رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

«أتون القدر 41»

أحمد عز العرب
أحمد عز العرب



يعتبر الرئيس الراحل السادات هو المسئول الأول عما حدث في أسيوط أمام التاريخ فكما ذكرنا في الفصل السابق فعندما وقعت المظاهرات الضخمة من الفقراء يومي 18، 19 يناير سنة 1977 نتيجة الزيادة المفاجأة في أسعار السلع الغذائية والتي سماها السادات «انتفاضة الحرامية» قام السادات في رعونة سياسية غير محسوبة العواقب بإطلاق حرية العمل السياسي للإخوان المسلمين والتيارات المتطرفة الأخرى، والسماح لهم باستعمال أقصى العنف ضد اليساريين خاصة من طلبة الجامعات الذين اتهمهم السادات بأنهم مسئولون عن أحداث 18،19  يناير، وكانت السلطات الرسمية تتستر على جرائم الإسلام السياسي ضد طلبة الجامعة اليساريين وتحميه من المساءلة.



وبذلك خرج مارد الإرهاب من القمقم وأخذ ينمو ويستشري حتى قتل السادات نفسه في 6 أكتوبر 1981 عندما حاول السادات الحد من خطر استشراء هذا التيار ومن سخرية القدر أن أحد قتلته الذين حكم عليهم بالسجن المؤبد قصى عقوبة سجنه كاملة، وبعد خروجه من السجن وبعد أن وصل الإخوان إلى السلطة تم العفو الشامل عنه وسبح له بتشكيل رئاسة أحد الأحزاب السلفية الموجودة حاليًا على الساحة ودعاه رئيس الجمهورية الإخواني ليجلس في مقصورة الشرف وسط كبار الضيوف في الاحتفال بعيد النصر يوم 6 أكتوبر نفس اليوم ونفس العيد الذي قتل فيه السادات وهو يحتفل بنفس النصر وسط جيشه تدور الأيام ويشترك في الاحتفال أحد قتلة «صاحب الفرح» الأصلي.



وبوصول مبارك للسلطة خليفة للسادات هدأت الأمور خلال السنوات الأولى من حكمه نتيجة روح المصالحة التي أبداها في بداية حكمه، ومع ذلك أبقى مبارك على قوانين الطوارئ طوال سنين حكمه كما أبقى على الخطر القانوني القائم على التيار الديني بعدم السماح لأفراده بتشكيل أحزاب سياسية يمارسون من خلالها العمل السياسي.



وإن كان مبارك قد أغمض عينيه عن رؤية أفراد هذه التيارات الدينية وهم يرشحون أنفسهم للبرلمان والمجالس المحلية كأفراد أو من خلال أحد الأحزاب الكرتونية التي سمح بها مبارك والتي لم يتجاوز عدد أعضاء بعضها عدد أعضاء أسرة رئيس الحزب وأصدقاءه.



واستمر الحال على هذا المنوال خلال حكم مبارك والتيار الديني يتغلغل حتى جاءت انتخابات مجلس الشعب 2005 ورغم التزوير الفادح والفاضح لهذه الانتخابات استطاع الإخوان المسلمين الفوز بثمانية وثمانين مقعد أي خمس عدد أعضاء مجلس الشعب.



أصيب مبارك بالهلع من هذه النتيجة وقال أنه لو استمر الحال كذلك سيصل الإخوان للحكم عن طريق صندوق الانتخابات في النهاية، ولجأ مبارك إلى أصدقاءه من الوهابين في السعودية - ألد الأعداء للإخوان المسلمين - مستنجدًا بهم لمواجهة الخطر الداهم على كليهما، وطلب إليه الوهابيون ألا يقلق فلديهم وسائل ايقاف الخطر الإخواني القادم.



قام الوهابيون بتمويل الجماعات السلفية في مصر بما قدرته مصادر المخابرات الغربية بمبلغ سبعة عشر مليار ريال سعودي في الفترة من 2009 إلى 2011 فقط، وطلبت من هذه الجماعات السلفية النزول إلى ساحة العمل السياسي لمواجهة الإخوان.



وحتى يفهم القارئ ما يجري جيدًا فإننا نوضح أن هناك طائفتان مسلمتان في مصر تمنعهما معتقداتهما من العمل السياسي أو معارضة الحاكم حتى وإن ظلم، ففي حالة ظلم الحاكم للرعية على السلفي أو الصوفي أن ينصحه، فإن لم يقلع الحاكم عن ظلمه عليهما الدعاء لله أن ينتقم منه.



أما أن يرفعا السلاح أو حتى العصيان في وجه الحاكم فهي خطيئة تفوق ظلم الحاكم لأن معناها أن الإنسان يحاول أن ينتزع من المولى سبحانه وتعالى حقه في أن يكون المنتقم الجبار وحده، وهذا والعياذ بالله إثم يقترب من الشرك بالله.



ولكن مبلغ السبعة عشر مليار ريال وفتاوي فقهاء السلطة الوهابيين أقنعت السلفيين في مصر أن العمل السياسي واجب ومعارضة الإخوان المسلمين ومحاولة انتزاع أو تقاسم السلطة معهم واجب أما الثورة المسلحة ضد الحاكم الظالم فأمر يدخل معه السلفي الجنة بغير حساب لو استشهد خلال الثورة ضد الحاكم.



ولعل فيما أوردناه أعلاه منتقى من أوثق ما استطعنا الحصول عليه من مصادر التفسير المنطقي لهذه الظهور الفجائي للتيار السفلي على الساحة السياسية وحصوله في أول انتخابات برلمانية يخوضها في تاريخه على ربع مقاعد البرلمان.



وقيامه في هذه الفترة القصيرة بإنشاء عدد ضخم من المساجد والمستشفيات ودور العلم التي تقدم خدماتها لمريديها مجانًا أو بأجور رمزية منافسة بذلك الإخوان المسلمين في عقر دارهم.



أما عن البذخ الذي ينفق به التيار السلفي فحدث ولا حرج، وأسوق هنا واقعة واحدة في هذا المجال فقد كنت ضيفًا في حلقة على إحدى القنوات الفضائية منذ فترة قليلة بمدينة الإنتاج الإعلامي التي أرسلت لي سيارتها لنقلي لمدينة الإعلام ولما اقتربنا وجدت السائق يدرو دورة طويلة لم أفهم مبررها ولما استفسرت منه عن السبب قال لأن السلفيون يحاصرون المدينة.



ولما اقتربنا رأت عيناي أول حصار سلفي رأيته في حياتي ما يزيد عن ألف سيارة خاصة تطوق المدينة تمامًا وما يقرب من خمسة آلاف شخص حول هذه السيارات وعند كل باب دخول يقف سلفي بمحموله ليبلغ القادة في الخلف عند دخول مذيع أو مذيعة ممن يمقتهم السلفيون فتصيح مكبرات الصوت من الخلف تسمعه أو تسمعها أحط الشتائم والتهديدات حتى يدخل «الضحية» إلى الاستوديو في حالة الرعب وهو المطلوب وعند خروجي من المدينة بعد الحلقة كان منتصف الليل قد اقترب، وإذا بي أشاهد سيارتي نقل أطعمة ضخمتي الحجم تحملان وجبات طعام في أكياس جيدة التغليف ويتولى فريق عمل توزيع هذه الوجبات على آلاف «المرابطين» حول المدينة لحصارها فمن يا ترى يتحمل كل هذه النفقات الهائلة من مأكل ومشرب ومأوى للمرابطين دفاعًا عن الدين الذين يقومون بحصار مدينة الكفر الإعلامية؟



لا شك أن سخاء الوهابين وكرمهم الحاتمي لإخوة الدين والدم من السلفيين يفوق كل الحدود ويجتاح كل السدود.



كان هذا العرض الموجز للإسلام السياسي منذ نشأ في سنة 1928 في الإسماعيلية حتى وصل إلى رئاسة الجمهورية في يوليو سنة 2012 ضروريًا لفهم الأمور وربطها بعضها بالبعض.