رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

«أتون القدر 42»

أحمد عز العرب
أحمد عز العرب




والآن وقد وصل التيار الديني إلى حكم مصر ومارس هذا الحكم تسعة أشهر قبل وضع هذا الكتاب وهي فترة تكفي لتقييم أدائه في ضوء وعوده السابقة وتصرفاته اللاحقة، نستطيع بضمير مستريح تمامًا أن نوجز أهم ملامح المرحلة العاصفة الحالية التي تمر بها مصر، وما توقع أن يصل الحكم الديني بها عليه داخليًا ودوليًا.



ونبدأ بالملامح الدولية لتأثيرها الأقوى على الأحداث:



أولًا: وصول الإسلام السياسي للحكم خلال انتخابات صحيحة ونزيهة إلى حد كبير مهما شابها من وقائع هنا أو هناك وقد أوضحت هذه الانتخابات بصورة قاطعة أن الشعب منقسم سياسيًا إلى قسمين يكاد أن يتساون تمامًا فقد حصل رئيس الجمهورية المنتخب على 51% تقريبًا من أصوات من أدلوا بأصواتهم وحصل منافسه على 49% تقريبًا من الأصوات.



ومهما قيل من أن كثيرًا من الأصوات التي حصل عليها الرئيس المنتخب كانت بسبب النفور من الحكم العسكري الذي طال أكثر من نصف قرن وأن كثير من الأصوات التي حصل عليها منافسه كانت بسبب النفور من الإسلام السياسي عمومًا وخاصة في جانبه السلفي المتطرف ومن خوف الناخبين المنتمين إلى التيارات المدنية والليبرالية عمومًا فيما قد يفعله حكم الإسلام السياسي بالمجتمع المدني القائم والذي استغرق بنائه قرنان من الزمان منذ أسس محمد علي الكبير الدولة الجديدة في مصر والخوف من محاولة الحكم الديني هدم هذه الدولة وإقامة فاشية دينية فوق أنقاضها مثل حكم الملالي في إيران وحكم الوهابين في السعودية، تبقى الحقيقة قائمة وهي أن المجتمع منقسم فكريًا على نفسه إلى قسمين شبه متساويين وكان المفروض والعقل في هذه الحالة أن يتوافق الطرفان على صيغة مشتركة تبدد مخاوف كل منهما من الآخر وتبقي على نوع من الوحدة الوطنية يتعايش الطرفان داخله.



وقد جرت فعلًا عدة محاولات مخلصة من جانب التيارات الدينية في الشهور الأولى بعد نجاح ثورة 25 يناير المجيدة وأبدت التيارات الدينية أول الأمر حماسًا للفكرة وقعدت اجتماعات عديدة بمقرات أحزاب الجانبين وتعهد الطرفان في وثائق مكتوبة وموقعة من ممثليهما ألا يحاول أي طرف احتكار العملية السياسية وحده، وكان مثل المضئ أمام الجانبين فقد تعهد ممثل حزب الإخوان المسلمين ورئيسه الدكتور محمد مرسي شخصيًا قبل أن يتولى الرئاسة طبعًا ألا تزيد نسبة المقاعد التي سيرشح الإخوان المسلمون ممثليهم لها عن ثلث مقاعد البرلمان.



وتعهد حزب الوفد بنفس النسبة وتعقد ممثلو الأحزاب الأصغر على توزيع مقاعدهم بينهم كلهم بنسبة حجمه في الشارع السياسي، وكان رائد المجتمعين في هذه الفكرة التجربة الإسبانية التي تمت بعد موت فرانكو وانتهاء الحكم الديكتاتوري في إسبانيا.



فقد قررت كل الأحزاب من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين على تحالف يلم الجميع لمدة أربع سنوات تبنى فيها المؤسسات الديمقراطية ويوضع دستور يحمي هذا الاتفاق وبعد أربع سنوات ينافس الشركاء عن طريق صندوق الانتخاب ويتولى الحكم من يفوز بالأغلبية، اتفق طرفا العملية السياسية كتابة في مصر على شيء مماثل تمامًا.



ولكن هذه الاتفاقات كانت في الشهور الأولى من الثورة خلال فترة حكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة في المرحلة الانتقالية التي كان مفروضًا أن تكون مدتها ثمانية أشهر فقط ثم مدت المرحلة عدة مرات وكانت نهايتها الرسمية بعد عام ونصف.



وخلال هذه الفترة الانتقالية بدأ الإخوان المسلمون يتراجعون في تعهداتهم الواحد وراء الآخر فزادت نسبة ما ينوون الترشح من مقاعد البرلمان إلى 40% ثم 50% وهكذا إلى أن أعلنوا أنهم ينوون الترشح على كل مقاعد البرلمان.



أما منصب رئاسة الدولة التي تعهدت كل الأطراف بعدم الترشح له وإيجاد شخصية محايدة يرضى عنها الجميع لهذا المنصب للمرة الأولى فقط، ثم عدل الإخوان عن هذا التعهد الكتابي بدروه ودفعوا لمنصب الرئاسة بمرشحين لا واحد فقط خشية أن تستبعد اللجنة المشرفة على الانتخابات أولهما لقيود قانونية عليه.



وهكذا كانت تصرفات الإخوان المسلمين سببًا في انهيار الثقة بين الأطراف وتربص كل منهما بالآخر وظلت العلاقة بين أطراف اللعبة السياسية تدهور بينما المجلس العسكري الحاكم يقوم بخطوات تبدو وكلها في صالح التيار الديني ولحسابه.



فبعد إعلانه رسميًا أنه لن يسمح بنشوء أحزاب على أساس ديني إذ به يصدر ترخيصًا لعدد منها بما فيها الأحزاب السلفية وعند تشكيل لجنة لوضع تعديلات دستورية لتغطية مرحلة الانتقال وما بعدها إذ به يختار لجنة رئيسها منتمي عقائديًا بوضوح إلى الإخوان المسلمين وأحد أعضائها عضو بارز في الجماعة.



وبعد أن كان المنطق يقضي إصدار دستور جديد يتم على أساسه انتخاب برلمان ورئيس جمهورية يوضح الدستور سلطات كل منهما إذا بالمجلس العسكري يقرر إجراء الانتخابات البرلمانية أولًا في يناير سنة 2012 ثم انتخابات رئاسة الجمهورية في مايو من نفس العام.



ثم تقوم لجنة يتم اختيارها من البرلمان والمجلس العسكري لوضع مشروع دستور جديد يجري الاستفتاء عليه، أن الرئيس الذي سينتخب في مايو لن يكون هناك بعد دستور يحدد اختصاصاته.



وجرت انتخابات البرلمان في يناير 2012 وفازت التيارات الدينية مجتمعة بحوالي سبعين في المائة من مقاعد البرلمان، ثم أجريت انتخابات الرئاسة في مايو، وفاز الرئيس المنتمي للتيار الديني بنسبة 51% من الأصوات بينما فاز خصمه بنسبة 49% من الأصوات.



وقام المجلس العسكري الحاكم بتسليم السلطة للرئيس المنتخب في أول يوليو سنة 2012 ودارت معارك قانونية طاحنة بين أطراف اللعبة السياسية مزقت نسيج المسرح السياسي تمزيقًا، سواء طعنًا في الانتخابات التي تمت ومدى نزاهتها، أو في إجراءات تشكيل لجنة وضع الدستور، وانتهى الأمر إلى حكم المحكمة الدستورية العليا بحل مجلس الشعب وثار الإخوان المسلمون وطعنوا في نزاهة حكم المحكمة.



وإذا بالرئيس المنتخب يصدر في نوفمبر إعلانًا دستوريًا من جانبه مجرد تمامًا من الشرعية القانونية يفوض به مجلس الشورى وحده في التشريع لحين انتخاب مجلس شعب جديد، وقانونًا آخر يعصف فيه بالمحكمة الدستورية العليا ويعيد تشكيلها مختصرًا عدد قضاتها من 19 إلى 10 قضاة حتى يتخلص من رآهم قضاة معادين لحكمه.