رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

اقتراحات لإصلاح التعليم

عمر حبيب
عمر حبيب


إن مسألة التعليم كانت و لازالت بلا شك هي الركيزة الأساسية التي يرتكز عليها مصير الشعوب ، و القاعدة الرئيسية لبناء حضارات الأمم و البلدان.

و حيث أن قضية التعليم تلك و سبل إصلاحه المستمر هي قضية شديدة الحساسية و ذات طابع خاص لما لها من أثر بالغ في تكوين شخصية و عقلية المواطن و تحديد إتجاهاته الأكاديمية و المهنية في الحياة ، كان لابد أن نتوقف معها قليلاً و نتناولها بشكل أعمق و أكثر تحليلاً ، و نستعرض سوياً الوضع الحالي لعملية التعليم في مصر و إدراك نقاط الضعف فيها تمهيداً لطرح إقتراحات بناءة و فعالة لمعالجة التالف منها ووضع عمليات إحلال و إبدال سريعة و رخيصة التكلفة حتى نتمكن من إنقاذ ما يمكن إنقاذه ووضع خطى طلبة العلم على مشارف الطريق العلمي و المنهجي السليم دعماً لهم و إنطلاقاً نحو آفاق مشرقة و مستقبل مثمر.

إن التعليم في مصر - و لا شك في ذلك – يمر بمرحلة صعبة و قاسية من الضمور و الضعف ، و الوضع يختلف كثيراً عن الماضي القريب كما ذكرنا سابقاً ، فالمدارس و الجامعات في النصف الأول من القرن الماضي و حتى فترة الستينات و السبعينات كانت حقاً منارات للعلم و محاريب للمعرفة .. كان حاملي الشهادات المتوسطة و العليا على درجة كبيرة من التعليم والثقافة و الفضل في ذلك يرجع إلى عدة عوامل أهمها مستوى المادة العلمية الدسمة في الكتب المدرسية و المراجع الجامعية ، بالإضافة إلى المستوى العلمي الرفيع للأساتذة و المدرسين ، و كل ذلك ينتج تحت مظلة عريضة من الإلتزام بخطط سير العملية التعليمية من قِبَل الدولة و القائمين عليها.

كان حاملو الشهادة الثانوية أو حاملو شهادات الدبلومات الفنية على درجة من التميز و الخبرة تؤهلهم تأهيلا جيداً لسوق العمل و متطلباته ،  و كان حاملو الشهادات الجامعية من خريجي الجامعات المصرية الأهلية لا يقلون في مستواهم العلمي و الثقافي عن خريجي أضخم و أعرق الجامعات الأوروبية و الأمريكية ، و ذلك بشهادة كبار العلماء المصريين و الذين لمعت أسماؤهم في سماء العلم و نُقشت حروفها بالنوروالذهب في كبرى المنتديات و المؤتمرات العالمية من أمثال العالم المصري الدكتور فاروق الباز، و العالم الراحل الدكتور أحمد زويل ، و عملاق جراحات القلب الدكتور مجدي يعقوب ، أيضاً من ما سبقهم من جيل العظماء كالدكتور علي مشرفة ، و الدكتور أحمد لطفي السيد ، و الدكتور طه حسين وغيرهم.

إذن ماذا حدث ؟؟... ما الذي تغير في خطة التعليم سواء التعليم الأساسي أو الفني أو الجامعي ؟؟... ما الذي إختلف عما كان عليه الوضع في مدارس و جامعات مصر منذ اكثر من خمسين عاماً ؟؟.

هناك عدة عوامل أثرت تأثيراً كبيراً على مستوى التعليم في مصر في العقود القليلة المنصرمة .. نعم ، عوامل عدة جعلت ترتيب مصر في المستوى التعليمي يتراجع عالميا إلى الترتيب رقم 116 حسب آخر إحصائية عالمية .. عوامل عدة جعلت جامعتي القاهرة  و الأسكندرية تخرجان من تصنيف أعلى خمسمائة جامعة في العالم في حين أن أعلى 100 جامعة في العالم تتضمن جامعتان إسرائليتان ( الجامعة العبرية في أورشاليم في المركز 71 ، و معهد تكنيون إسرائيل للتكنولوجيا بحيفا في المركز80).

إن أحد أهم تلك العوامل و لا شك هو تراجع و تدني المستوى العلمي والمضمون المنهجي الذي تحتوى عليه الكتب المدرسية و الجامعية ، فنحن ندرس في مدارسنا و جامعاتنا مواضيع دراسية أكل عليها الزمان و شرب، مواضيع علمية ومناهج دراسية قديمة قدم الديناصورات و الحفريات دون أي تجديد في محتواها ، فهناك دروس يدرسها أولادنا الآن في المدارس قمنا نحن بدراستها منذ أكثر من ثلاثين عاماً .. فضلاً عن أن المناهج الدراسية صارت تفتقر إلى الروح ، بمعنى .. أنها تعتمد على التلقين و الحفظ و الجمود دون الإهتمام بالتحليل و المنطق المبني على الفهم و الإستيعاب.

عامل آخر في غاية الأهمية أدى إلى تراجع المستوى التعليمي للطلاب هو عدم إهتمام الطلاب بالعلم و التعليم كما كان الوضع في السابق ، و الفضل في ذلك يرجع إلى الأفكار السلبية و الهدامة المنتشرة في مجتمعنا مثل : لماذا أتعلم إذا كان سينتهي بي الحال عاطلاً ، أو لماذا البنت تكمل تعليمها طالما أن مكانها الطبيعي هو بيت الزوجية ، بالإضافة إلى الصورة السيئة التي تنقلها دائماً وسائل الإعلام و الأفلام عن خريجي الجامعات و هم جالسين على المقاهي يندبون حظهم و يلعنون تعليمهم و شهاداتهم ، بدلاً من أن تُعطي صورة إيجابية أو نماذج ناجحة للشباب المجتهد الساعي في تحقيق أحلامه و آماله.

و إذا ذكرنا الطلبة كان لابد لنا أن نذكر أخطر و أبشع عامل في تدني مستوى التعليم ألا و هو ظاهرة الغش بالتكنولوجيا ، وكلنا سمعنا عن مأساة إمتحانات الثانوية العامة على مدار السنوات الأخيرة و الغش داخل لجان الإمتحانات بين الطلبة مستخدمين في ذلك وسائل التكنولوجيا الحديثة و تطبيقاتها المختلفة بالإضافة إلى صفحات الفيسبوك التي قامت بتسريب معظم إمتحانات المواد دون ضمير أو حياء.

عامل آخر في تدني مستوى التعليم هو كسر حاجز الوقار و الإحترام بين الطالب و المعلم ، وذلك عن طريق ظاهرة الدروس الخصوصية اللعينة و التي إنتشرت كالفيروس في كل مراحل وسنوات التعليم حتى وصلت إلى الصف الأول الإبتدائي ، فلم يعد الأمر كما كان في السابق أن المدرس له هيبته و إحترامه ووقاره إذا دخل الفصل ، فهو كان رمزاً للعلم و المعرفة التي ينهل منها الطلاب و كان عالماً جليلاً في علمه و أستاذاً خبيراً في تخصصه ، و لكنه للأسف إستسلم لإغراء الدروس الخصوصية فأصبح يقايض العلم بالمال ، و أصبح أجيراً لدى الطالب ليتحكم به و يفرض سيطرته المادية عليه ، و زال الحاجز الأخلاقي و إنهارت قلعة العلم الحصينة و إنهدمت أسوارها العالية ذات القيم الرفيعة.

و دعونا لا ننسى أحد العوامل الهامة التي ساهمت في تدني مستوى التعليم في بلادنا وهو تراجع مستوى المدرسين  والمعلمين ، و يرجع الفضل في ذلك إلى ضعف الأسس العلمية و التربوية التي يتم على أساسها إختيار المدرس لأداء تلك المهنة السامية ، فالمعلم لابد أن يمتلك الخبرة العلمية في مجال تخصصه و التي تُؤهله كي يصبح أستاذاً متمكنا في مجاله ، و لابد أيضاً أن يمتلك الوعي الثقافي و الملكة التربوية و الموهبة التي تؤهله كي يساهم في تنشأة جيل من الطلبة و الطالبات تمهيداً لجعلهم أباء و أمهات المستقبل .. و لكننا مع الأسف نسمع و نقرأ بصفة شبه يومية في الصحف و النشرات الإخبارية عن حوادث بين المدرسين و الطلاب يتم التعدي فيها على الطلاب من قِبَل المدرسين تصل إلى حد إحداث عاهات مستديمة ، فبعد أن كان المدرس هو رمز الأستاذ الجليل و الأب الحنون و المثل الأعلى صار للأسف رمزاً للإستهتار و الهمجية و اللامبالاة.

و أخيراً و ليس آخراً في تلك العوامل المؤثرة على مستوى التعليم في مصر هو غياب دور الدولة و القائمين على سير العملية التعليمية والمتمثل في غياب القوانين الرادعة و القرارات المصيرية الحاسمة لإصلاح ما أصاب التعليم المصري من تلفيات وخسائر بالغة ، عدم السيطرة على ظاهرة الدروس الخصوصية بالإضافة إلى تكرار و إرتفاع معدلات الغش في إمتحانات الثانوية العامة ، فضلاً عن الإسراف في فتح و إنشاء جامعات و معاهد و أكاديميات خاصة ساهمت في تسهيل الحصول على أي شهادة جامعية في مقابل مبلغ من المال دون الإجتهاد و الجد و السعي في تحقيق النجاح ليتساوى الفاشل مع الناجح ، فضلاً عن سوء إختيار المعلمين المؤهلين لأداء مهنة من أسمى المهن في الوجود و هي المهنة التي كاد صاحبها أن يكون رسولاً.

إن أسباب و عوامل إنحدار مستوى التعليم في مصر عديدة و كلنا مسئولون عنها سواء المواطنين أو الدولة ، و لكننا لا نهدف إلى البكاء و الندم و لطم الخدود و الرثاء على حالنا و ما وصلنا إليه ، إنما نهدف إلى التفكير و التنقيب في أعمق أعماقنا و الخروج بالإقتراحات و الحلول التي سوف تنقذنا من هذا الضياع و الهلاك ..و بعض تلك الإقتراحات يتمثل في الآتى:

 إدخال و تفعيل تجارب تعليمية أوروبية أو أمريكية ثبت نجاحها و تفوقها في ضبط و تقويم العملية التعليمية .. إدخالها و تطبيقها كما هي دون الحذف أو الإضافة إليها و دون التغيير في مضمون و محتوى المواد الدراسية و المناهج .. و هذا في مصلحة الطالب المصري كي يتخرج متساوياً مع الطالب الأجنبي و مؤهلاً مثله تماماً في سوق العمل داخلياً و خارجياً .

 وضع خطة منهجية شاملة و رصد ميزانية جيدة للتعليم و البحث العلمي و تفعيل تلك الخطة و متابعتها .
وضع قرارت و قوانين صارمة من قِبَل الدولة و القائمين على العملية التعليمية لضبط سير التعليم في المدارس و الجامعات و القضاء على الغش في الإمتحانات بكافة وسائله و تقنين ظاهرة الدروس الخصوصية بقدر الإمكان.

 مواكبة التقدم العلمي ووسائل التعليم الحديثة في الغرب و إضافة كل ما هو جديد لتعليمنا أولاً بأول حتى لا نتراجع عن ركب الحضارة مرة أخرى.

 وضع إختبارات تأهيلية جادة للمدرسين و عمل دورات تدريبية تربوية تؤهلهم للإستمرار في تقديم خدماتهم كمعلمين و أساتذة أكفاء و العمل على عودة قيمة المعلم و هيبته أمام الطلاب مرة أخرى .

 وضع إختبارات تأهيلية للطلبة لدخول الجامعات و الكليات التي يرغبون بها دون الإعتماد فقط على المجموع .. وهذا النظام مُطبق بالفعل في معظم دول العالم و هو نظام رائع و فعال يساعد الطالب في تقرير مستقبله و تحديد إتجاهاته بشكل أوسع من خلال توضيح الصورة أكثر له في إختيار نوع الدراسة و الكلية التي تناسب ميوله و تطلعاته .

 الإهتمام بمادتي التربية الدينية و التربية القومية ووضعهما داخل درجات المجموع الفعلية حتى يزداد إهتمام الطالب و الطالبة بالعقيدة و الإنتماء للوطن مما يصنع منهم مواطنين صالحين و مخلصين.

الاقتراحات كثيرة و عديدة و لا تقتصر على فكر معين أو إتجاه معين و لكن حقاً علينا أن نهتم بتعليمنا ونسعى دائماً في إصلاحه و تقويمه من أجل بلادنا و رفعة شأنها و لأنه حقنا في الحياة كالماء و الهواء.