رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

«أتون القدر 37»

أحمد عز العرب
أحمد عز العرب



الجيش يستولى على السلطة:



وعزز من قوة هذه الشائعة بالذات أن الملك كان قد كون مجموع سرية من ضباط الجيش في أواخر الأربعينات عرفت باسم «الحرس الحديدي» لتصفية خصومه السياسيين وعلى رأسهم مصطفى النحاس باشا، وكان من أشهر ضباط المجموعة اليوزباشي مصطفى كمال صدقي، واليوزباشي حسن فهمي عبد المجيد، وكان كلاهما معروف عنه أنه من أنصار الإخوان المسلمين، وقد حاولت المجموعة تنفيذ اغتيال الزعيم الخالد مصطفى النحاس باشا مرتين في ربيع سنة 1948 مرة بتفجير سيارة مفخخة تحت شرفة غرفة نومه ومرة بالمدافع الرشاشة من سيارة مسرعة وهو خارج من منزله ومعه نائبة سكرتير الوفد عندئذ فؤاد سراج الدين باشا وكان بالسيارة التي حاولت تنفيذ الجريمة كلا من اليوزباشيين مصطفى كمال صدقي، وحسن فهمي عبد المجيد، وشاء المولى أن يحفظ لمصر زعيمها الأمين ونائبه.



ولكن شاءت إرادته أن يموت في المحاولة خفيران من خفراء بيت الزعيم، ومضت الشهور الأخيرة من حكم فاروق، وتم عزله فاروق ورحيله عن مصر يوم 26 يوليو 1952.



أعلن نجيب أن هدف ضباط الإنقلاب هو إقامة حياة نيابية سليمة وجيش وطني قوي وتصفية الإقطاع والفساد في ظل الدستور وكان التلويح باحترام الدستور الذي كان فاروق قد عطله في الستة أشهر الأخيرة من حكمه لغوا فارغًا لم ينطلي على أحد فقد كان التخلص من الحكم الدستوري وإقامة دكتاتورية عسكرية أولوية أولى خطط لها ضباط الإنقلاب بدقة ونفذها تدريجيًا وليس هذا مجال تفصيلها.



بمجرد وقوع الانقلاب العسكري خرج الإخوان المسلمون إلى الضوء بقوة ووقفوا بجانب ضباط الانقلاب في شرفات قصر عابدين وفي الاستعراضات العسكرية والاجتماعات الشعبية التي نظمها ضباط الانقلاب وبدا كما لو كان الإخوان المسلمون شركاء لضباط الانقلاب في حركتهم ولم يمضي وقت طويل حتى اختار ضباط الانقلاب في أول وزارة عسكرية شكلها أحد أبرز أعضاء الإخوان المسلمين وزير الأوقاف معهم وهو المرحوم الشيخ أحمد حسن الباقوري.



وعندما بدأ ضباط الانقلاب في تنفيذ مخطط تصفية الحكم البرلماني لإقامة ديكتاتورية عسكرية صريحة قاموا بحل الأحزاب والتنظيمات السياسية القائمة ومصادرة أموالها ومقراتها وكان الاستثناء الوحيد لقرار الحل الذي أعلنوه هو جمعية الإخوان المسلمين تحت قيادة الهضيبي فقد أعلن ضباط الانقلاب في استخفاف كامل بالرأي العام أن جمعية الإخوان المسلمين لن تنحل لأنها جمعية إسلامية وليست حزبًا سياسيًا.



ومضت أيام أشهر العسل بين ضباط الانقلاب والإخوان في صعود وهبوط وخلافات تثور ثم يتم حلها وتصور الإخوان أنهم قد أصبحوا فعلًا شركاء في الحكم ومن حقهم الاعتراض على بعض قرارات مجلس قيادة الثورة الذي كان عبد الناصر هو المحرك الرئيسي له، وكان عبد الناصر يخطط سرًا مع خلصائه من ضباط الانقلاب للتخلص من الإخوان ومن الرئيس الصوري محمد نجيب بضربة واحدة.



بدأ عبد الناصر مفاوضات شاقة مع قوات الاحتلال البريطاني لجلائها عن مصر واستبدال معاهدة سنة 1936 التي ألغاها الوفد سنة 1951 بمعاهدة جديدة تحقق طموحات مصر السياسية وساعدت أمريكا عبد الناصر مساعدات كبيرة ليخرج جنود بريطانيا من مصر ليحل نفوذ أمريكا محلهم وهو ما حدث بالضبط فيما بعد وكما سنبينه في حينه وحدثت عدة أزمات خلال مفاوضات عبد الناصر مع بريطانيا كانت أمريكا تتدخل دائمًا لحلها.



وفجأة دون مقدمات خلال الأسابيع الأولى من عام 1954 استيقظ المصريون على مانشيتات ضخمة بالصحف وعلى رأسها جريدة الأهرام:



حل الإخوان المسلمين - المرشد وبطانته يفاوضون الإنجليز خلف ظهر الثورة



اتهم عبد الناصر الإخوان بأنهم يتصلون بالإنجليز وراء ظهره ويعرضون عليهم شروط معاهدة فيها تفريط في حقوق مصر، وأن مجلس قيادة الثورة برئاسته في اجتماع لم يحضره محمد نجيب الرئيس الصوري لمجلس قيادة الثورة قد قرر حل الإخوان المسلمين وتحديد اقامة عدد من قادتهم، وبعد أسابيع تعد على أصابع اليد الواحدة استيقظ المصريون على مفأجاة صاعقة جديدة فقد خرجت صحف الصباح في 25 فبراير 1954 بمانشيتات ضخمة وهي:
إعفاء نجيب من الرئاسة قاد الثورة (عبد الناصر) يتولى رئاسة الجمهورية.

وبرر عبد الناصر عزل نجيب بأن نجيب كان يتأمر مع الإخوان المسلمين على مجلس قيادة الثورة تمهيدًا لعزله، ولكن لم تنتهي الصدمة بهدوء هذه المرة فقد خرجت مظاهرات عارمة في اليوم التالي وقف الإخوان المسلمون وراءها ولكن السبب الأهم في قوة المظاهرات كان حب الجماهير لمحمد نجيب كانوا يرون فيه صورة الأب الطيب، بينما كان هناك عندئذ نفور واضح من ضباط مجلس قيادة الثورة وعلى رأسهم عبد الناصر فقد كانت كل القرارات المرفوضة شعبيًا مثل تقييد حرية الصحافة وخطوات الديكتاتورية الزاحفة ببطء تصدر من مجلس قيادة الثورة وعلى رأسه عبد الناصر.



وبدأت حركة تذمر خطيرة داخل صفوف الجيش تنذر بحرب أهلية مدمرة فقد انضم سلاح المدفعية في صف ضباط مجلس قيادة الثورة وأدرك عبد الناصر بذكاء خارق أن هذه ليست زوبعة فنجان، وقرر على الفور الانحناء للعاصفة تمهيدًا لاحتوائها بقدره التكتيكية وتفوق على منافسيه في حبك المؤمرات، وأعلن مجلس قيادة الثورة اليوم التالي 27 فبراير عودة محمد نجيب لرئاسة الجمهورية مبررًا هذا القرار الخاطف بأنه «صونًا لوحدة الأمة».



وبدأ أعوان عبد الناصر يجمعون له التأييد داخل الجيش ووسط التيارات العمالية زاعمين أن نجيب يدبر مع الإخوان للقيام بانقلاب مضاد على الثورة لإعادة العهد البائد الذي أسقطه الانقلاب في 23 يوليو سنة 1952، ثم قام عبد الناصر بمناورته البارعة، إذ فوجئ المصريون يوم 5 مارس بقرارات مجلس قيادة الثورة التي تقضي بعودة الجيش إلى ثكناته في غضون أشهر قليلة تجري فيها انتخابات برلمانية وتعود الأحزاب المنحلة إلى الوجود لتخوض هذه الانتخابات.



وتعهد المجلس بتسليم السلطة لمن يفوز بالأغلبية ونشط عملاء عبد الناصر نشاطًا محمومًا وسط نقابات النقل المشترك الذين يعملون في المواصلات العامة خصوصًا في القاهرة بالذات، ودفع عبد الناصر كما تأكد فيما بعد مبلغ أربعة آلاف جنيه - وكان مبلغًا ضخمًا وقتها - لرئيس نقابة عمال النقل المشترك المدعو صاوي أحمد صاوي لتحريك نقابات النقل المشترك لمساندة عبد الناصر ضد ما سموه عودة العهد البائد وضياع مكتسبات الثورة.



وفي نفس الوقت كان أنصار عبد الناصر في الجيش يثيرون خوف الضباط الشبان خصوصًا من عودة الجيش إلى ثكناته وتصفية الثورة وأن هذا لو حدث ستنتقم الرجعية العائدة أشد انتقام من الثوار وتم تحديد قيادات العناصر المؤيدة لنجيب والمعادية لعبد الناصر تمهيدًا لاصطيادهم بضربة واحدة خصوصًا ضباط سلاح الفرسان الذين كانوا في طليعة المؤيدين لنجيب ولعودة الحياة البرلمانية للبلاد.