سوى الدعاء للمولى قائلين:


وَقى الأَرضَ شَرَّ مَقاديرِهِ .. لَطيفُ السَماءِ وَرَحمانُها 

وَنَجّى الكِنانَةَ مِن فِتنَةٍ .. تَهَدَّدَتِ النيلَ نيرانُها